بريانا غازورسكي – «صدى الوطن» – في مسعى للتخلص من الإرث العنصري في تاريخ المدينة، قرر مجلس بلدية ديربورن إزالة اسم رئيس البلدية الراحل، أورڤيل هابرد، عن القاعة الرئيسية في «مركز فورد للفنون»، على أن تُعاد تسميتها –في وقت لاحق– باسم آخر يعكس الهوية الجديدة للمدينة التي باتت تتميز بـ«الشمول والانفتاح»، وفق قرار المجلس الذي نال إجماع الأعضاء، في اجتماع عقد مساء الثلاثاء الماضي.
وكان هابرد الذي ترأس بلدية ديربورن لمدة 36 عاماً (1942–1978)، من أبرز السياسيين المنادين بالفصل العنصري بين البيض والسود في الولايات الشمالية، وقد حرص خلال حكمه على منع الأفارقة الأميركيين من السكن في المدينة أو حتى التجول فيها.
وجاء قرار المجلس البلدي الأخير، تلبية لجهود أهلية ورسمية لـ«تنظيف» ديربورن من «إرث هابرد العنصري»، والتي تكثفت في أعقاب الاحتجاجات ضد عنف الشرطة إثر مقتل الإفريقي الأميركي جورج فلويد على يد شرطة مينيابوليس في أيار (مايو) الماضي. وقد نجحت الحملة بإزالة تمثال رئيس البلدية الأسبق من أمام «متحف ديربورن التاريخي» في حزيران (يونيو) المنصرم.
وتتواصل الضغوط لإزالة اسم هابرد عن أحد شوارع المدينة، وعن بعض المرافق العامة التي لاتزال تحمل اسمه حتى الآن.
عضو المجلس، آيرين بيرنز، التي تترأس لجنة المبادرة لإعادة تسمية المنشآت التي تحمل اسم أورفيل هابرد، أشارت إلى أن الكثير من سكان المدينة يعتبرون هابرد «شخصية مثيرة للانقسام»، لافتة إلى أن ديربورن تسعى إلى ترسيخ «الشمولية والسياسات الترحيبية».
وأوضحت بيرنز أن إزالة اسم هابرد عن القاعة الكبيرة بـ«مركز فورد للفنون»، هي خطوة أملتها التطورات والتغيرات الاجتماعية، مؤكدة أنها لا تهدف إلى «محو الماضي»، إنما الأمر يتعلق «بتطور مدينتنا ونمو مجتمعنا، وكما أقول دائماً، فإن ديربورن ليست مجرد مدينة، إنها مجتمع متنوع، وأعتقد أن هذه الحقيقة تمثل قوتنا الأساسية».
وأكدت بيرنز أنه يجب اختيار الشخصيات «الشاملة والمرحبة»، لتكريمها وتشريفها عبر إطلاق أسمائها على المنشآت والمرافق العامة.
وأضافت بيرنز أن القاعة تؤدي وظائف متعددة، ولكنها تبقى في جوهرها «مساحة لقاء مجتمعي»، معربة عن اعتقادها بأنه «من المهم جداً، أن يعكس اسم القاعة، الوحدة والانتماء إلى المجتمع».
وأوضحت بيرنز أن إزالة اسم هابرد هي محاولة لمواكبة نمو المدينة التي باتت موطناً لأكبر تجمع من السكان المسلمين في الولايات المتحدة، وأن المدينة «تفتخر بتنوعها العرقي والثقافي»، منوهة بأن المجلس البلدي لديه خطط مستقبلية لإعادة تسمية الشارع والمرافق العمومية الأخرى التي تحمل اسم هابرد.
من جانبها، أشارت المتحدثة باسم بلدية ديربورن ماري لاندروش إلى أن بلدية المدينة تملك «مركز فورد للفنون» الذي تم افتتاحه عام 2001، لافتة إلى أن شركة «فورد» لصناعة السيارات تمتلك حقوق تسمية المركز، بسبب تبرعاتها «السخية» لبنائه.
وأبدت لاندروش تأييدها لإعادة تسمية القاعة المغلقة حالياً بسبب وباء كورونا، موضحة أن تغيير اللافتة التي تحمل اسم هابرد، وتركيب لافتة جديدة، قد يستغرق حوالي الشهر.
وخلال فترة التعليقات العمومية، الثلاثاء الماضي، أبدى بعض السكان مخاوفهم بشأن تغيير اسم القاعة، محذرين مما وصفوه بـ«ثقافة الإلغاء»، وطالب بعضهم بإشراك السكان في مثل هذه «الخطوات التي يجب تقريرها عبر صناديق الاقتراع».
ودافع أحد المعلّقين عن إرث هابرد مشيداً بتحسينه للخدمات العامة في ديربورن، وفي مقدمتها توفير وسائل الراحة ومرافق الترفيه، التي كانت «مصدراً لغيرة المدن الأخرى»، بحسب تعبيره. وقال: «لقد كان هابرد رجلاً طيباً، وأنا دليل حي على ما كان عليه الرجل، ولولا أنه كان رجلاً صالحاً، ما كنت هنا اليوم كي أدافع عنه».
القاضية في مقاطعة وين سوزان هابرد، وهي واحدة من أحفاد أورڤيل هابرد الـ15، استذكرت «لطف والتزام» جدها تجاه سكان المدينة، وقالت في بيان: «إنه لمن المحبط حقاً، أن نرى الناس يصفونه بالمتعصب.. هؤلاء الأشخاص لم يعرفوه ولم يكونوا قد ولدوا بعد، عندما كان على قيد الحياة». وأضافت هابرد: «لقد شعرت بالفزع بالتأكيد لقراءة بعض الأقوال المنسوبة إليه قبل 60 عاماً، وأنا بالتأكيد لا أوافق عليها»، مؤكدة أن «الكثير من الناس، من أعراق متعددة، أعجبوا بأفعاله اللطيفة، وربما غفروا له أخطاءه».
وتابعت بالقول: «أياً كانت الأماكن التي ستعيد البلدية تسميتها، فإنها لن تلغي الذكريات الجميلة للكثير ممن نشأوا في ديربورن وعرفوا هابرد».
وختمت بالقول: «لسوء الحظ، يبدو أن النفاق والانقسام والانحدار الأخلاقي هو الاتجاه السائد هذه الأيام، في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الوحدة».
إرث ملطخ
عرف هابرد بانحيازه إلى تبنى سياسات الفصل العنصري بين السود والبيض، وقد لجأ خلال أحداث ديترويت عام 1967، إلى نشر قوات الشرطة على حدود ديربورن مع أوامر بإطلاق النار «على المشاغبين واللصوص».
ووصفت صحيفة «نيويورك تايمز» عام 1969، ديربورن بالمدينة التي تتجذر فـيها العنصرية فـي الشمال الأميركي. وقال هابرد للصحيفة حينها: «أنا أفضل الفصل بين العبيد والبيض، لأننا إن لم نفعل ذلك فسوف يذهب الأطفال السود والبيض معاً إلى المدارس، وبعدها سيتصادقون، وبعدها سيتزوجون وسوف يكون لدينا أطفال مهجّنون، وهذا ينذر بحسب معرفتي التاريخية بنهاية الحضارة».
ديفيد غود، كاتب السيرة الذاتية لرئيس البلدية الأسبق، من ناحيته، أكد بأن هابرد كان يكره وصمه بالعنصرية، وقال: «في كل مرة كان يتهم بذلك، كان يسحب قاموساً ويتحرى تعريف المصطلح الذي يعرّف العنصري على أنه الشخص الذي يؤمن بأن السود أقل شأناً». وأضاف غود: «هابرد لم يؤمن مطلقاً بأن السود أدنى منزلة من الآخرين، ولكنه آمن بأنه لا ينبغي إجبار البيض والسود على العيش مع بعضهم البعض، أو المخالطة، أو الذهاب إلى المدارس معاً».
ولفت غود، الذي أرّخ لشخصية هابرد في كتاب، تحت عنوان: «أورڤيل: ديكتاتور ديربورن»، إلى أن هابرد كان له العديد من الأصدقاء الأميركيين من أصل إفريقي، مثل رئيس بلدية إنكستر الأسبق إدوارد بيفنز، ورئيس بلدية ديترويت الأسبق كولمان يونغ، مستدركاً بأن ذلك لم يؤثر على جهود رئيس البلدية الراحل لإبقاء الأفارقة الأميركيين خارج المدينة.
وتابع غود: «سواء وصفته بالعنصري، أو المؤيد لسياسات الفصل العنصري، فإن الأشياء التي قام بها من أجل ديربورن على مر السنين، والتي تضمنت قائمة طويلة من الإجراءات المبتكرة والشعبية، فإنه سوف يُتذكر على أنه شخص عنصري.. هذا هو ميراثه بكل بساطة ووضوح».
Leave a Reply