كمال ذبيان ذ اصدى الوطنب
يودّع لبنان عام 2020، الذي طغى عليه وباء كورونا عالمياً، فيما كانت مآسي اللبنانيين مضاعفة مع معايشتهم لانهيار مالي واقتصادي غير مسبوق بدأت ملامحه بالظهور أواخر العام الماضي.
فإذا كان وباء كورونا قد وصل إلى لبنان في الربع الأول من 2020، فإن البلاد كانت قد بدأت تعاني بشدة من اختناق اقتصادي حاد مع انهيار سعر صرف الليرة وارتفاع نسبة الفقر والجوع والبطالة والهجرة بوتيرة سريعة، بينما فشل الحراك الشعبي الفوضوي في إحداث أي تغيير حقيقي ضد الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، التي تحوّلت ذعلى مرّ العقودذ إلى محميات سياسية لأركان الطبقة الحاكمة التي أمعنت في هدر المال العام وتكديس الدين العام على خزينة الدولة.
والحاجة إلى مزيد من المداخيل للخزينة الخاوية، كانت وراء القرار المتهور الذي اتخذته حكومة سعد الحريري بفرض رسوم إضافية على جيبة المواطن من خلال تطبيق اواتسابب، فهب الشارع بشكل عفوي غضباً ضد الطبقة السياسية الحاكمة منذ ما بعد اتفاق الطائف، والتي أوصلت البلاد إلى الإفلاس والانهيار دون إبداء أية نية للإصلاح السياسي أو المالي أو الاقتصادي، أو تحسين الحالة الاجتماعية والمعيشية للبنانيين.
انتفض اللبنانيون في 17 تشرين الأول 2019 بوجه السياسيين الذين فقدوا خلال أيام معدودة هيبتهم حتى أمام أنصارهم، بينما استغلت المصارف حالة الاضطراب في الشارع فأقفلت أبوابها أمام العملاء الذين تفاجأوا بأن مدخراتهم تبخرت.
الحراك الشعبي الذي جاء تحت عناوين فضفاضة، مثل اكلن يعني كلنب، لم يستثن كبيراً أو صغيراً من الطبقة السياسية التي أوصلت أكثر من نصف اللبنانيين إلى حافة الفقر، فارتفعت الأصوات المطالبة بإسقاط كل الطبقة السياسية الحاكمة منذ أكثر من ثلاثة عقود، بما في ذلك مَن دخل جديداً إلى السلطة، بعد الانسحاب السوري عام 2005، كـاالتيار الوطني الحرب واالقوات اللبنانيةب واحزب اللهب الذي لم يشارك بأية حكومة قبل 15 عاماً.
وبحسب المنفتضين، فإن هؤلاء لم يكن أداؤهم أفضل ممن سبقوهم في الحكم مثل حركة اأملب واالحزب التقدمي الاشتراكيب والحريرية السياسية المتمثلة بـاتيار المستقبلب، إذ أن كل هؤلاء، وبنسب متفاوتة يتحمّلون مسؤولية الانهيار، حتى أنه يُغمز من قناة احزب اللهب، أنه اوصل متأخراًب لمحاربة الفساد في العام 2018، حيث قام بتحريك ملفات أمام القضاء، لكنها بقيت في أدراجه بسبب الارتباط السياسي لقضاة معينين من قبل مرجعيات سياسية، يأتمرون بأوامرها.
أبعاد وجذور الأزمة
الحراك الشعبي الذي لم يحقق أية نتائج عملية باستثناء استقالة حكومة سعد الحريري، كانت له مفاعيل اقتصادية سرعان ما بدأت بالظهور مع إقفال المصارف وتدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار.
ومن جهة أخرى، بدأت الأبعاد الدولية للأزمة تتضح مع ربط المجتمع الدولي، المساعدات والقروض الموعودة للبنان بتحقيق إصلاحات بنيوية في النظام المالي والبرنامج الاقتصادي فضلاً عن الضغوط الخليجيةذالأميركية لاستبعاد احزب اللهب من الحكومة، ليواجه اللبنانيون معضلة حقيقية في ظل الاقتصاد الريعي الهش الذي أنتجته الحريرية السياسية دون توفير أدنى متطلبات الاقتصاد الإنتاجي أو البنى التحتية اللازمة للخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء.
فالاقتصاد الذي خلفته سياسات الحكومات المتعاقبة منذ اتفاق الطائف، جعل لبنان يعاني من عجز مالي ظهرت بوادره في العام 1997، لكن الرئيس رفيق الحريري قرر حينها، معالجة الأزمة بمزيد من الاستدانة لكسب الوقت، بانتظار تسويات في المنطقة بما يخص الصراع العربيذالإسرائيلي. فأمعن الحريري الأب في الاعتماد على المساعدات الخارجية وانعقد أكثر من مؤتمر دولي لمساعدة لبنان، ابتداء من واشنطن ثم باريس 1 و2 و3، دون أن يتمكّن لبنان من الخروج من دوامة الاستدانة، وارتفاع خدمة الدين، التي بلغت نحو 6 مليار دولار للعام 2019، مما ساهم في استنزاف الخزينة إلى جانب مزراب الكهرباء الذي يكبد الدولة نحو ملياري دولار سنوياً رغم وضع حلول وبرامج لمعالجتها منذ العام 2010، لكنها لم تجد طريقها إلى التطبيق بسبب المناكفات السياسية والمحاصصة بين أركان الحكم، لاسيما حول تلزيم معامل إنتاج الكهرباء ومادة الفيول التي تتغذّى منها.
حكومة دياب
استقالة الحريري الابن من رئاسة الحكومة جاءت بالتزامن مع الإخفاق في تنفيذ مقررات مؤتمر اسيدرب الذي انعقد في باريس مطلع عام 2018، ورصد حوالي 12 مليار دولار للبنان، للاستثمار في مشاريع البنى التحتية، وتعزيز الاقتصاد.
فحكومة الحريري التي تشكّلت بعد الانتخابات النيابية 2018، لم تتمكّن من التوصل إلى خارطة طريق للبدء بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة دولياً، ومنها تحرير سعر صرف الليرة، الذي طلبه صندوق النقد الدولي، إضافة إلى ترشيد الإنفاق، وترشيق الإدارة بتقليص عدد الموظفين الحكوميين، ومنهم آلاف لا يعملون، فضلاً عن معالجة ملف الكهرباء ورفع الدعم الحكومي عن بعض المواد والسلع.
في ظل التأخير في تحقيق الإصلاحات، وانفجار الغضب الشعبي في الشارع على تردي الأوضاع المالية والاقتصادية والاجتماعية، قرّر الحريري الاستقالة، واشترط للعودة عنها، تشكيل حكومة من مستقلين. والآن بعد أكثر من سنة على استقالته لازال الحريري عالقاً في الشروط نفسها رغم مرور شهرين على تكليفه بتشكيل حكومة جديدة.
خلال هذه السنة، سمي حسان دياب بديلاً عنه، وهو لم يكن ينتظر أن يصل إلى رئاسة الحكومة، رجل غير سياسي، تولّى وزارة التربية في حكومة نجيب ميقاتي، فإن المغامرة التي أقدم عليها دياب فاجأت القوى السياسية، التي انقسمت حوله، فقرّر المواجهة بالتزام مطالب المنتفضين، ومعرفة أين ذهبت أموال الدولة والمودعين، فتبنّى التدقيق المالي، واتفق مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عليه، وصدر قانون لتعزيز الكشف عن هذه الأموال، لكن بند قانون السرية المصرفية، عطّل عمل شركة التدقيق األفاريز آند مارسالب، فخرجت من العقد، وحصلت بلبلة حول ما حصل، بعدما تبين أن أطرافاً سياسية عديدة لا تريد التدقيق، لأنه سيفضح المتورطين في الفساد وسرقة المال العام، إلى أن وافق مجلس النواب على التدقيق وإقرار قانون برفع السرية المصرفية لعام واحد، لأنه من دون حصول ذلك، لن تُسترد الأموال التي دون استعادتها فإن الانهيار سيستمر، وصولاً إلى إفلاس الخزينة وتوقف الحكومة عن دفع الرواتب لموظفيها، فيصبح لبنان دولة فاشلة.
عام الانهيار
وفي ظل الأزمة المالية والاقتصادية، وتوقّف آلاف المؤسسات عن العمل، وصرف موظفين في قطاعات عدة، دخلت فرنسا على خط مساعدة لبنان، فقدّم الرئيس إيمانويل ماكرون مبادرته للإنقاذ ذبعد انفجار مرفأ بيروتذ ودعا إلى تشكيل حكومة تكون مهمتها الإصلاح، ولفترة محددة، لإعادة النهوض بالدولة وإنقاذها من خطر الزوال وفق وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان.
فالوزير الفرنسي قال بوضح إن لبنان يغرق كسفينة اتايتنكب ولكن دون موسيقى، لأن اللبناني في حالة جوع وفقر وعوز، وكلما تأخّرت القوى السياسية في الإفراج عن الحكومة، فإن الأوضاع ستتدهور أكثر مع اقتراب نفاد الاحتياط في مصرف لبنان، الذي مازال يؤمن الدعم للنفط والطحين والدواء، كمواد أساسية للمواطن، إلا أن أي حل لم يظهر بعد، رغم كثرة النظريات والآراء.
ويبدو أن حكومة تصريف الأعمال برئاسة دياب، لا تريد أن تتحمّل الغضب الشعبي بتحمّل وزر رفع الدعم، وهو أيضاً ما يريد الحريري أن يتحاشاه من خلال تأخير تشكيل الحكومة، حتى ينفجر الشارع بوجه الحكومة الحالية، فيأتي هو بحكومة أخرى إنقاذية كما فعل والده قبل عقدين ونيف.
فلبنان يمضي بخطى حثيثة نحو رفع الدعم الذي قد يولد انفجاراً اجتماعياً بالتزامن مع فوضى أمنية، يخشى أن تُستغل لتأجيج صراعات داخلية في بعض المناطق التي بدأت تخرج عن سيطرة الدولة، لا سيما في البقاع والشمال، حيث بدأت تتزايد عمليات السلب والسرقة تحت عنوان الجوع، إلى جانب ظهور عصابات منظمة، لاسيما في مجال سرقة السيارات التي يجري تهريبها إلى خارج لبنان وبيعها.
يقترب العام 2020 من نهايته، وآفاق الحلول تبدو شبه معدومة وكذلك الأمل في ولادة حكومة جديدة، والتي إن تشكلت لا يمكن التعويل عليها لإنقاذ البلاد من عنق الزجاجة، لاسيما وأن الحريرية السياسية الحاكمة منذ ثلاثة عقود، مجرّبة في السلطة، ولم تقدم سوى وصفة الانهيار الذي تعيشه البلاد اليوم بسبب سياسة الاستدانة والاتكال على المساعدات الخارجية.
Leave a Reply