طي صفحة الحصار الرباعي على قطر
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد نحو ثلاث سنوات ونصف، أُنهي يوم الثلاثاء الماضي، حصار دولة قطر من قبل «التحالف الرباعي» الذي يضم السعودية والإمارات ومصر والبحرين، في إطار وساطة أميركية كويتية لإعادة المياه الخليجية إلى مجاريها.
لكن لا شك في أن قطر، الدولة الصغيرة بمساحتها، الفاعلة بامتداداتها وتحالفاتها، ستبقى دائماً هدفاً لأنظمة عربية أخرى. إذ أن الحصار الذي تم رفعه الأسبوع الماضي، لم يكن محاولة الاستهداف الأولى لنظام الدوحة، كانت للرباعي نفسه اليد الطولى في محاولة قلب نظام الحكم في قطر عام 1996، بالتعاون مع منظمة «آيباك» الصهيونية الأميركية، بحسب الكاتب، زيغورد نويباور، في كتابه «الخليج الفارسي وإسرائيل: صراعات قديمة وتحالفات جديدة».
«صدى الوطن» حاورت الكاتب والإعلامي القطري صالح غريب وطرحت عليه بعض الأسئلة المتعلقة بالمصالحة الخليجية بين قطر والتحالف الرباعي، والتي أُعلنت رسمياً في الخامس من كانون الثاني (يناير) الجاري، وقد جاء الحوار كما يلي:
• بعد فتح الأجواء بين قطر والتحالف الرباعي أين أصبحت الشروط التي وضعها هذا التحالف وأمهل قطر لتنفيذها عشرة أيام فقط؟
– الشروط التي فرضتها دول التحالف الرباعي على قطر لم تكن واقعية ولا مقبولة لأسباب كثيرة. بدايةً، هم تحدثوا عن 13 شرطاً، قوبلت بالرفض من قبل قطر، ثم خُفضت الشروط لاحقاً إلى ستة مبادئ ووجهت أيضاً برفض الدوحة بالمطلق، لأنها تتعارض مع سيادتها، وحتى مع القوانين التي تحكم العلاقات الدولية. أما مهلة الأيام العشرة فقد ردت بعدها قطر مباشرةً عبر الوسيط الكويتي بالرفض التام، واستمرت تلك الدول على إصرارها. وأذكّر هنا بتصريح وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش لقناة «سي أن أن» الأميركية حيث قال: «إننا وضعنا 13 شرطاً، لكن لو حصلنا على شرطين منها فهذا سيُعد نجاحاً بالنسبة إلينا».
• بالعودة إلى تفنيد هذه الشروط وتفصيلها نريد أن نتوقف عند الشرط الأهم والأبرز الذي حاول التحالف الرباعي فرضه على قطر، وهو تقليص علاقتها بإيران على مختلف الصعد ولاسيما التجارية والدبلوماسية.
– علاقة قطر بإيران مثلها مثل علاقاتها مع جميع دول مجلس التعاون الخليجي، موغلة في القِدم، وإن شابها بعض التوتر والفتور في السنوات الأخيرة، على سبيل المثال، ما حصل مع السعودية في حادثة إحراق القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، ويومها سحبت قطر سفيرها من طهران تضامناً مع السعودية، فيما لم تفعل أي من الدول الخليجية الأخرى ذلك. قطر اتجهت صوب إيران لأن كل المنافذ البرية والجوية أُغلقت في وجهها، فيما قامت إيران بفتح موانئها ومطاراتها أمام قطر لسد كل النقص الذي حصل بسبب الحصار مع بداية شهر رمضان عام 2017 ، فكان من الطبيعي أن تقف الدوحة إلى جانب الصديقة طهران بعدما أقفل الأشقاء أبوابهم في وجهها، وكمحلل ومراقب أعتقد أن قطر لن تغير من موقفها ولن تخضع للضغوط ولن تخفض سقف علاقتها مع طهران أو تسمح أن تكون منطلقاً لأي هجوم ضدها.
• بات معروفاً أن الرياض تدفع الكثير من المال للولايات المتحدة من أجل حمايتها واستمراريتها باعتراف الطرفين، فإذا كان الموضوع يتعلق بدفع الأموال، لماذا لم تدفع قطر المال كما فعلت السعودية كي تتجنب ما حصل وهي دولة غنية؟
– كما هو معلوم، قطر وقعت عقوداً كبيرة لشراء السلاح، لكن وفق حاجتها، غير أنها ترفض سياسة «شراء الذمم» التي يمارسها البعض، فهذا السلوك لم يثمر أية فائدة لا مع الرئيس الأميركي ولا مع غيره. ورغم كل ما دفعته السعودية من أموال استمر الرئيس الأميركي بالسخرية والاستهزاء بحكامها. «يجب أن تدفعوا حتى نحميكم»، هذا ما قاله ترامب مباشرةً لولي العهد السعودي محمد بن سلمان حين زاره في البيت الأبيض. هؤلاء ينظرون إلى مصالحهم ولا ينظرون إلى مصالح شعوبهم. كما أن منح إدارة ترامب الضوء الأخضر للتحالف الرباعي لحصار قطر، كان فقط للاستفادة المالية أو ما يُعرف بـ«حَلب» هذه الدول. وبالنسبة إلى علاقتنا مع الولايات المتحدة فهي جيدة على الصعيد الاستراتيجي والتبادل التجاري وغير ذلك، لكن الأميركي كان دائماً يمسك العصا من الوسط في تعامله معنا، فمرة يقف مع الآخرين ويدعمهم ومرة يحاول كسب قطر كي تدفع المال، لكنها لم تفعل، بل راعت حاجاتها ومصالحها، ولو أننا قبلنا بالتنازل عن كرامتنا وسيادتنا لكنا وافقنا منذ البداية ولم يحصل ما حصل من حصار، وأنا من جهتي أشعر بالامتنان لمن حاصرونا، لأنهم من حيث لم يريدوا، دفعونا أكثر إلى التميز في سياستنا، وإلى الاعتماد أكثر على أنفسنا، واكتشاف المزيد من الإمكانات لدينا، وتحديداً في المجال الاقتصادي، حيث أُنشئ الكثير من المصانع خلال هذه الفترة الوجيزة نسبياً حتى أنها باتت تصدّر إلى الخارج. ومَن يحضر إلى قطر، سيلاحظ مدى التغير الذي طرأ على صعيد البنى التحتية، وأموراً كثيرة غير ذلك. وعلى أي حال، هي ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها قطر للحصار بسبب مواقفها المتميزة، فمنذ عام 1989 والدوحة تعاني من التدخلات والهجمات والاستهداف، كما حصل في عام 1996 مثلاً في دعم الحركة الانقلابية لقلب نظام الحكم في قطر، أو عام 1992 في منطقة الخفوس التي تربط قطر بالسعودية والإمارات.
• ما هو مصير الوجود العسكري التركي بعد المصالحة مع ما يرتبط به من علاقة تركيا وقطر بالإخوان المسلمين وداعش وغيرهما؟
– ثمة قواعد عسكرية موجودة في بعض دول الخليج مثل القاعدة الفرنسية في الطفرة بالإمارات، وغيرها، أما الوجود العسكري التركي فهو كان وما يزال لحماية قطر من التهديدات المستمرة منذ سنوات طويلة، وفي ما يتعلق بقاعدة العديد الأميركية والتي هي الأكبر في المنطقة، فإن قطر تستفيد منها على الأقل اقتصادياً، وقد نُقلت إلى الدوحة بعد انفجار الظهران في السعودية، على عكس القاعدة التركية التي لديها مهامّ واضحة ومحددة، ووُجدت لحماية قطر، وعلى إثر الحصار. وكان لا بد لنا من أن نبحث عمّن يحمينا. فالحصار، اليوم، رُفع فقط من قبل السعودية، أما الدول الأخرى، فما زلنا نلمس تهديداتها وسياساتها الإعلامية تشهد على ذلك، وبالتالي، الأمر يحتاج إلى وقت.
• لطالما اتُهمت قطر بتمويل ودعم بعض الجماعات التي تصنفها أميركا إرهابية، مثل داعش والنصرة وحزب الله، أي أنها تدعم الأضداد، فمن المعروف أن داعش والنصرة يمثلان العدو اللدود لكل من إيران وحزب الله، كيف تفسرون ذلك؟
– هناك دول عديدة دعمت ولا تزال، تلك التنظيمات، وسياسة قطر لا تقوم على دعم فئة ضد أخرى، وهي سياسة حكيمة، ولا سيما منذ تولّي الشيخ حمد بن خليفة الحكم.
• هل تعتقدون أن صفحة «العداء بين الأشقاء» قد طُويت؟
– العداء انتهى بشكل مبدئي، لكن المسألة تحتاج إلى ضمانات، فمنذ عام 2014 هناك محاولات حثيثة للإضرار بقطر ومصالحها، كما فعلت الإمارات لجهة ضرب العملة القطرية مثلاً، إضافة إلى تجنيدها جيشاً من الإعلاميين وتمويلهم، بهدف الإساءة إلى سمعة قطر وشيطنتها، ولا ننسى أيضاً الذباب الإلكتروني. لكن في الآونة الأخيرة حصلت مبادرة حُسن نية بسحب بعض الأغاني المعادية لقطر.
• بالنسبة إلى قناة «الجزيرة» والتي كان إقفالها أيضاً من ضمن الشروط المطلوبة، هل سيحدث تغيير ما في سيلستها الإعلامية؟
– قناة «الجزيرة» كانت مشاهدة ومرحباً بها أيام الربيع العربي، لكنهم في الأساس لا يتحملون سقف الحريات العالي الذي تمتلكه هذه القناة. وأذكر هنا بما حدث لقناة «العربي» التي أنشأها الأمير الوليد بن طلال وأُقفلت بعد دقائق معدودة من بدء بثها، بسبب استضافتها أحد وجوه المعارضة البحرينية.
• ما هو موقف الدوحة من اتفاقات التطبيع التي وقّعها أخيراً كل من الإمارات والبحرين والسودان؟
– قطر كانت أول من افتتح مكتب تمثيل تجاري إسرائيلي عام 1996 قبل إغلاقه تماماً عام 2002، لكن هذا الأمر كان مرتبطاً ومتزامناً مع اتفاق أوسلو، والعلاقة بين قطر وإسرائيل، هي فقط لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، ولا بد من وجود تنسيق ما لإتمام هذا الأمر. أما اتفاقات التطبيع التي نراها اليوم فهي عديمة الجدوى لأنها خالية من أية ضمانات أو فوائد تعود على الفلسطينيين. ولا نية لدى قطر بالسير في مسار التطبيع في المدى المنظور، وهنا أذكر بالمساعي الحثيثة التي بذلتها الدوحة لتوحيد الفلسطينيين وما تزال، والتي يعرقلها «أطراف» ليس من مصلحتهم رأب الصدع الفلسطيني بين غزة والضفة.
• ألا تعتقدون بوجود حالة من الانفصام الأميركي في التعامل معكم كدولة قطر، الدولة التي تضم القاعدة الأميركية الأكبر في المنطقة؟
– ترامب يعاني انفصاماً في الشخصية، وفي اعتقادي أنه السبب الأساسي لفشله في الانتخابات.
• هل تعوّلون على تغيير ما في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة؟
– من المؤكد أن تغييراً كبيراً سيطرأ على السياسة الأميركية، ولاسيما بعد تثبيت انتخاب بايدن، وبعد ما حصل يوم الأربعاء في مبنى الكونغرس، الذي أعطى صورة سيئة عن الديمقراطية الأميركية، والذي سيدفع إلى تقييد ترامب ومنعه من تنفيذ مغامرته التي كانت كل المعطيات ترجّح قيامه بها، وهي توجيه ضربة إلى إيران، التي لن تسكت بدورها، ما قد يجرّ المنطقة إلى حرب مدمرة، وخاصة مع وجود أغلبية ديمقراطية في مجلس الشيوخ، انضم إليها عدد من الجمهوريين لاحقاً، تعارض مثل هذه الضربة.
• ترددت أحاديث عن تسريع المصالحة من قبل أميركا بهدف توحيد الدول الخليجية في مواجهة إيران. ما مدى صحة ذلك؟
– قطر لا يمكن أن تقف ضد إيران، ولا ضد أية دولة ذات سيادة، ما سرّع في المصالحة هو التأكد من فوز بايدن، وسياسة الديمقراطيين معروفة ومختلفة، وقد استشعرت دول التحالف الرباعي خطورة الموقف الذي سيستجد، وهذا ما دفعها بين ليلة وضحاها إلى الموافقة والتنازل عن الشروط التعجيزية السابقة. إضافة إلى أن هناك دعاوى عديدة مرفوعة أمام المحاكم الأميركية ضد حكومات الإمارات والسعودية والبحرين وكلها تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، يريدون إسقاطها. ترامب أشعل التوتر في المنطقة وخرج من الاتفاق النووي ووضع المنطقة على برميل بارود فيما بايدن سيعود إلى هذا الاتفاق.
وختم غريب حواره مع «صدى الوطن» بالتمنّي برفع كل الإجراءات التي اتُخذت ضد الشعب القطري وقيادته، وإيقاف الحملات الإعلامية، مسجّلاً عتبه على الإمارات التي رفعت خريطة في متحف اللوفر، حذفت منها قطر، كما أشاد بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي قال إنها «دولة شريفة» وإن كل الشعب القطري يشاركه هذا الرأي، ولا يمكن أن ينسى وقفتها إلى جانبه.
Leave a Reply