تحركات كردية مريبة بالتزامن مع عودة بايدن إلى البيت الأبيض
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد عدة أسابيع من الحصار المطبق الذي فرضته «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، على الأحياء التي يسيطر عليها النظام السوري في مدينتي الحسكة والقامشلي، أثمرت الوساطة الروسية اتفاقاً بينها وبين حكومة دمشق، بإنهاء الحصار ومنع أي اشتباك مستقبلي بين الطرفين إلى جانب إتاحة إدخال المواد الغذائية الأساسية للمدنيين المحاصرين، والإفراج المتبادل عن المعتقلين.
لكن، وفي معلومات خاصة لـ«صدى الوطن» من المناطق آنفة الذكر، الحصار ما يزال قائماً، وقوات «قسد» تواصل منع إدخال المواد الأولية وحتى الطحين إلى تلك الأحياء، في خرق واضح للاتفاق الذي أُبرم منذ أيام. كذلك عاودت «قسد» اعتقال المواطنين، وإقفال بعض الشوارع في تصعيد غير مبرر، بذريعة أن الدولة السورية تحاصر حيي الشيخ مقصود والأشرفية الكرديين في حلب، فيما تنفي الحكومة السورية ذلك.
وذكرت وكالة «سانا» السورية أن «قسد» –وبعد ساعات من تعهدها برفع الحصار عن المدنيين في حيي «حلكو» و«طي»– أعادت نصب حواجزها عند «فرن البعث» و«مدينة الشباب» و«شارع البرج» عند «دوار المحكمة»، إضافة إلى التضييق على المدنيين من خلال تشديد إجراءاتها التعسفية على عدد من الحواجز الواقعة في مداخل الأحياء، حيث يجري تفتيش هواتف المواطنين الخلوية بحثاً عن مشاركين في الاحتجاجات الشعبية التي جرت منذ أيام تنديداً بالحصار، مع السماح لمرور السيارات الخاصة باستثناء الشارع المؤدي إلى مخبز البعث.
وأضافت الوكالة أن «قسد» منعت الشاحنات التي تحمل الطحين من دخول مركز مدينة الحسكة ، ما يعني استمرار توقف الأفران العامة والخاصة عن العمل، إضافة إلى مواصلتها اختطاف عدد من الموظفين في المؤسسات الحكومية، فيما حاولت مجموعة مسلحة تابعة لها خطف أحد شيوخ العشائر من عشيرة «طي» قبل أن يتمكن من الإفلات منها عند مدخل الحي الذي يسكن فيه.
وعن مجريات الاتفاق وفك الحصار تحدث محافظ الحسكة غسان خليل لوسائل الإعلام وقال إن «قسد» بدأت فعلاً بإجراءات فك الحصار عن مركز مدينة الحسكة وعن حيي طي وحلكو في القامشلي، معرباً عن أمله في أن يستمر فتح الطرقات كي يتم تأمين مستلزمات المواطنين من المشتقات النفطية التي هم في أمس الحاجة إليها خلال الشتاء البارد إضافة إلى المواد الغذائية والأدوية.
والجدير بالذكر أن الحصار الذي فرضته مجموعات «قسد» استمر عشرين يوماً ومنع عن المدنيين مقومات الحياة الأساسية من طحين وأدوية ووقود.
ومن داخل الحسكة، أجرت «صدى الوطن» حواراً مع الدكتورة هالة الأسعد الأمينة العامة للجامعة العربية المقاومة، التي أكدت وجود قرار أميركي–تركي مشترك وراء ما يحدث في الشمال والشرق السوريين، وهي لا تعفي أيضاً إسرائيل من المسؤولية، لافتة إلى أن «قسد تتعامل مع إسرائيل بنحو مباشر وغير مباشر عن طريق التركي والأميركي»، جازمة بوجود خبراء إسرائيليين على الأرض مع «قسد» التي قالت إن قياداتها «يتدربون بقاعدة إسرائيلية أميركية في إربيل».
فـ«قسد» لا يمكنها وحدها مواجهة الروسي ونكث الاتفاق معه، بحسب الأسعد، مذكرة بأن «قسد» تأسست على أيدي الأتراك «لكن ما يحصل من مناوشات بينهم أحياناً هو نتيجة نفور بعض العناصر من تركيا على صعيد فردي».
وتضيف بأن الموضوع «معقد جداً»، وأن الحصار مخيف، «فلا خبز ولا ماء ولا كهرباء ولا وقود للتدفئة، وثمة إغلاق للمدارس بهدف التجهيل الممنهج». والهدف من كل هذا، بحسب الأسعد، هو تأليب الشعب على الحكومة السورية، فمفاعيل الحصار وانعكاساته تتعلق بأبسط تفاصيل الحياة، بهدف دفع المواطن السوري إلى رفض هذا الواقع وتحميل الدولة مسؤولية الوضع المزري، إضافة إلى هدف محوري آخر هو اقتراب الاستحقاق الرئاسي وهذا أحد الوجوه الخطرة للحرب التي تواجهها سوريا.
كذلك، تتحدث الأسعد عن تحليق مكثف للطائرات الحربية التركية فوق الشريط الحدودي بين سوريا وتركيا وتحديداً فوق منطقة المالكية، وعن خشية من انفلات أمني كبير في المرحلة القادمة.
وتتطرق الأسعد أيضاً إلى وجود منظمات دولية تدعي أنها إنسانية، وهي عبارة عن «أدوات استخبارية وتجسسية»، «لاسيما أنها تقوم بعملها داخل بقع جغرافية كان يسيطر عليها «داعش» مما ينذر بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي، وهذا ما يظهر جلياً من خلال بعض الكمائن التي تعرض لها الجيش العربي السوري في الآونة الأخيرة، وفقاً للأسعد، التي تحدثت عن هدف آخر تسعى لتكريسه «قسد» في الشمال السوري، وقد بدأت بتنفيذه بالفعل، وهو إحداث تغيير ديموغرافي وتهجير قسري تحت قوة السلاح في هذه المناطق لتغيير التوازن السكاني الذي هو في مصلحة العشائر العربية، مستدركة بأن هذه المنطقة تحتضن «نسيجاً واحداً متكاملاً» ولم تعان تاريخياً من أي خلافات كتلك التي تعمل «قسد» على تأجيجها، بإثارة النعرات القومية بين المواطنين.
طبعاً كل ذلك، بحسب الأسعد، يهدف إلى السيطرة التامة على تلك المناطق والتفرد بحكمها، مشيرة إلى أن «قسد» لا تمثل الكرد جميعهم، بل هي لا تمثل سوى شريحة محدودة، في حين أن الغالبية العظمى تعارضها مستشهدة بالتظاهرات الأخيرة التي خرجت رفضاً للاحتلال الأميركي وللتعامل معه.
وتضيف الباحثة السورية، أن هناك محاولات حثيثة لتفريغ الحسكة من أي وجود للعرب أو لمؤسسات الدولة، في ما يشبه التطهير العرقي، مذكرة بأن دمشق قامت بكل ما يلزم لدعم الكرد والعشائر العربية في مواجهة التنظيمات الإرهابية مثل «داعش» و«النصرة» وغيرها، لكن البعض من الكرد مثل «قسد» ومن تمثلهم لطالما كانت لديهم النزعة الانفصالية.
الدور التركي
تحت ذريعة إعادة اللاجئين وتأمين الحدود، ومحاربة «حزب العمال الكردستاني»، تتمادى أنقرة بتدخلها في الأراضي السورية، سواء بنحو مباشر من خلال وجود قواتها على الأرض، أو من خلال المجموعات التي أنشأتها ودربتها، مما جعل تلك المناطق مرتعاً لشتى أنواع التوترات الأمنية، فخلال الشهر المنصرم وحده شهدت مدن رأس العين وعفرين وأعزاز والباب، ست عمليات تفجير بسيارات مفخخة أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا من المدنيين بين قتيل وجريح.
وفي مقابل التجاوزات التركية على الأراضي السورية، أفادت تقارير موثقة للأمم المتحدة بقيام القوات التركية باعتقال نحو 65 سورياً ونقلهم إلى تركيا، وهو ما نددت به الأمم المتحدة، لافتة إلى أن التهم التي وجهت إلى هؤلاء تستند إلى ادعاءات غير دقيقة، فيما أكد نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة الأممية أن تركيا هي سلطة احتلال في سوريا ويُفترض أن تحترم حقوق الشعب بموجب قانون الاحتلال، بما في ذلك حظر الاحتجاز التعسفي ونقل الناس إلى أراضيها.
لطالما كانت العلاقة بين الحكومة السورية والفصائل الكردية، تتسم بعدم الثقة، لأسباب متعددة أهمها –من دون شك– علاقة الكرد الوطيدة مع واشنطن.
ومن الواضح أيضاً أن العمليات التي استهدفت القوات التركية مؤخراً، ترتبط بشكل أو بآخر بمحاولات كردية للتقرب إلى الأميركيين مع وصول الإدارة الجديدة، التي تجاهر بنفورها من نظام رجب طيب أردوغان، كما أن الكرد يريدون عدم تضييع فرصة عودة جو بايدن إلى البيت الأبيض، وهو المعروف بتعاطفه مع «قضيتهم»، وقد تأخذهم أحلامهم أبعد من ذلك نحو تكريس فكرة الانفصال وإقامة الكيان الكردي (روج آفا).
أما الروس، وكعادتهم، فيمسكون العصا من الوسط، بما يتناسب مع مصالحهم. فموسكو لا يمكن أن تضحي بمكانتها ونفوذها في سوريا وتحديداً في شمالها وشرقها، بل على العكس من ذلك، هي تسعى إلى توسيع هذا النفوذ من خلال الحفاظ على علاقة متينة مع أطراف المواجهة هناك، أي الحكومة السورية من جهة والكرد وتركيا من جهة أخرى، لتقول للأميركيين نحن أيضاً موجودون هنا، وأقوياء، ولا يمكنكم تجاوزنا.
تصعيد قسد وخرق الاتفاق ذي الرعاية الروسية قد تفهمه موسكو في هذه الحال كرسالة موجهة ضدها بإيعاز أميركي، لتحجيم دور موسكو المتنامي، وهذا ما سيدفع الروس بطبيعة الحال إلى إعادة فرض الاتفاق وإلزام الكرد بتنفيذه مهما حاولوا التملص منه.
Leave a Reply