وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
حتى الساعة تتواصل المعارك الضارية على أبواب مدينة مأرب، وسط أنباء عن بلوغ «أنصار الله» غرب المدينة العريقة بمحاذاة السد التاريخي، في موازاة استمرار الضغط اليمني على الرياض عبر استهداف العمق السعودي. فبعد مطار أبها الذي بات هدفاً يومياً للطائرات المسيرة، برز استهداف مطار جدة، في مؤشر على نيّة الحوثيين توسيع دائرة الاستهداف لتصبح استراتيجية وأكثر حيوية، في إطار تطوير معادلة الردع بمواجهة آلة الحرب السعودية.
وقائع الميدان
ميدانياً، وفي موازاة ضرب العمق السعودي، تواصل جماعة «أنصار الله» تقدمها وسط اشتداد المعارك حتى باتت تسيطر على غرب المدينة بعد سيطرتها على قرية الزور باتجاه الطلعة الحمراء، وسط خسائر فادحة في صفوف القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي» وحزب «الإصلاح» والتحالف السعودي، بالرغم من تمتعها بغطاء جوي واسع من الغارات على مختلف محاور القتال، وقد أدى بعض تلك الغارات إلى مقتل العشرات من قوات هادي عن طريق الخطأ.
وشهدت مناطق المعارك انسحابات لقوات حزب «الإصلاح» باتجاه المدن المجاورة، كما وقعت انشقاقات كبيرة ومتكررة في صفوف قوات هادي والتحالف، حيث التحق العشرات منهم بقوات صنعاء، ولاحقاً، أعلن تنظيم «داعش» الإرهابي في بيان، مشاركة عناصره في القتال إلى جانب قوات هادي والتحالف السعودي. ورغم كل التعزيزات والتحشيد المضاد أعلنت حكومة صنعاء أن استعادة المدينة باتت مسألة وقت وأن المعركة باتت في نهايتها، مع التشديد على تحييد المدنيين والحفاظ على سلامتهم.
لقاءات قبلية
إلى ذلك، عُقد في الأيام الماضية أكثر من لقاء قبلي للوقوف على مستجدات المعركة، بحضور عدد كبير من الوجهاء والمسؤولين الرسميين، وقد فتحت هذه اللقاءات، الباب أمام الكثير من أبناء القبائل المنضوين في صفوف التحالف لمغادرتها والانضمام إلى صفوف «أنصار الله» أو على الأقل لفتح ممر آمن لهم. اللقاء الأخير عُقد غداة اجتماع لجنة المصالحة الوطنية في حكومة الإنقاذ بصنعاء مع هيئة شؤون القبائل وقيادات عسكرية وأمنية وبرلمانيين وأعضاء في مجلس الشورى، حيث أكد المجتمعون ضرورة أن تتخذ بقية القبائل في المحافظة موقفاً موحداً بالوقوف إلى جانب صنعاء في مواجهة التحالف السعودي وأدواته، حيث أقر تأليف لجنة للتواصل مع «المغرر بهم».
إزاء ذلك، جددت الرياض تهديداتها للقبائل الموالية لهادي باستهدافها في حال التعاطي مع أي مبادرات سلام جديدة صادرة عن قيادة صنعاء. وهو ما قُوبل برد واسع رافض لتلك التهديدات. أما حكومة هادي فقد اعترفت بصد الهجوم، ولوحت بالإعلان عن إنهاء التزامها باتفاق السويد، غامزة إلى نية إعادة التصعيد إلى الحديدة، ووافقها في ذلك ما طرحه ناشطون من حزب «الإصلاح»، كانوا دعوا إلى خطوة مماثلة تترافق مع تصعيد في كل الجبهات بهدف التخفيف عن جبهة مأرب.
قائمة الإرهاب
شطبت واشنطن رسمياً اسم حركة «أنصار الله» من قائمة الإرهاب، وهو ما كان متوقعاً مع وصول الإدارة الجديدة، في إطار سعيها إلى تصحيح الخطوات المتهوّرة التي كان الرئيس السابق دونالد ترامب قد اتخذها، والتي أضرت بالاستراتيجية الأميركية في المنطقة قبل أي شيء آخر، وقد شددت إدارة جو بايدن على ضرورة إنهاء الحرب في اليمن في أسرع وقت ممكن.
وتعليقاً على ذلك، قال محمد الحوثي خلال حفل زفاف جماعي نظمته حركة «أنصار الله» للأسرى المحررين: «دعوة بايدن لوقف الحرب في اليمن غير صادقة وليست حقيقية، وإنما بهدف تصوير أميركا على أنها حمامة سلام»، وأضاف: «اليمنيون باتوا أكثر إدراكاً لمحاولات أميركا التي تقود دول تحالف العدوان على اليمن، وتتحكم في قراراتها، وأنها لا يمكن أن تتحرك أو تعمل إلا بتوجيهات وضوء أخضر أميركي».
ودعا الحوثي إلى «اتخاذ خطوات عملية وقرارات واقعية بوقف العدوان ورفع الحصار عن اليمن».
ماذا يعني سقوط مأرب؟
مأرب، المدينة التي ترى فيها السعودية خط الدفاع الأول عن مدينتي جيزان والشرورة الحدوديتين، تبذل قصارى جهدها لعدم سقوطها في يد «أنصار الله»، مستخدمة كل إمكاناتها وعلاقاتها، وها هي بريطانيا ترمي بكل ثقلها إرضاءً لحليفتها السعودية، وحفاظاً على مكتسباتها من خلال صفقات السلاح الخيالية التي تعقدها مع الرياض، فتسعى جاهدة لاستصدار قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار الفوري، بهدف لجم تقدم «أنصار الله»، ومنع سقوط المدينة في أيديهم.
وكان وزير الخارجية البريطاني دومنيك راب، قد أعلن أن بلاده ستفعّل كل قنواتها الدبلوماسية للضغط باتجاه وقف إطلاق نار شامل في اليمن. علماً أن اتهامات عديدة وُجّهت إلى لندن على خلفية كونها المصدّر الأول للسلاح للتحالف السعودي، ما يعني أنها أكثر المستفيدين من هذا الصراع، والمتسبب الرئيسي بسقوط الأعداد الهائلة للضحايا، فضلاً عن الكارثة الإنسانية من تهجير ومجاعة لم يشهد التاريخ الإنساني المعاصر مثيلاً لها.
قنوات خلفية
في موازاة ذلك، يتحرك مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث، وهو الذي لطالما اتهمته حركة «أنصار الله» بالانحياز إلى حكومة هادي والتحالف السعودي، مطالباً بالوقف الفوري لـ«هجوم المتمردين الحوثيين» على مدينة مأرب، بحسب تعبيره، محذراً من كارثة إنسانية، ومن أن السعي إلى تحقيق مكاسب ميدانية بالقوة يهدد آفاق عملية السلام.
وفي السياق عينه، كشف المبعوث الأميركي إلى اليمن، المعيّن حديثاً، من قبل إدارة بلاده الجديدة، تيم ليندر كينغ، أن واشنطن تستخدم «بشكل نشط قنوات خلفية» للتواصل مع حركة «أنصار الله»، داعياً الحوثيين إلى وقف تقدمهم لإنهاء النزاع العسكري والعودة إلى طاولة المفاوضات. وفيما أكدت صنعاء أنها مستعدة للتعاطي بإيجابية مع الدعوة الأميركية، شددت على ضرورة وقف العدوان وفك الحصار عن اليمن.
السفير البريطاني لدى اليمن مايكل آرون، من جهته، أكد أن بلاده ستستمر في تزويد السعودية بالسلاح، وعلّق عضو الوفد الوطني المفاوض في صنعاء، عبد الملك العجري، على تلك التصريحات معتبراً أن «شركات السلاح الغربية الأميركية والبريطانية هي المحرك الخفي للفتن والحروب في المنطقة واليمن، وأن ست سنوات من الحرب كافية ليشبعوا من دماء الشعب اليمني».
آخر معاقل الوصاية السعودية
بالتقدم ميدانياً في مأرب، وبإرسال الطائرات المسيرة إلى داخل العمق السعودي، تضرب صنعاء رأس التحالف السعودي، وتسحب منه آخر نقاط ارتكازه وقواعده العسكرية المهددة للعاصمة بسقوط آخر معاقل وصايته.
تحرير مأرب، يمثل ضربة قاصمة واستراتيجية ستؤدي من دون شك إلى تحول دراماتيكي في مسار المعركة، فهي ستقضي على ما تبقى من نفوذ لقوات هادي على الأرض. السيطرة على محافظة مأرب –وهو ما توحي به كل المعطيات على الأرض– تمنح «أنصار الله» سيطرة على كامل الحدود السعودية، فضلاً عن أنها محافظة نفطية، ما يتيح لـ«أنصار الله» القدرة على تنمية إمكاناتها المادية والعسكرية، لتصبح قوة يُحسب لها الحساب في تهديد أمن السعودية والخليج برمته، وفي هذا الإطار ذهب مدير التوجيه المعنوي السابق لقوات هادي في مأرب، اللواء محسن خصروف، إلى حد القول إن سقوط مأرب مقدمة لسقوط الرياض.
البعض يقرأ في إصرار «أنصار الله» على السيطرة على مأرب في هذا التوقيت بالذات، رغبةً في الحصول على مكاسب عملية مع اقتراب احتمال العودة إلى طاولة المفاوضات، ورداً على المماطلة الأميركية في إنهاء الحرب، رغم محاولة واشنطن التنصل من كل ما يمت إلى تلك الحرب بصلة. فالوضع الميداني هو ورقة قوية تمنح صاحبها دفعاً كبيراً وتجعله في موقع القوي الذي يستطيع إملاء شروطه، إذا ما أُضيفت إلى سلسلة النجاحات التي حققتها «أنصار الله» في مواجهة الحصار وآلة الحرب السعودية.
الهزيمة السعودية والصمود اليمني
يُنتظر أن تكر سبحة التعديلات على الإجراءات «الترامبية» السابقة، وصولاً إلى الضغط باتجاه الإنهاء الشامل للحرب والحصار على اليمن، لكن الطريق ليس معبداً بالحرير ووقف الحرب دونه عقبات، فالأمر يعتمد على النوايا الحقيقية التي ستُترجم على أرض الواقع، وحين يكون الأمر مرتبطاً بالحليف السعودي، تستطيع واشنطن فعل وتنفيذ كل ما تريد، فليس خافياً أن الرياض هي مجرد تابع، يأتمر بأوامر الولايات المتحدة، قبل ترامب وبعده.
السعودية اليوم باتت مهزومة عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وأخلاقياً، فيما استطاعت صنعاء الحفاظ على موقعها بل أصبحت اليوم ممسكة بزمام المبادرة.
Leave a Reply