فاطمة الزين هاشم
بعد مسيرةٍ حافلةٍ بالعطاء والنجاحات عبر الكلمة الناطقة والشاشة المتلفزة متبنياً همومَ أبناء العروبة في كل مكان، ترجّل الإعلاميّ الكبير سامي حداد عن صهوة الحياة، تاركاً إرثه الإعلامي والثقافي منارةً للأجيال اللاحقة.
ان الجميع ممّن تابعوه يعرفون بأنه من مؤسّسي قناة «الجزيرة» الفضائية الرائدة، كما كان واحدا من أبرز الوجوه الإعلامية التي عرفها الجمهور، عربياً، منذ انطلاقتها، حيث أسّس غرفة الأخبار التي من خلالها قدّم برنامجه الشهير «أكثر من رأي» عام 2009، إذ استضاف شخصيّاتٍ مختلفي الآراء والتوجهات، فلاقى استحسانا منقطع النظير، باعتراف مؤيديه ومعترضيه.
وقبل ذلك كان قد دخل حداد، الإعلام كحصيلة عبر مسيرته الإعلامية عام 1974 من خلال القسم العربي في إذاعة «بي بي سي» اللندنية، ليتولى مسؤولية الرئاسة في قسم الأخبار السياسية منذ العام 1978، ثم لينتقل بعدها عام 1994 إلى قناة «بي بي سي» الفضائية رئيساً للقسم العربي ومقدّماً لبرنامج «ماوراء الخبر» قبل إغلاق القناة، وبعدها عاد إلى لندن ليقدّم برنامج «أكثر من رأي» الذي استمرّ لسنوات عديدة.
حاورَ معظم رؤساء العرب بكل مقدرة ورهافة حسّ خلال الحوار، ويالتلك الرهافة المقرونة بالجرأة في طرح الأسئلة التي تثير الدهشة أمامهم كما أمام المتابعين، ذلك لأنه انتهج النهج البعيد عن المجاملات المعتادة والمكرو رة التي أملّتنا من إيرادها مع الشخصيات الكبيرة ملوكاً كانوا أو رؤساء.
لقد عرفناه عن قرب، واستأنسنا لشفافية شخصيته الأليفة يوم تشرفنا بزيارته إلى مدينة ديربورن عاصمة العرب الأميركيين، ولا يفوتني أن أستحضر الذكرى بشرف ملاقاته حيث استقبلته بقصيدة زجلية تليق بإعلاميّ مخضرم جاهد من أجل رفع راية العرب فضلاً عن رفع رؤوسهم أمام الأمم بمقدرته الإعلامية وقوّة شخصيته الموسوعية الفذّة وسعة ثقافته اللامحدودة، إذ تجلّت شخصيته بالتواضع الجمّ والمودّة التي تحمل بين ثناياها كلّ معاني الإنسانية والحسّ البشري الذي لايستثني مخلوقاً من الرحمة.
لقد حمل القضية العربية في عقله ووجدانه أينما حلّ وارتحل، وكان همّه الوحيد أن تعود القدس إلى أصحابها وهو حيّ يشهد فرحة عمره إزاء تحقيق حلمه هذا، لكنّ القدر المحتوم لم يمهله ليكحّل عينه بمرأى الحلم المنشود.
جمع رسائله المتبادلة مع الشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان وطبعها في كتاب مستقل لتبقى وثيقة وفائه لها وفرصةً للقراء في النهل من عذوبة ذلك الوفاء الرومانسي العميق.
كذلك شرع في جمع قصائده التي كتبها خلال مراحل حياته الضاجّة بدروب الشعر والكتابة الغزيرة، وأرسلها للطباعة والنشر لتكون ديواناً شعرياً يُضاف إلى إرثه الثقافي حيث امتاز شعره بالرقّة والطراوة في الغزل، أمّا شعره الوجداني فقد تميّز بالدعابة وخفّة الظل والطرق على أبواب جديدة لم يسبقه إليها أحدٌ من الشعراء معاصرين كانوا أو أقدمين، كما أنّ له قصائد تناولت النقد البنّاء للبعض ممّن صادفهم بمسيرة حياته، غير أنّ القدر كذلك، لم يمهله من تصفّح الديوان قيد الطبع، إذ رحل عن عالمنا قبل أن يراه وهو الذي دأب على كتابته طيلة سنوات عمره الممتدة من الصبا والشباب وحتى محطة الكهولة، دون كلل.
برحيل سامي حداد، خسر الإعلام العربي، إعلامياً مخضرماً ورجلاً جادّاً مثقّفاً في مسيرته وعموداً من أعمدة الرأي الحر.
رحمك الله وستبقى يا سامي حداد حيّاً في ضمائرنا ونابضاً في قلوبنا وأخاً يُقتدى به.
Leave a Reply