وليد مرمر – لندن
أيام قلائل ويودع العالم، سنة ربما ستبقى ذكراها محفورة في الذاكرة لعقود. فقد كشر العام 2020 عن أنيابه منذ بدايته مع اندلاع حرائق كارثية التهمت غابات شاسعة في مقاطعة نيو ساوث ويلز الأسترالية متسببة بإتلاف آلاف الهكتارات والقضاء على ملايين الحيوانات.
تزامنت تلك الحرائق غير المسبوقة مع جريمة اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني وقائد «الحشد الشعبي» العراقي أبو مهدي المهندس إثر هبوط طائرتهما في مطار بغداد قادمة من دمشق، في جريمة صريحة تتنافى مع كل القوانين والأعراف الدولية. والمعروف أن سليماني والمهندس كانا رأس حربة في القضاء على تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وهو التنظيم الذي اعترفت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، بأن إدارتها هي من صنعته!
وقد أعلن الرئيس دونالد ترامب –تعقيباً على جريمة مطار بغداد– «أننا قضينا على سليماني فيما كان يهم بفعله الإجرامي»! ولكن ما هو الفعل الإجرامي الذي كان سليماني يخطط له وهو الذي كان يستقل طائرة عامة عائداً من سوريا وغير متخفٍّ، ملبياً دعوة حكومية لزيارة العراق. ولقد سارعت إيران –حينها– إلى الرد على الاغتيال عبر قصف قاعدة «عين الأسد» في العراق. فقطع العالم أنفاسه مترقباً انفجار حرب كبرى، لو لم يعمد الطرفان المتنازعان إلى ضبط النفس.
بعدها، اجتاح فيروس كورورنا المستجد، العالم، انطلاقاً من الصين لتبدأ معاناة جديدة لشعوب الأرض مع عدو خفي اجتاح جميع بلدان المعمورة من دون تمييز. وقد اختلفت استراتيجيات الدول في التعامل مع كورونا، حيث عمد البعض إلى الإغلاق الشامل فيما لجأ البعض الآخر –مثل السويد– إلى التخفيف من الوباء والتسلح بنظرية «مناعة القطيع»، فوصلت أرقام الإصابات والوفيات بـ«كوفيد–19» إلى مستويات مرعبة لاسيما في الولايات المتحدة وأوروبا. وقد سارعت الدول المتقدمة إلى حث شركات الدواء على تطوير لقاح للفيروس، فنجحت شركة «فايزر»، وبعدها «موديرنا» في توفير لقاحين تصل فعاليتهما إلى أكثر من 94 بالمئة. فيما طورت روسيا لقاحاً آخر تصل نسبة نجاعته إلى 92 بالمئة فضلاً عن لقاحات أخرى تم تطويرها في الصين والهند.
وبالفعل، بدأ الكثير من دول العالم بحملات تطعيم، لكن «كوفيد» لم يرفع العلم الأبيض بعد، بل بالعكس، فقد سارع إلى «التحوّر» مع اكتشاف سلالة جيدة أكثر عدوى ظهرت أولاً بمقاطعة كنت البريطانية، ثم اكتشفت سلالة أكثر تطوراً في جنوب أفريقيا.
وبينما أكدت ألمانيا أن لقاح «فايزر» الذي ساهمت بإنتاجه، سيكون فعالاً مع السلالة الأولى، يأمل العالم بأن تكون اللقاحات المتوفرة ناجعة مع السلالات المتحورة التي قد تواصل الحرب الشعواء ضد بني آدم في المستقبل القريب، بعد أن فتكت بأكثر من 1.76 مليون شخص حول العالم منذ بداية العام 2020.
وإلى جانب الخسائر المرعبة بالأرواح، لم تكن الخسائر الاقتصادية حول العالم أقل رعباً، حيث فتك كورونا بالاقتصادات الكبرى والصغرى على حد سواء، بسبب سياسات الإقفال العام التي عطلت الصناعة والسياحة والسفر وصولاً إلى عالم الترفيهة والرياضة، حيث أوقفت المباريات لعدة أشهر قبل أن تُستأنف من دون جماهير، كما تم تأجيل الألعاب الأولمبية المقررة في طوكيو إلى الصيف القادم، وذلك لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.
ورغم أن البورصة العالمية قد شهدت هبوطاً حاداً بين شهري فبراير ومارس الماضيين إلا أنها، وللمفارقة، عادت لتسجل ارتفاعاً قياسياً مدفوعة بالمكاسب الهائلة التي حققتها الشركات الكبرى، لاسيما في قطاع التكنولوجيا. وإذا تمكن أثرى أثرياء العالم، مثل جيف بيزوس (أمازون) ومارك زوكربرغ (فيسبوك) وغيرهما، من إضافة تريليونات الدولارات إلى أرصدتهم، في حين مُني أصحاب المطاعم وسائر المصالح التجارية الصغيرة إلى خسائر فادحة وضعتهم على شفير الإفلاس.
ومع ذكر الإفلاس، لا مفر من الحديث عن لبنان الذي عاش في 2020 أسوأ أيامه حتى مقارنة بالحرب الأهلية. حتى أصبح اللبنانيون يتندرون بأن لم يعد «ينقصنا» إلا يضربنا نيزك «حتى تكمل»!
فبالإضافة إلى الأزمة السياسية والانهيار الاقتصادي وتدهور سعر صرف الليرة، جاءت كارثة مرفأ بيروت في آب (أغسطس) الماضي، لتزيد جراح اللبنانيين وآلامهم بعدما انفجرت كميات ضخمة من «نيترات الأمونيوم» التي وصلت إلى بيروت بطريقة غامضة وظلت مهملة من قبل المسؤولين –رغم خطورتها– منذ العام 2013 حتى انفجارها بظروف مجهولة متسببة بمقتل 200 شخص وتدمير أجزاء كبيرة من العاصمة المنكوبة.
وقد سبقت الانفجار، تحولات كبيرة في المشهد اللبناني نتيجة الهبوط الحاد في سعر الليرة اللبنانية التي خسرت 80 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار وتجميد أموال المودعين مما تسبب بأزمة حادة أصابت الطبقة الوسطى وطبقة الأثرياء على حد سواء!
وفي الولايات المتحدة الأميركية، وفي ظل انتشار جائحة كورونا والقيود الصارمة التي فرضها حكام بعض الولايات كالبقاء في المنزل وإغلاق المؤسسات التجارية، أجريت انتخابات الرئاسة في ظروف غير مسبوقة، لكنها أدت –للمفارقة– إلى تسجيل أكبر نسبة إقبال على الاقتراع في تاريخ البلاد ليحطم كل من بايدن (81.2 مليون صوت) وترامب (74.2 مليون) الرقم القياسي السابق المسجل باسم باراك أوباما (69.5 مليون) في انتخابات 2008.
ضخامة الأرقام لم تكن المفاجأة الوحيدة في انتخابات الرئاسة الأميركية، بل شكل تشكيك ترامب المستمر بالنتجية، واتهامه لبايدن والديمقراطيين بالتزوير وسرقة الانتخابات، صفعة غير مسبوقة لمصداقية الديمقراطية الأميركية عالمياً، وهي التي كانت تتدخل منذ عقود طويلة بشؤون بلدان العالم تحت شعار نشر الديمقراطية وإقامة الانتخابات النزيهة.
ومع اقتراب موعد تسليم السلطة في 20 يناير القادم يبدو أن الرئيس ترامب مازال يراهن على شيء ما لإعاقة وصول بايدن إلى البيت الأبيض، أو على الأقل سيعمد إلى استراتيجية عدم التسليم بفوز بايدن والتشكيك بشرعيته، تمهيداً لعودته إلى الحكم بعد أربع سنوات.
أيام قليلة تفصلنا عن نهاية سنة 2020، وكل ما نرجوه هو ألا نترحم عليها.
وكل عام وأنتم بخير.
walidmarmar@gmail.com