حسن عباس – «صدى الوطن»
بالتزامن مع بدء حملة التطعيم ضد فيروس كورونا بالولايات المتحدة، في 19 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، تصاعدت موجات التشكيك بجدوى اللقاحات المضادة لـ«كوفيد–19»، وخطورة آثارها على الصحة العامة، ما دفع بـ«منظمة الصحة العالمية» إلى مطالبة الخبراء بمواجهة المفاهيم المغلوطة والتصورات الخاطئة حول لقاحات «كوفيد–19».
وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرتيش على التصدي لما أسماه «فيروس التضليل»، و«الشعبوية» التي تتجاهل العلم وتضلل الناس في جميع أنحاء العالم، محذراً من نشر «الخرافات ونظريات المؤامرة»، والعمل بدلاً من ذلك، على «بناء الثقة في التطعيم، على أساس العلم والحقائق».
وكانت دائرة الصحة بميشيغن قد وضعت خطة تهدف إلى تلقيح 70 بالمئة من البالغين فوق سن 16 عاماً بحلول نهاية العام 2021.
وقد أولت حكومة ميشيغن أهمية خاصة لمقاطعة وين، بسبب تضررها الكبير بالفيروس المستجد، ومع ذلك يتوجس الكثيرون في هذه المنطقة من اللقاحات الجديدة وآثارها المحتملة حول الصحة العامة.
وفي هذا الصدد، تواصلت «صدى الوطن» مع الخبير في الصحة العامة علي أبا زيد لمناقشة بعض التصورات الرائجة في أوساط العرب الأميركيين حول المخاطر المزعومة للقاح الجديد، واستكشاف الأسباب التي توجب أخذ التطعيم لوضع حد للوباء.
أبا زيد من سكان مدينة ديربورن، يعمل مستشاراً للصحة العامة لدى «معاهد الصحة الوطنية» NIH، وهي الوكالة الفدرالية الرئيسية المسؤولة عن البحوث المتعلقة بالطب الحيوي والصحة العامة.
وقبل انضمامه للعمل مع الحكومة الفدرالية، عمل أبا زيد مستشاراً صحياً في دائرة الصحة بمدينة ديترويت. وكان قد تخرج من «جامعة ميشيغن» بشهادة بكالوريوس في العلوم، وشهادتي ماجستير في «الصحة العامة» و«السياسة العامة».
وقد توجهت «صدى الوطن» بسؤالين رئيسيين لأبا زيد حول تشكك الكثيرين في لقاحات كورونا وتوجسهم من حملات التطعيم، وعن الفروق الرئيسية بين الإنفلونزا و«كوفيد–19»، وجاءت الأجوبة على النحو الآتي:
■ ما هي الشكوك المثارة والتصورات المغلوطة حول لقاح كورونا في المجتمع العربي الأميركي؟ وما الذي يجب أن يعرفه الناس كي يتأكدوا من سلامة وفعالية اللقاحات التي أجازتها «دائرة الغذاء والدواء» (أف دي أي)، وحتى يكونوا أقل قلقاً بشأن عملية التطعيم؟
– المعلومات الخاطئة حول لقاحات «كوفيد–19» والتردد إزاء التطعيم هما مصدر قلق وطني، خاصة في المجتمعات الملونة، ومن بينها المجتمع العربي الأميركي. لقد أظهرت دراسة حديثة –نشرت مؤخراً– أن لقاحات كورونا تواجه أزمة ثقة في أوساط السود واللاتينيين، مما يؤكد على ضرورة إيصال المعلومات الموثوقة إلى جميع الشرائح في الولايات المتحدة.
الهاجس الأكبر الذي يتردد في جميع الأوساط، يتعلق بما يسمى بـ«السرعة» التي تم بها تطوير اللقاحات، حيث يعتقد البعض خطأ أنه تم تطويرها في غضون أشهر قليلة، وهذا ليس صحيحاً. إن أفضل طريقة لتفسير السرعة التي تم بها تطوير لقاحات «كوفيد–19»، هي معرفة أن إنتاج اللقاحات المضادة للفيروس المستجد يعتمد على سنوات طويلة من البحوث، وكذلك النتائج التي سببها وباء كورونا، وهو ما دفع العلماء إلى التعاون وتكثيف الجهود من أجل وضع حد لهذه الجائحة العالمية.
لقد مرّ لقاحا «فايزر» و«موديرنا» عبر نظام تجريبي صارم للغاية، شارك في تجاربه قرابة 75 ألف شخص، وكما قال الدكتور أنتوني فاوتشي، فإن تطوير اللقاحين في وقت قياسي يعكس «التقدم العلمي غير العادي في هذا النوع من اللقاحات، الأمر الذي سمح لنا خلال شهور بالقيام بأشياء كانت تستغرق بالفعل سنوات، في الماضي».
«دائرة الغذاء والدواء» (أف دي أي)، وهي المعيار الذهبي الدولي في ضمان سلامة وفعالية وأمن اللقاحات، أكدت أن لقاحي «فايزر» و«موديرنا» آمنان وفعّالان للغاية في الوقاية من الفيروس المستجد، وقد أظهر كلا اللقاحين فعالية مشابهة تقترب من 95 بالمئة، وهذا مستوى مذهل من حيث الحماية.
وقد سمعت مخاوف كثيرة بشأن الآثار الجانبية للقاحين والمضاعفات طويلة الأمد التي تنجم عن التطعيم، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن التجارب أثبتت أن أخطر الأعراض تظهر بعد ساعات أو أيام أو ربما أسابيع، ومعظمها يظهر خلال الشهرين الأوليين بعد الحقن. ولقد تمت متابعة جميع المشاركين البالغ عددهم حوالي 75 ألف في تجارب لقاحي «فايزر» و«موديرنا» لمدة شهرين على الأقل، وخلصت النتائج إلى أن كلا اللقاحين آمن.
الأصح أن نسمي الآثار الجانبية بأنها تفاعلات لقاح خفيفة أو معتدلة قصيرة المدى تتلاشى دون مضاعفات. تشمل ردود الفعل هذه، أعراضاً قصيرة الأمد في مواضع الحقن، كالصداع والقشعريرة والإرهاق الذي يستمر عادة يوماً أو يومين. وتشير الأبحاث إلى أن ردود الفعل آنفة الذكر هي دليل على استجابة جهاز المناعة للقاح، وليس ما في الأمر ما يدعو للقلق.
أتفهم أن معظم الناس قلقون من اللقاح، لكنني أريد حقاً تهدئة مخاوفهم، فهذه اللقاحات آمنة، وهي التي ستقودنا إلى نهاية الوباء. ستسمح لنا هذه اللقاحات باستعادة حياتنا، ومن المهم ألا يتخلف المجتمع العربي الأميركي عن الركب، عندما يتعلق الأمر بجني الفوائد.
لنتذكر أننا بحاجة إلى تطعيم 70 بالمئة من الناس لكي نتمكن من تأسيس مناعة القطيع، أو الوصول إلى النقطة التي يكون فيها معظم الناس محصنين ضد فيروس «كوفيد–19»، الأمر الذي سيوفر حماية غير مباشرة للأفراد الآخرين.
على الرغم من نشر اللقاحات وبدء عمليات التطعيم في جميع أنحاء البلاد، فمن المهم أن ندرك بأننا سنعيش شهرين قاتمين، مع أن الأرقام تشير إلى أننا نواصل تسجيل أرقام قياسية على الصعيد الوطني، في أعداد الإصابات والوفيات وحالات الاستشفاء، ولعدة مرات في الأسبوع. ومع ذلك، فإن هذه اللقاحات تبشر ببداية نهاية الوباء، وعلينا الاستمرار في توخي الحذر واليقظة خلال الأشهر القادمة، التي نقترب فيها من آخر النفق.
■ لاتزال ديربورن واحدة من أكبر بؤر انتشار الفيروس المستجد في مقاطعة وين، ومع ذلك يعتبر الكثير من سكانها أن كورونا لا يختلف كثيراً عن الإنفلونزا، ما الذي يجب أن يعرفه الديربورنيون حول الفرق بين كورونا والأمراض التنفسية الأخرى، وما الذي دفع العلماء وإخصائيي الصحة العامة إلى اعتبار وباء كورونا حالة طوارئ عالمية؟
– رغم كثرة المشككين بمخاطر «كوفيد–19»، إلا أن الفيروس المستجد ليس كالإنفلونزا، مع أن كليهما يصيب الجهاز التنفسي. صحيح أن أعراضهما المتشابهة تجعل من العسير التمييز بينهما، ولكن فيروس «كوفيد–19» أكثر خطورة بكثير، فأعداد ضحايا كورونا في الولايات المتحدة، منذ كانون الأول (ديسمبر) 2019، تفوق بكثير أعداد ضحايا الإنفلونزا الموسمية خلال السنوات الخمس الماضية.
نظراً لأن «كوفيد–19» هو فيروس جديد، فهذا يعني أنه سلالة جديدة من الفيروسات التي لم يتم رصدها لدى البشر قبل ديسمبر 2019، ولذلك فإن أجسامنا ليست لديها دفاعات مناعية جاهزة للتعامل مع الفيروس المستجد. هذا النقص في المناعة، هو السمة الأكثر أهمية لـ«كوفيد–19»، ويعني أن الجميع عرضة للإصابة به. مع نزلات البرد والإنفلونزا الموسمية، تواجه أجسامنا هذه الفيروسات التي تعرفت عليها من قبل، وشكلت آليات دفاعية ضدها، إضافة إلى أننا نمتلك علاجات وأدوية للإنفلونزا الموسمية.
ما يفعله لقاح كورونا هو أنه يعلّم جهاز المناعة كيفية التعرف على فيروس «كوفيد–19»، دون أن يصاب الجسم الذي ينتج مواد مضادة لمكافحته. يعاني مرضى كورونا من أمراض حادة قد تودي إلى الموت، بمعدل أكبر من تأثير الإنفلونزا الموسمية، وفي جميع الفئات العمرية، باستثناء –ربما– الأطفال دون سن الـ12 عاماً.
الآثار الصحية طويلة المدى، هي مصدر قلق آخر ناجم عن الاختلاف بين الإنفلونزا و«كوفيد–19». فلقد كشف الناجون من مرض كورونا عن معاناتهم من آلام وأعراض شتى، كالإجهاد العضلي، وتشوش الدماغ، وضيق التنفس، وصعوبة التركيز، وفي بعض الأحيان، عانوا من مشاكل قلبية وعصبية.
إن الهدف الأساسي للصحة العامة، في جميع الأمراض المعدية، يشتمل على علاج المصابين والحد من انتشار العدوى، ولدينا سبب قوي للاعتقاد بأن «كوفيد–19» أكثر عدوى من الإنفلونزا، وأن الأفراد الذين يعانون من أعراض خفيفة، أو هؤلاء الذين لا تظهر عليهم الأعراض مطلقاً، قادرون على نقل الفيروس المستجد للآخرين، وبعضهم قد يكون لديه مسار أمراض أكثر خطورة.
ختاماً، هنالك الكثير من المزاعم المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقول إحداها إن معدل الوفيات بفيروس كورونا لا يتعدى 1 أو 2 بالمئة من المصابين، وبالتالي لا توجد ضرورة لتطعيم الناس ضد فيروس غير مميت. لكن لا بد من التنبيه هنا إلى أن معدل الوفيات بنسبة 1 بالمئة هو أكثر فتكاً بعشر مرات من الإنفلونزا الموسمية، كما أن معدل الوفيات يتفاوت بشكل كبير حسب العمر والجنس والظروف الصحية للفرد، وهذا ما يجب أن يؤخذ بالحسبان.