اقتحام الكابيتول .. يوم مخزٍ في تاريخ الولايات المتحدة
واشنطن – لم يكن الأسبوع الأول من العام 2021، أسبوعاً عادياً في تاريخ الولايات المتحدة، سواء من حيث المشاهد المخزية لاقتحام مقر الكونغرس أثناء المصادقة على فوز جو بايدن بالرئاسة، أو الأهمية السياسية المتمثلة بسيطرة الحزب الديمقراطي المطلقة على السلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال انتزاع الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي في انتخابات جورجيا التكميلية، والاحتفاظ بالأغلبية في مجلس النواب، إلى جانب تثبيت فوز بايدن بعد يوم عصيب شهدته العاصمة واشنطن، الأربعاء الماضي، مما أدى إلى فرض حالة طوارىء في المدينة إلى ما بعد تنصيب الرئيس الجديد في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي.
وجاء تثبيت فوز بايدن فجر الخميس، بعد تعليق أعمال الكونغرس لعدة ساعات إثر اقتحام قاعات المجلس من قبل أنصار الرئيس دونالد ترامب الذي سارع إلى التبرؤ من المحتجين الذين استباحوا مبنى الكابيتول.
وعطل المحتجون نقاشات أعضاء مجلسي النواب والشيوخ حول الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية في ولاية أريزونا، بينما كان يخطط بعض المشرعين الجمهوريين للاعتراض على نتائج خمس ولايات أخرى فاز بها بايدن.
إلا أن الأحداث الصادمة التي وقعت بدخول العشرات من أنصار الرئيس إلى الكابيتول أثناء المناقشات قلبت الصورة رأساً على عقب ودفعت بعض الجمهوريين إلى التراجع عن موقفهم، فلم يتم الاعتراض سوى على نتائج ولاية بسلفانيا التي شهدت نقاشاً لمدة ساعتين قبل اعتماد النتيجة بشكل نهائي.
وأعلن نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، المصادقة على فوز بايدن حوالي الساعة الرابعة من فجر الخميس، وذلك بعد ساعات من اتهام ترامب له بـ«الجبن» بسبب عدم استخدامه لصلاحياته الدستورية برفض النتائج المشكوك بصحتها.
ومع إقرار فوز بايدن من قبل مجلسي الكونغرس، خسر الرئيس الجمهوري آخر محاولاته لقلب نتائج الانتخابات، مما دفعه إلى التسليم بها مساء الخميس الماضي، في فيديو مصور نشرَه عبر «تويتر» بعد رفع الحظر المؤقت عنه.
وكانت منصات التواصل الاجتماعي الرئيسية التي ينشط عبرها ترامب، مثل «تويتر» و«فيسبوك» و«يوتيوب»، قد سارعت إلى تعليق حساباته مباشرة بعد اقتحام الكونغرس.
وأعرب ترامب عن استيائه البالغ من الهجوم على مبنى الكابيتول، مؤكداً أنه على غرار كل الأميركيين يشعر «بغضب من العنف وانعدام سيادة القانون والفوضى»، في إشارة إلى أحداث الكابيتول.
ترامب الذي تعرض لانتقادات واسعة حمّلته مسؤولية الأحداث التي شهدت امرأة من مناصريه، بحسب وسائل الإعلام الأميركية، قال: «لقد نشرت فوراً الحرس الوطني وقوى إنفاذ القانون الفدرالية لتأمين المبنى ودحر المتسللين».
وانتشرت مقاطع فيديو مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر لحظات إصابة آشلي بابيت برصاص رجال الأمن عند مدخل قاعة الكونغرس التي شهدت بعد ساعات قليلة من مقتلها المصادقة على فوز بايدن.
وشدد ترامب على أن من «تورطوا في أعمال العنف بمبنى الكونغرس دنسوا مقعد الديمقراطية. ولا يمثلون بلدنا وسيدفعون الثمن.. إن أميركا أمة قانون ونظام لابد أن تكون كذلك».
وأكد ترامب اهتمامه بانتقال سلمي للسلطة، موضحاً «ملتزمون بانتقال سلس للسلطة وسيتم تنصيب الإدارة الجديدة في 20 يناير». وقال إن حملته سلكت «كل الطرق القانونية للطعن في نتائج الانتخابات»، موضحاً أن «هدفه الوحيد كان التأكد من نزاهة الانتخابات».
وأضاف «سأواصل الدعوة إلى إصلاح قوانين الانتخابات للتأكد من هوية وشرعية الناخبين وضمان الثقة».
وقال ترامب مخاطباً أنصاره «أعلم أنكم محبطون لكن رحلتنا الرائعة قد بدأت للتو».
وكان ترامب قد ألقى خطاباً أمام مئات الآلاف من أنصاره قرب البيت الأبيض، قبل ساعات قليلة من اقتحام الكونغرس، دعا فيه إلى «الحفاظ على السلمية، وتجنب العنف»، مناشداً المحتجين بـ«التمسك بالسلم وعدم الجنوح نحو العنف».
وجاء تنازل ترامب، بعد دعوات من السياسيين الديمقراطيين لعزله قبل أيام معدودة من انتهاء ولايته، بينما اتّهمه بايدن بشنّ «هجوم لا هوادة فيه على المؤسسات الديمقراطية». وأكد الرئيس المنتخب أن ما حصل في الكابيتول، «يمثّل في نظري أحد أكثر الأيام قتامة» في تاريخ الولايات المتحدة، واصفاً من شارك في هذه الإضرابات بأنهم «إرهابيون محليون».
وقال بايدن إن ترامب استخدم لغة تسيء للديمقراطية والصحافة، وأضاف أن الديكتاتوريين هم من يستخدمون هذه المصطلحات. وتابع أنه لو كان المتظاهرون أمام الكونغرس من ذوي البشرة السوداء لكان التعامل معهم مختلفاً، متهماً ترامب بالتحريض على مهاجمة الكونغرس والتعدي على إرادة الشعب.
واتهم بايدن، ترامب بتعيين القضاة حتى يتمكن من الحصول على دعم المحكمة الدستورية، مؤكداً أن القضاء الأميركي لم يجد أي شيء يبرر التشكيك في نزاهة الانتخابات وأوضح «ديمقراطيتنا نجت بفضل القضاء».
من جهة أخرى، أكد وزير الجيش الأميركي راين مكارثي نشر 6,200 جندي من الحرس الوطني في العاصمة واشنطن لتأمين المواقع الأمنية الحساسة.
وقال مكارثي في مؤتمر صحفي، الخميس، إن الأفراد سيظلون في الخدمة «لمدة لا تقل عن ثلاثين يوماً القادمة».
وأكد وزير الجيش الأميركي أنه يمكن أيضا الاستعانة «بأكبر عدد ممكن من عناصر شرطة العاصمة في حال وقوع حوادت مماثلة»، في إشارة إلى اقتحام مبنى الكابتيول، الأربعاء، من قبل محتجين موالين لترامب.
وقالت رئيس بلدية العاصمة، موريل باوزر، إن القوات ستبقى على الأرض «خلال فترة تنصيب» بايدن، أي العشرين من يناير الجاري.
ورداً على سؤال خلال المؤتمر الصحفي عن عدم وجود قوات كافية في مبنى الكابيتول لحظة الاقتحام، قال راين مكارثي «إن شرطة الكابيتول لم تطلب المساعدة من الحرس الوطني، وهو شرط أساسي» لنشر هذه القوات.
وقد أفادت وسائل إعلام أميركية، بأن مدير شرطة الكابيتول، ستيفن صند، قرر الاستقالة من منصبه على خلفية اقتحام الكونغرس، وطريقة تعامل الشرطة مع العملية.
السيطرة على الكونغرس
سياسياً، حقق الديمقراطيون انتصاراً انتخابياً كبيراً في جورجيا، الثلاثاء الماضي، بفوز مرشحي الحزب رافييل وارنوك وجورج أوسوف بمقعدي الولاية في مجلس الشيوخ الأميركي، وسط تشكيك ترامب مجدداً بنزاهة فرز الأصوات.
ويضمن فوز وارنوك وأوسوف الغالبية للديمقراطيين في مجلس الشيوخ بالسيطرة على خمسين مقعداً، وهو العدد نفسه العائد للجمهوريين. لكنّ الدستور ينصّ على أن نائب الرئيس، أي كامالا هاريس، ستكون لها الكلمة الفصل عند التصويت لتميل الدفة لصالح الديمقراطيين.
وكان ترامب قد عقد مهرجاناً حاشداً لدعم السناتورين الجمهوريين الحاليين عن جورجيا، ديفيد بيردو وكيلي لوفلر اللذين خسرا بفارق 1 بالمئة و1.8 بالمئة، أمام أوسوف ووارنوك على التوالي.
وفي اليوم السابق، أعيد انتخاب الديمقراطيّة نانسي بيلوسي لرئاسة مجلس النواب بأغلبية ضئيلة خلال الجلسة الأولى للكونغرس الـ117 التي أظهرت انقسامات عميقة. وكان قد تم تجديد مقاعد مجلس النواب الـ435 بشكل متزامن مع الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، حيث تمكن الجمهوريون من تقليص أغلبية الديمقراطيين بعشرة مقاعد.
وحصلت بيلوسي على 216 صوتاً مقابل 209 لمنافسها الجمهوري كيفين مكارثي. وأعطى جميع الجمهوريين الذين كانوا حاضرين أصواتهم لهذا الأخير، بينما لم يعط خمسة ديمقراطيين أصواتهم لبيلوسي التي ستتولى رئاسة المجلس النيابي للمرة الرابعة وهي أول امرأة في تاريخ الولايات المتحدة تشغل هذا المنصب.
Leave a Reply