فاطمة الزين هاشم
كورونا كما هو معروف للجميع، هو الوباء الذي داهم العالم على حينِ غرّة حتى بلغت الإصابات والوفيات الناتجة عنه مبلغاً أوقفَ البشريّةَ عند منعطف الذهول، فسارعَ العلماءُ المختصّون إلى التنبيه له واتّخاذ الإجراءات اللازمة للحدّ منه وصولاً إلى اكتشاف اللقاح المضادّ له.
وإذا كان للعلماء والأطباء مآثر تُسجّل بالفخر والاعتزاز ضمن مسيرة البقاء، تستوقفنا إزاء هذا المشهد، ظاهرة عكسيّة تتمثّل في جشعِ الكثير من التجّار باستغلالِ تداعياتِ الوباء في رفع أسعار السلع الأساسيّة للمواطنين الذين أصبحوا بين نارَين، نار الوباء ونار الأسعار التي تفنّن التجّار في حيثيّات وكيفيّات ارتفاعِها دون رادعٍ من ضمير أو تحريكٍ نأمةٍ من وجدان إزاء معاناة الفقراء. أين منهم الحديث الشريف لرسول الله (ص) إذ يقول صراحةً: «أحبُّ الناسِ إلى الله أنفعهُم للناس»؟
ولقد شهدت الأسواق منذ انتشار جائحة كورونا موجةً من غلاء الأسعار الفاحش في الأسواق طالت جميعَ السلع الضرورية وخاصّةً الغذائية منها وهي التي لايمكن الاستغناء عنها في ديمومة الحياة سواءً للأغنياء أو الفقراء، وإذا كان الأغنياء قادرين على دفع الفواتير فماذا عن عجز الفقراء وخيبتهم؟
كيف يمكن لربِّ عائلةٍ محدود الدخل أن يُلبّي احتياجات أفراد أسرته إزاء غول ارتفاع الأسعار؟
ورغم أنّنا نحيا في وطننا الأميركي الجديد الذي يوفّر فسحة من المساعدات الحكومية، إلّا أنّها لا تغطّي الجزءَ الأكبر من احتياجات ومتطلبات الأسر، فهل يرتضي الجشعون من التجّار أن يرموهم إلى مفازات الجوع والعوز؟ إنّنا لا نستنتج من ذلك سوى المزيد من الإثراء على حساب ذوي الدخل المحدود من خلال نهب جيوبهم الخاوية أصلاً إلا من بعض المساعدات الحكومية التي قد لا تدوم!
إنّ المواجهة الفاعلة أمام مثل هذه المعضلة الاستحواذية لن تحصل إلّا باستنفار الجهات الرسميّة في مراقبة الأسعار في الأسواق للحدّ من الجشع الماثل وفرض العقوبات الرادعة لهذا الاستغلال البشع ضدّ المواطنين ومنع احتكار السلع أمام المدّ العريض لرفع الأسعار، واتّخاذ الإجراءات اللازمة لضمان سيولة وصول السلع إلى المستهلك بالأسعار المعقولة، على أن يصاحب ذلك اتّخاذُ الإجراءات القانونيّة الرادعة التي تُجرّم الاحتكار والتلاعب بالأسعار ضماناً لحقّ المستهلك باقتنائها، وتلك يجب أن تنطوي على حملة مراقبة مبرمجة يومية تضمن استقرار الأسعار ووضعها تحت يد المستهلك بما يتناسب مع إمكانيّة التداول.
الآن يراودنا السؤال جميعاً: أين دور الحكومة هنا؟ البلدية مثلاً، لماذا لا تضع حدّاً لهذه التجاوزات على حقوق المواطن المستهلك ضدّ مُستغلّيه التجّار؟ فإذا كانوا يتذرّعون بذريعة ارتفاع أسعار النقل –وهي حجّة واهية غير منطقيّة– قياساً إلى النسبة الجشعة للاستغلال المُدان، أم أنّ الواقع يحصل كما يقول المثل: «إن لم تستحِ فافعل ما تشاء»؟
أمّا عن العقارات فالحديث يصبح ذا شجون كبيرة هي الأخرى، فبعض المكاتب العقارية يستغلّ المنزل المعروض للبيع فيسارع إلى رفع سعره إلى أقصى مستوى ممكن في استغلال بشع لمبدأ العرض والطلب.
ربّنا ارحمنا من أصحاب النفوس الجشعة التي تنهش لحومَ البشر دون خوفٍ من الله المحاسب يوم لا ينفع فيه مالٌ ولا بنون.
Leave a Reply