محمد العزير
يبدي رئيس «المعهد العربي الأميركي» AAI، الناشط السياسي المخضرم والشخصية العربية الأميركية البارزة في واشنطن، الدكتور جيمس زغبي، في مقالة نشرت له مؤخراً في «صدى الوطن»، تحت عنوان «الأميركيون العرب.. صعود الدور السياسي»، تفاؤلاً ملحوظاً بمستقبل الحضور السياسي العربي الأميركي على المستوى الوطني، معتبراً عدم ملاحقة الإعلام الأميركي المؤيد لإسرائيل لأسماء ومواقع العرب الأميركيين الذين تم تعيينهم في الإدارة الجديدة للرئيس جوزيف بايدن، مؤشراً إلى أن التعامل مع أبناء الجالية في مواقع القرار اصبح مقبولاً أكثر من المجتمع الأكبر، ويلحظ أن تعيين عدد من العرب الأميركيين في مواقع حساسة مثل وزارة الخارجية والأمن القومي دون أي ردود فعل سلبية باستثناء بعض «المنشورات اليمينية الهامشية وعدد قليل من أعضاء الكونغرس المتشددين»، جعل البعض يعتقد أن حصتهم كانت أقل، بينما أشعره ذلك بالرضا.
في كلام الدكتور زغبي صاحب التجربة السياسية الطويلة (أكثر من خمسة عقود) الكثير من الصواب، خصوصاً وهو يقارن بين بدايات التفاعل العربي الأميركي في السياسة الأميركية أواسط الستينيات (حيث كانت التبرعات الانتخابية لأبناء الجالية موضع اتهام دامغ بتدخل «المال العربي» في القرار الأميركي) وبين حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي شهدت مشاركة غير مسبوقة للنشطاء العرب الأميركيين في حملة بايدن، دون أن يغفل الإنجازات الانتخابية للمرشحين من أصول عربية على المستويين المحلي والوطني. لكن ذلك لا ينبغي ولا يمكن أن يعني أن الهدف تحقق وأن العرب الأميركيين سياسياً هم بأفضل حال. صحيح أن هناك ما يدعو للتفاؤل، لكن الأصح هو أن المطلوب أكثر بكثير مما تحقق، وأن إمكانات كثيرة معطلة، أو موظفة بشكل إن لم يضر، فهو بالتأكيد لن ينفع.
وحتى لا يكون الكلام في المطلق، لا بد أن ننتبه إلى أن إدارة بايدن هي الأولى منذ الرئيس الأسبق بيل كلنتون التي لا تضم عربياً أميركياً في منصب وزاري، وإلى أن الوعود التي قطعتها حملة بايدن وكامالا هاريس للعرب الأميركيين في اللقاءات التي سبقت الانتخابات، وكان للدكتور زغبي دور في ترتيبها، لم تتحقق حتى الآن لا على مستوى السياسة الفدرالية ولا على مستوى التعيينات الحكومية. وفي المقابل، وعلى الرغم من الحيوية الكبيرة للنشطاء والمرشحين العرب الأميركيين (خصوصاً في ولاية ميشيغن) وبعد السنوات العجاف لولاية دونالد ترامب البائسة، لا وجود لإطار عربي أميركي يعنى بالشأن السياسي–الانتخابي بشكل يلبي الحاجات الملحة أو يترجم الطاقات الكامنة، لتعود الصورة على الأقل إلى ما كانت عليه قبل هجمات 11 أيلول الإرهابية على نيويورك وواشنطن والتي شكلت صدمة ونقطة تحول نحو تقوقع لم يعد مبرراً.
الناظر إلى الخريطة السياسية للعرب الأميركيين في ميشيغن، وهي ولاية حساسة جداً خصوصاً في الانتخابات الرئاسية ويمكن للصوت العربي فيها أن يكون حاسماً (ربحها ترامب بأكثر من 10 آلاف صوت بقليل، وربحها بايدن بحوالي 150 ألف صوت، والرقمان أقل من العدد التقديري لأصوات العرب الأميركيين)، يرى الكثير من الشخصيات والشخصانية، والقليل من العمل المؤسسي وسط فراغ غير مفهوم.
ولتسمية الأمور بأسمائها، تنتشر على تلك الخريطة ثلاثة مكونات غير متكاملة وأحياناً متنافرة؛ المكوّن الأول هم المرشحون العرب الأميركيون لمناصب محلية أو إقليمية على مستوى الولاية، وباستثناءات نادرة يعتمد المرشحون منطلقات بدائية تتوسل العلاقات العائلية أو البلدية أو تلعب ورقة التحريض القُطري على أساس البلد الأم أو الدين وفق المذهب أو الطائفة، وأحياناً للمماحكة فقط.
المكّون الثاني للخريطة السياسية يتمثل في المؤسسات الدينية المتنوعة، والتي تستجر مئات آلاف الدولات من تبرعات الجاليات العربية سنوياً ولا تستثمر إلا في جلب أو استقطاب المزيد من رجال الدين الذين يعملون بلا هوادة لربط مجتمعاتنا المهاجرة بمشاكل وأزمات وفتن الوطن الأم. الوجه القبيح لهذا الربط يظهر في التعبئة المذهبية والتحريض بشكل يقلب الأولويات فيصبح هم العربي الأميركي المقيم بأمان وأمن في ظل القانون، مواجهة عدو وهمي في الوطن الأم فتصبح القضايا الحيوية في مجتمعه ذات أهمية هامشية قياساً على «الخطر الوجودي» الذي يزرعه رجال الدين في رأسه.
في المقابل تعمل هذه المؤسسات الدينية بالمفرق عندما يأتي دور السياسة المحلية فتستقبل المرشحين بمعايير متضاربة حسب أمزجة وأهواء إداراتها إن لم يكونوا عرباً، وتضيف إلى ذلك النكهة العائلية إذا كانوا عرباً.
أما المكوّن الثالث والذي يفترض أن يكون الأكثر أهمية فهو المؤسسات المدنية. وليس من الانصاف تجاهل الأسباب الموضوعية التي أدت إلى انحسار دور هذه المؤسسات بعد 11 أيلول وفي ظل سيطرة المحافظين على السلطة التشريعية جُلّ العقدين الأولين من القرن الحالي وعلى السلطة التنفيذية معظم الفترة عينها والتي أدت إلى تقلص واردات المؤسسات الاجتماعية مثل «المركز العربي للخدمات الاقتصادية والاجتماعية» (أكسس) و«المجلس العربي الأميركي والكلداني» (أي سي سي)، ودفعتهما إلى التحول إلى مؤسسات متخصصة تؤدي الخدمات المطلوبة للجالية على نمط الشركات والتخلي عن الجانب الشعبي والاجتماعي في عملها (لتترك تدريجياً ميدان التبرعات حكراً على المؤسسات الدينية).
وفي ظل الغياب الملحوظ لمؤسسات كان لها دور رياديّ مثل «النادي اللبناني الأميركي» و«المجلس العربي الأميركي» و«غرفة التجارة العربية الأميركية»، وغياب الكثير من النشاطات الجامعة، خصوصاً المهرجان العربي في ديربورن، فضلاً عن اضمحلال أي تمثيل للمؤسسات التي كانت تعمل بنشاط على المستوى الوطني مثل ADC وAAI وAAUG، يبقى السؤال عن مؤسسة قامت على أمل تفعيل الطاقات السياسية العربية الأميركية في ميشيغن تحديداً، وهي «اللجنة العربية الأميركية للعمل السياسي» (أيباك) التي تأسست قبل 22 سنة مولّدة حيوية كبيرة في الجالية بين مؤيد ومعارض. ولعل أبرز إنجازاتها المبكرة أنها جلبت إلى حلبة السياسة المحلية كثيرين ممن كانوا خارج رقعة المؤسسات في حينه، ونجحت إلى حد كبير في تأطير الصوت الانتخابي العربي، خصوصاً في منطقة ديترويت. وسرعان ما تحولت هذه المؤسسة الحديثة العهد إلى مصنع للمرشحين العرب الأميركيين على مستوى ميشيغن ومقاطعة وين ومدينتي ديربورن وديربورن هايتس وغيرهما.
وقد أصبحت «أيباك» بعد نجاحها المبكر مقصداً للمرشحين الطامعين بالصوت العربي الأميركي من حاكمية الولاية إلى أدنى منصب في مقاطعة وين، ومعهم الساعون إلى الوظيفة العامة.
لكن المؤسسة اليوم تبدو وكأنها تعاني من الشيخوخة المبكرة على الرغم من نجاحها الملحوظ؛ فمعظم المرشحين العرب الأميركيين الذين فازوا بالانتخابات المحلية أو عينوا في مناصب حكومية كانوا من أعضائها أو ممن تبنّت ترشيحهم. لكن العقلية التي تم التعامل معها يمكن تلخيصها في واقعة تتراوح بين السريالية والفكاهة: بجهد دؤوب من «أيباك»، نجحت مرشحة من أعضاء المنظمة في نيل مقعد في المجلس التربوي لمدينة ديربورن، فارتفعت في أزقة وساحات قرية صغيرة في جنوب لبنان لافتات باسم شعبة حركة «أمل» في تلك القرية تهنئ بفوز «ابنة الحركة».
آخرون ممن فازوا لم يعد بمقدورهم قانوناً الانخراط في نشاطات المنظمة، لكنهم لم يرشحوا ولم يشجعوا أحداً على الدخول في عضوية «أيباك»، أما من هم خارج المؤسسة والطاعنون في سياستها فيعتمدون أسلوب «فيسبوك» في الاعتراض من خلف الشاشة أو في مقهى أو سهرة، مع أن اجتماعات «أيباك» مفتوحة للجميع. أما الراغبون في عضويتها فينحصرون في ذوي الطموحات السياسية، مما يجعل اللجنة بمثابة ممر لا مستقر للمعنيين.
هذه السنة سنة انتخابات بلدية في ميشيغن ولا يحتمل الوضع الآن بعد محنة ترامب أي تساهل. من يريد الخير للعرب الأميركيين عليه أن يبادر سواء من داخل المؤسسات الموجودة أو من خلال مبادرات جديدة.
الصوت العربي الأميركي في ميشيغن يجب أن يتحول إلى عملة صعبة، لأن ميشيغن بوابة عبور اضطرارية إلى الرئاسة عام 2024 والى المدى المنظور.
Leave a Reply