العودة إلى الاتفاق النووي مع طهران متعثرة .. وواشنطن تضرب «أهدافاً إيرانية» في سوريا
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
«نعتبر العودة إلى الاتفاق النووي هدفا استراتيجيا وحملة الضغوط القصوى على إيران كان من المفترض أن تعزز المصالح الأميركية لكنها أتت بنتائج عكسية. والأسلوب الفعال لعدم امتلاك إيران سلاحاً نووياً هو الديبلوماسية». هذا آخر ما صرّح به المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ولعله الأهم من بين التصريحات الأميركية التي لا تنفك تتناول الاتفاق النووي. في هذا التصريح إشارتان لا تقل إحداهما أهمية عن الأخرى والاثنتان تصبان في خانة التمهيد والعودة المتدرّجة إلى الاتفاق النووي. في قراءة سريعة لمضمون التصريح فإنه يشير بوضوح إلى عدم بلوغ الهدف المرتجى من سياسة العقوبات القصوى، بل على العكس فقد أتت تلك العقوبات بنتائج عكسية، وأصبحت إيران تعتمد سياسة الاكتفاء الذاتي، بل وقدمت نموذجاً في الصمود ومقاومة الحصار. أما النقطة الثانية فتحمل في طياتها إشارة أميركية واضحة باستبعاد لغة الحرب، لكن واقع الميدان حمل تطورات مفاجئة، بإعلان واشنطن، الخميس الماضي عن شن ضربة جوية استهدفت موقع تابع لجماعة مدعومة من إيران داخل سوريا، وفقاً للبنتاغون.
الاتفاق ميت سريرياً
بتوقفها عن الالتزام بالبروتوكول الإضافي تكون طهران قد أطلقت رصاصة الرحمة على الاتفاق النووي، الذي بدأ يترنّح منذ خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منه. وإذا كانت إيران تنتظر انقلاباً سريعاً ودراماتيكياً في الموقف الأميركي بعد وصول جو بايدن للرئاسة، فإنها تفاجأت بالرسائل الخجولة تارة والتصعيدية تارة أخرى، ما يدل على حالة تخبط داخل الإدارة، أو في أفضل الأحوال، ربما يكون السبب ضغوطاً مصدرها إسرائيلي. فكما بات معلوماً، إسرائيل تعتبر إيران عدوها الأول، والتهديد الأخطر لها، لذلك تسعى جاهدة لعرقلة عودة بايدن إلى الاتفاق.
وانسجاماً مع الوعود التي كانت أطلقتها إدارة بايدن، وكي لا يبدو الأمر «انبطاحاً» أمام الإيرانيين، اتخذت الإدارة الجديدة عدة خطوات متقاربة زمنياً، بدءاً بإبطال الإجراء الذي كانت قد اتخذته إدارة ترامب لإعادة فرض كل العقوبات الأممية على إيران، مروراً بتخفيف القيود على حركة الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك ووصولاً إلى الموافقة على المشاركة في اجتماع مجموعة الخمسة زائداً واحداً.
كما ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، أن بلاده وكوريا الجنوبية قد تناقشان الإفراج المقترح عن الأموال الإيرانية المحتجزة في كوريا الجنوبية. وكان قد جرى تجميد نحو سبعة مليارات دولار من الأموال الإيرانية في البنوك الكورية الجنوبية بسبب إجراءات الحظر الأميركية المفروضة على طهران.
وقد رفضت الخارجية الأميركية التعليق بشأن تحويل الأموال من كوريا الجنوبية إلى إيران، مؤكدة أن الشراكة مع الأوروبيين هي المنصة الأساسية التي يجب أن تدور فيها مباحثات الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
ضغط إسرائيلي
مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أصدر بياناً أكد فيه أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران ستمهّد الطريق أمام طهران لامتلاك ترسانة نووية، وأن إسرائيل تجري حواراً مستمراً بهذا الشأن مع الإدارة الأميركية.
أما وزير خارجيته غابي أشكنازي، فقال إن «إيران تدمر ما تبقى من رقابة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتشكل تهديداً للمنطقة».
هذه التصريحات تكشف وبوضوح، الخشية والقلق الإسرائيليين من إعادة إحياء الاتفاق النووي وهم الذين حرّضوا ترامب على الانسحاب منه، فيما لا يغيب عن بال أحد، امتلاك تل أبيب الترسانة النووية الأكبر في المنطقة، فإن حصول إيران على القدرات النووية يبقى الهاجس الأكبر لإسرائيل سواء بقيت طهران في الاتفاق أم غادرته، وسواء التزمت بتنفيذ البروتوكول الإضافي أم لم تلتزم!
تعليق البروتوكول الإضافي
إذن، نفذت إيران ما توعدت به المجتمع الدولي بعد انتهاء المهلة المحددة في الثالث والعشرين من شباط (فبراير)، في إجراء متدرج للتخلي عن التزاماتها في الاتفاق النووي الذي بدأته منذ منتصف العام الماضي، وهو وقف العمل بالبروتوكول الإضافي، الأمر الذي أثار موجة استنكار أوروبية وأميركية. علما أن الجمهورية الإسلامية استنفدت كل الوقت اللازم وبقيت محافظة على التزاماتها بالرغم من خروج ترامب من الاتفاق، واستمراره في اعتماد سياسة العقوبات القصوى وتشديد الحصار حتى اللحظات الأخيرة من ولايته.
وبينما تتحدث وزارة الخارجية في إدارة بايدن عن «إلحاحية العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة» إلا أنها ترى في ذلك خطوة تكتيكية من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي بضمان عدم تمكن إيران من امتلاك سلاح نووي.
وشرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، ما قصده بـ«الصبر المحدود» تجاه إيران، مؤكداً أن «خروج إيران من الاتفاق جعل برنامجها النووي أكثر تقدماً بشكل لم يكن مسموحاً به عندما كانت تلتزم بشكل كامل به». وأضاف أن «حملة الضغوط القصوى على إيران حققت نتائج عكسية للأهداف التي وضعت من أجلها وقربت إيران من الحصول على السلاح النووي». وأكد أنه ستتم مواصلة فرض عقوبات على إيران والضغط عليها ومحاسبتها على أعمالها الخبيثة ودعمها للإرهاب».
مساع أوروبية
وزير الخارجية الالماني هايكو ماس دعا إيران إلى الموافقة على المبادرة الدبلوماسية الأوروبية المطروحة وإلى عدم التصعيد حفاظاً على الاتفاق، مشيراً إلى سعي الأوروبيين إلى استغلال فترة الأشهر الثلاثة التي توصلت إليها طهران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمناقشة كيفية عودة واشنطن إلى الاتفاق خطوة بخطوة.
أما طهران فكان لها رأي آخر، حيث أكد مندوبها الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة في جنيف، إسماعيل بقائي هامانه، أن الطرف المخطئ والمنتهك للاتفاق النووي والقرار الأممي 2231، هو الذي يجب أن يعود إلى تنفيذ التزاماته وليس إيران التي التزمت بتعهداتها، واعتبر المطالب الغربية لطهران بالعودة إلى تنفيذ كامل تعهداتها أمراً مثيراً للسخرية ويكشف عن نزعة سلطوية.
يُذكر أن الحكومة الإيرانية أعلنت وقف العمل بالبروتوكول الإضافي في الاتفاق النووي تنفيذاً لقرار مجلس الشورى الإسلامي، حيث تشترط طهران رفع الحظر الأميركي أولاً قبل العودة إلى تنفيذ كل التزاماتها وفقا للاتفاق. وصرّح الرئيس الإيراني حسن روحاني بأنه يشعر بالسعادة لقول الأعداء إن الضغوط القصوى ضد الشعب الإيراني قد فشلت.
ليس لدينا ما نخفيه
يشدد الإيرانيون على أنه ليس لديهم ما يخفونه وأن كل ما يفعلونه هو في إطار المادة السادسة والثلاثين من الاتفاق النووي وأنهم لم ينتهكوا الاتفاق. عندما لا تفي الولايات المتحدة بالتزاماتها وترفع العقوبات، يحق لإيران اتخاذ خطوات في المقابل، وحتى الآن إلغاء العقوبات حبر على ورق، ولن تكون هناك مفاوضات محتملة بشأن أي تغييرات في الاتفاق النووي.
الجدير ذكره أن البعض في إيران رحب بالإجراءات الأميركية وإن جاءت متأخرة حول توسيع نطاق حركة الدبلوماسيين الإيرانيين في نيويورك ويعتبرونها مؤشراً على مضي واشنطن في الطريق الصحيح علماً بأنها غير كافية في ظل استمرار العقوبات ضد إيران وعدم تعويض الشعب الإيراني عن خسائره، على أمل أن تنفذ الإدارة الأميركية ما تطلقه من وعود وهذا لن يحدث ما لم تنفذ واشنطن عملياً قرار الأمم المتحدة 2231 المتعلق بخطة العمل الشاملة المشتركة فوراً وتضع عداوتها جانباً وتلتزم بالقوانين.
هكذا يكون الاتفاق النووي قد دخل غرفة العناية المركزة، وسط مماطلة الأميركيين والأوروبيين من جهة، وإصرار إيران على عدم العودة إليه ألا بعد رفع كل العقوبات عنها.
تصعيد أميركي
وفي ظل التعثر على المسارات الدبلوماسية، أعلن بيان للبنتاغون عن ضربة جوية أميركية «تمت بدقة عالية ضد تنطيمي كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء المدعومين من طهران داخل الأراضي السورية».
وأضاف البيان أنه «بناء على توجيهات الرئيس جو بايدن، نفذت القوات الأميركية ضربات جوية ضد البنى التحتية لتنظيمات مدعومة من إيران في شرق سوريا».
وهذه الضربات أجيزت كرد على الهجمات الأخيرة التي استهدفت قوات أميركية وأخرى تابعة للتحالف في العراق، في موقف يشي بتصعيد أميركي واضح.
وقال مسؤول في البنتاغون للصحفيين إن مجموعة أهداف عسكرية تم تدميرها بالكامل بعدما توافرت معلومات استخباراتية مفادها أن الجماعة المسلحة كانت تخطط لتنفيذ هجمات صاروخية ضد مواقع لقوات أميركية منتشرة في العراق.
وتعد الضربة أول عملية عسكرية تقوم بها إدارة بايدن ضد أهداف «إيرانية»، في وقت تسعى به إلى استئناف حوار مع طهران بوساطة أوروبية بهدف إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015.
ولم يقتصر التصعيد الأميركي على الميدان، بل أصدرت وزارة الخارجية تصريحات تطالب طهران بالتمسك بالتزاماتها بحقوق الإنسان والحريات بما في ذلك حرية التعبير والتجمع السلمي، معربة عن «قلق كبير إزاء تقارير قطع الإنترنت والعنف تجاه متظاهرين في سيستان وبلوشستان».
Leave a Reply