تفجير انتحاري مزدوج في سوق شعبية وسط بغداد ينذر بعودة «داعش»
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
هزّ تفجير انتحاري مزدوج ساحة الطيران وسط بغداد وأدى إلى سقوط 32 ضحية وأكثر من مئة جريح، بحسب وزارة الصحة العراقية، في حادث هو الأول من نوعه منذ نحو سنة ونصف.
على الأثر، أعلن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إعفاء خمسة من كبار القادة الأمنيين من مهامهم بعد اجتماع طارئ. وقد شملت الإقالات وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات الفريق الركن عامر صدام، وعبد الكريم فاضل مدير عام الاستخبارات لمكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، وقائد الشرطة الاتحادية الفريق الركن جعفر البطاط، ومدير قسم الاستخبارات وأمن عمليات بغداد اللواء باسم مجيد، إضافة إلى نقل قائد عمليات بغداد الفريق قيس المحمداوي إلى وزارة الدفاع.
ولاحقاً، كشف عباس الزيدي المستشار في قيادة عمليات «الحشد الشعبي» في بغداد، أن «جماعات داعش الوهابية تتحرك بدعم من قوات الاحتلال الأميركي التي تقدم لها كل وسائل الدعم اللوجستي». كما أكد الزيدي أنه وفقاً للتسريبات الواردة، فإن أحد الانتحاريين اللذين نفذا التفجير المزدوج الذي حدث يوم الخميس المنصرم، يحمل الجنسية السعودية، وقد دخل عن طريق منفذ عرعر، وبصفة سائق شاحنة. يُذكر أنه وفور وقوع الانفجارين سارعت السلطات العراقية الى تشديد إجراءاتها الأمنية في المنطقة الخضراء ومحيطها، حيث نفذت انتشاراً أمنياً مكثفاً، وجرى إغلاق البوابات الرئيسية.
من جانبه، قال الرئيس العراقي برهم صالح إن الانفجارين يؤكدان سعي الجماعات الظلامية إلى استهداف الاستحقاقات الوطنية الكبيرة، في إشارة إلى الانتخابات المرتقبة.
كذلك أدان رئيس هيئة «الحشد الشعبي» فالح الفياض، التفجير الارهابي، وحذا حذوه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والأمين العام لـ«عصائب أهل الحق» قيس الخزعلي الذي شدد على أن الاسترخاء الأمني والانشغال السياسي للحكومة هما سبب التفجيرين الإرهابيين.
إقليمياً، نددت السفارة الإيرانية في العراق بالتفجير الإرهابي المزدوج الذي وقع مع بداية عهد الرئيس الأميركي الجديدد جو بايدن. وقد رأى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في الهجوم أنه محاولة لاستدراج بايدن الى الفخ الإسرائيلي، وإنفاق أموال واشنطن من أجل مواجهة إيران.
دولياً، قالت بعثة الأمم المتحدة في العراق إن الهجوم لن يضعف مسيرة العراق نحو الاستقرار والازدهار. أما بابا الفاتيكان فرنسيس فقد أعلن إدانته لتفجيري بغداد، وعدَّهما عملاً وحشياً وعبثياً.
الانفجار الذي وقع صباح الخميس خطف الأنظار التي كانت قد تركزت في الأيام الماضية على مسألة تأجيل الانتخابات للمرة الثالثة.
فقد أعلنت الحكومة العراقية يوم الثلاثاء الماضي، تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في السادس من حزيران (يونيو) المقبل، رغم التزامها سابقاً بإجرائها في الموعد المحدد، ليصبح الموعد الجديد في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر) القادم، وهو اعتُبر تراجعاً عن التزام تعهدت به الحكومة الحالية عند تشكيلها.
هذا التأجيل أُقِرّ بعد يومين من اقتراح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بسبب أبعاد تقنية وفنية مثل تسجيل الأحزاب السياسية وتوزيع البطاقات الانتخابية البيومترية وتأمين الرقابة الدولية وغير ذلك من التفاصيل اللوجستية.
وقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، خلال جلسة مجلس الوزراء التي حضرها رئيس وأعضاء مجلس مفوضية الانتخابات، إنّ حكومته حرصت على توفير الموازنة المالية للمفوضية العليا للانتخابات، ووجّهت بتذليل كل العقبات التي تعترضها، مؤكداً أن غالبية القوى السياسية أبدَت دعمها للمفوضية. وشهد العراق خلال الأيام الماضية اجتماعات ولقاءات مكثفة في بغداد بين القوى السياسية، ورؤساء الحكومة والجمهورية والبرلمان والقضاء، برعاية بعثة الأمم المتحدة، ومشاركة مفوضية الانتخابات، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي حول موعد الانتخابات.
يُذكر أن البرلمان العراقي كان قد أنجز إقرار قانون الانتخابات في أكتوبر الماضي.
عودة داعش
النائبة في مجلس النواب العراقي عن «حزب الاتحاد الوطني الكردستاني»، ريزان شيخ دلير، استبعدت في حديث مع «صدى الوطن» المزاعم التي يُروّج لها عن صلة الولايات المتحدة بالتوترات التي تحصل على الساحة العراقية، لاسيما بعد الهجوم الإرهابي الأخير الذي رأى فيه البعض محاولة لإعادة إحياء «داعش».
وأشارت دلير إلى أن القوات الأميركية «ساعدت» الشعب العراقي بكل فئاته في الحرب ضد «داعش»، ولولا تلك المساعدة لم يتمكن العراق من الانتصار على الإرهاب، لافتة إلى أن تلك الاتهامات مصدرها بعض الأحزاب الدينية وأخرى خارجة عن القانون، باعتبار أن لا مصلحة للأميركيين في ذلك.
في المقابل، يربط البعض بين عودة النشاط الى خلايا «داعش» وطلب الحكومة العراقية من القوات الأميركية وضع جدول زمني لانسحابها من الأراضي العراقية، وأن الإشكالات الأمنية المتنقلة هي رسالة لكل من يطالب بهذا الانسحاب، مفادها أن العراق ما زال بحاجة إلى وجود تلك القوات وغير قادر وحده على دحر الإرهاب.
وتردّ النائبة العراقية على تلك الأقوال بأنها «مجرد أفكار غير صحيحة تتبناها أحزاب إسلامية تدور في فلك إيران».
وفي هذا السياق، ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة، عن حجم المساعدة الكبيرة التي قدمتها إيران للعراق، يوم هاجم «داعش» المناطق الكردية تحديداً، وكان على وشك السيطرة عليها، حيث طلب القادة الكرد يومذاك المساعدة من الولايات المتحدة التي وافقت لكنها قالت إن إيصال العتاد والدعم اللوجستي والعسكري يستلزم أشهراً، في حين وصل قائد قوة القدس الجنرال سليماني فجر اليوم نفسه، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى من المستشارين مع كميات كبيرة من العتاد العسكري الكافي لمواجهة داعش وهزيمته. وقد وردت هذه المعلومات في لقاء تلفزيوني بثته قناة «الميادين» الفضائية على لسان رئيس الحكومة السابق عادل عبد المهدي وعدد من القادة الكرد في سياق استذكارهم للخدمات التي قدمها سليماني للعراق وشعبه.
تنفي النائبة العراقية علمها بهذا الأمر، لكنها في الوقت عينه تسجّل امتنانها لكل مَن ساعد العراق وأسهم في تحريره من «داعش»، التنظيم الإرهابي الذي كان يشكل خطراً كبيراً على العراق وعلى كل دول الجوار، وفق تعبيرها.
تأجيل الانتخابات
في موضوع الانتخابات العراقية وتعليقاً على التأجيل الثالث لموعدها، تشير دلير إلى موافقتها وحزب «الاتحاد الوطني الكردستاني»، على الموعد الجديد، و«لكننا كنا نفضل انتخابات مبكرة نزولاً عند رغبة المتظاهرين الذين خرجوا إلى الشوارع للمطالبة بذلك».
واستدركت دلير قائلة: «بالنسبة إلينا ليست لدينا أية مشكلة في هذا المجال فيما يتعلق في المناطق ذات التمثيل الكردي الخالص، فيما هناك خلافات بشأن بعض المدن التي تشهد تنوعاً طائفياً مثل الموصل وكركوك وديالى».
تتوقف النائبة العراقية عند كلام رئيس الحكومة الكاظمي فتعتبر أن حديثه عن جاهزية حكومته لإجراء الانتخابات أمر غير دقيق، وسط كل هذا الاضطراب الأمني الحاصل في أنحاء عديدة من البلاد، والذي يؤثر بشكل كبير وواضح على مجريات العملية الانتخابية عامةً، حتى على مبدأ الترشح نفسه، وتحديداً لدى المستقلين، وهذا أمر بعيد كل البعد عن مبادئ اللعبة الديمقراطية، ولا مكان لانتخابات نزيهة في ظل هذه الظروف، بحسب تعبير دلير.
بل تشكك دلير في إمكانية إقامة الانتخابات بموعدها الجديد، في أكتوبر، إن لم تتغير الظروف الحالية.
فعلى الصعيد الاقتصادي، ووفقاً للموازنة العراقية، فإن النفقات تفوق الواردات بشكل واضح، كما تلفت إلى أنهم، كطرف سياسي، ومنذ البداية، كانوا مع مطالب المتظاهرين، وتحديداً لجهة إجراء الانتخابات المبكرة، شرط أن تكون نزيهةً وخاليةً من التزوير، ومن دون قوة السلاح، وهناك تشكيك في نزاهة هذه الانتخابات في حال كانت الظروف كما هي عليه الآن، وبالتالي فإن التأجيل هو الحل الأفضل، ولاسيما إلى حين إنجاز البطاقة البيومترية لكل مواطن، كنوع من الضمانة لنزاهة وشفافية الانتخابات.
تختم النائبة الحديث عن الانتخابات بالقول إن إجراءها بحاجة إلى آلية محددة وشروط خاصة لضمان نزاهتها، وهي أمور غير متوافرة اليوم، وبحسب دلير، لم يحدث أي تغيير يبعث على الاطمئنان لتلافي ما حدث من تزوير في السابق، مؤكدة أنه منذ عام 2018 لم يحدث أي تغيير.
الفساد
نُقل عن مصادر رسمية حكومية أن رئيس الحكومة العراقية، مصطفى الكاظمي، ينوي إجراء تعديل وزاري يشمل بعض الوزارات على خلفية اتهامات بالفساد، وفي محاولة لإظهار تنفيذ الإصلاحات التي يُنادَى بها من الأطراف كافة، لكن هناك من يعتبر هذا التعديل تهرباً من الخضوع للمساءلة أمام مجلس النواب
وتعلق النائبة دلير على هذا الكلام بالقول إن الكاظمي شخصية كفوءة ولديه الخبرة ويُشهد له بالنزاهة، ولا تتوقع وجود أية نية لديه لتغطية أي نوع من الفساد.
إما بالنسبة إلى الوزراء المعنيين بالتعديل أنفسهم، فتضيف دلير، أنهم في غالبيتهم أشخاص مهنيون وأصحاب اختصاص في مجال عملهم في الوزارات، مشددة على أن الفساد كان موجوداً قبل هذه الحكومة ومنذ عام 2003 وهو متغلغل في كل الدوائر والكيانات، فيما لا يتجاوز عمر هذه الحكومة الأشهر الستة، وبالتالي فإن هؤلاء الوزراء لم يمتلكوا أساساً الوقت الكافي لكي يمارسوا الفساد الإداري، وفقاً لدلير.
إضافةً إلى ذلك، فإن الوضع المالي للمؤسسات الحكومية والوزارات التي يشغلونها سيئ جداً، وهي تكاد تكون خالية من الأموال. ضعف أو سوء أداء الوزراء لا يعني بالضرورة فسادهم.
وفيما يتعلق بالمناورات الإيرانية التي أجرتها طهران في الأيام القليلة الماضية، مع ما تمثله من رسالة إلى الولايات المتحدة والخليج برمّته مروراً بالساحة العراقية، تشدد دلير وبلهجة حازمة على «رفض جعل العراق ساحة معركة بين واشنطن وطهران، أو حتى بين طهران والرياض».
تساؤلات
تساؤلات مشروعة وعديدة تُطرح في هذه المرحلة عن الرسالة الدموية التي تلقتها الساحة العراقية بالهجوم الإرهابي المزدوج الخميس الماضي. ما أهدافها ومن يقف خلفها، وهل هو عقاب للعراق وشعبه بسبب مطالبته بجدولة انسحاب القوات الأميركية التي خفضت عديدها الأسبوع الماضي إلى 2,500 جندي، وهو أدنى مستوى لها منذ الغزو عام 2003.
فالهجوم الإرهابي الأخير يأتي بالتزامن مع بداية عهد إدارة أميركية جديدة لا بد وأن تحمل معها متغيرات كثيرة ستنعكس حتماً على الشارع العراقي.
وهنا تقع على عاتق إدارة بايدن إزالة الشكوك أو تأكيدها من خلال أدائها في قادم الأيام، فهل يشتعل العراق مجدداً أم تتحسن العلاقات الأميركية–الإيرانية، مما سيترجَم حتماً انفراجاً على الساحة العراقية؟
Leave a Reply