محمد العزير
يلاحظ المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي الغياب العربي الأميركي شبه الكامل عن متابعة أكبر حدثين أمنيين هزا أميركا خلال أسبوع؛ عمليتا القتل الجماعي التي استهدفت أولاهما ثلاثة مراكز عمل لآسيويين أميركيين في ولاية جورجيا على يد رجل أبيض، وراح ضحيتها 8 أشخاص منهم 6 سيدات من أصول آسيوية يعملن في محلات التدليك، والثانية استهدفت الزبائن عشوائياً في متجر بمدينة بولدر في ولاية كولورادو، سقط نتيجتها 10 ضحايا بينهم شرطي استجاب لنداء الاستغاثة، ونفذها عربي أميركي من أصل سوري. وفي الجريمتين تم اعتقال المنفذين وأُحيلا إلى الجهات القضائية المختصة.
ملفت هذا الغياب، فهو في حده الأدنى عدم اكتراث فاضح، وفي حده الأعلى سوء تقدير واضح سيقود دون شك إلى تضييع فرصة ملائمة للعرب الأميركيين يمكن الاستفادة منها فعلاً، وليس من باب الانتهازية، من أجل إثبات وجودنا وتفاعلنا في محيطنا الأشمل بالتوازي مع الانشغال بقضية ملحة ومؤثرة وإيجابية تثمّر بعض الطاقات الداخلية، خصوصاً لدى الشباب الذي يبدو أكثر اهتماماً وتفاعلاً مع خبر عراك بين شبان مخمورين أو موتورين من الجالية، يسهرون حتى الفجر في المقاهي أو الحانات.*
ليس المقصود من ذكر التواصل الاجتماعي حصر المسؤولية في رواد الفضاء الافتراضي، إلا أنهم في زمننا هذا، المؤشر الأوضح للاهتمامات العامة كانعكاس لأجواء بيوتهم وملتقياتهم ومؤسساتهم التربوية والدينية، أو الاجتماعية إذا وجدت. المسؤولية الأولى في أمر كهذا تقع على المؤسسات الأهلية بكافة أصنافها، والمؤسف أن المؤسسة الوحيدة التي تابعت الواقعتين باهتمام هي «صدى الوطن» وهي وسيلة إعلام لا يمكن أن يتجاوز دورها نقل الخبر والتعليق عليه، فأين باقي المؤسسات والمنابر والأصوات (خصوصاً التي ترتقع على وقع التفسخ والفتن في الوطن الأم)، وأين المتحمسيون لإقامة شعائر مذهبية مستوردة من أجل الكيد والتفرقة في العلن، من أجل تعميم المنفعة!
يعرف العرب الأميركيون منذ أواسط الثمانينيات في القرن الماضي (أيام خطف الطائرات وخطف الأجانب واستهداف المصالح الغربية وخصوصاً الأميركية في لبنان وبعض دول المنطقة لمصالح إقليمية أصبحت اليوم أكثر وضوحاً)، وبشكل أكبر بعد هجمات 11 أيلول الإرهابية على نيويورك وواشنطن عام 2001، معنى الاستهداف الإعلامي والمعنوي من المجتمع الأكبر وتحميل جالية بأكملها مسؤولية أفعال ليست ضالعة فيها بالجملة ولا تتهاون معها بالمفرق، ويعرفون معنى التنميط والاشتباه على أساس الدين أو لون البشرة أو اللهجة، كما يعرفون أيضاً قيمة الدم المهدور لأسباب عنصرية ورداءة أن تصبح جالية مقصداً لكل متطرف ومتزمت وهدفاً لحملات سياسيين وإعلاميين طامحين. هذا ما يتعرض له الآن المهاجرون والأميركيون من أصول آسيوية بسبب تسييس وباء «كوفيد–19» من قبل الرئيس الأحمق السابق دونالد ترامب ومؤيديه ووسائل الإعلام التي تدور في فلكه، خصوصاً إصراره على تسمية الفيروس طوال الحملة الانتخابية الطويلة وما تلاها بـ«الفيروس الصيني» بكثير من الضغينة والكيد في إطار تحريضه الكريه ضد الصين والعالم غير الأبيض والمهاجرين والملونين. (ربما كان من حسن طالع العرب الأميركيين أن شذاذ الافاق من المتأسلمين ارتكبوا أعمالهم الإرهابية المشينة أيام كان الحزب الجمهوري لا يزال يتعاطى السياسة، ولم يتقزّم إلى آلة تحريض عنصرية سلاحها الوحيد التفرقة وكبت الناخبين).
يتمتع الآسيويون الأميركيون الآن، خصوصاً بعد الجريمة الجماعية في جورجيا، بتعاطف شعبي وتضامن مؤسسي أميركي لم يتوفر للعرب الأميركيين في أحلك الأيام، وتنظر إليهم إدارة الرئيس جوزيف بايدن كمواطنين وبشر، ومشاركة العرب الأميركيين في نصرة قضيتهم ستصب في النهاية في مصلحة كل المجموعات الإثنية في أميركا، خصوصاً الجاليات حديثة الهجرة.
عدد لا يستهان به من الصبايا والشباب العرب الأميركيين الذين كوّنوا تجاربهم السياسية في الجامعات وشاركوا بفعالية في الحراكات الشعبية المدنية والحقوقية المناهضة للتمييز والإستغلال خصوصاً مع الأفارقة الأميركيين، يشارك اليوم في مناصرة الآسيويين الأميركيين، لكنها مشاركات منفردة وشخصية ولا تعكس الحضور العربي الأميركي المفروض أن يتجسد بشكل أشمل يجعل الصوت العربي الأميركي مسموعاً والموقع العربي الأميركي محجوزاً على الطاولة. لن يقتصر أثر ذلك على الصورة العامة للجالية، بل سيطلق دينامية مطلوبة داخل المجتمع العربي الأميركي تكرس دور الشباب المتفاعل حالياً وتستقطب الطاقات الشبابية الكامنة والمتروكة مشاعاً بين الخطاب الديني وبين النزعات البدائية المهدورة على وسائل التواصل أو المقاهي أو المظاهر.
الملفت في جريمة كولورادو الجماعية انه في عهد ما بعد ترامب، لم تسارع وسائل الإعلام الأميركية إلى رفع شماعة الهوية العربية لمرتكب الجريمة، ولم تنطلق صفارات إنذار الإرهاب وفزاعة الإسلام. يتم التعامل مع الجريمة كباقي جرائم القتل الجماعية. الإعلام والمسؤولون يركزون على الحالة النفسية والعقلية للجاني (كان هذا على الدوام مصدر تهكم عربي وعربي أميركي على التصنيف غير الإرهابي لمرتكبي جرائم مماثلة من الأميركيين البيض).
إعفاء العرب الأميركيين من مهمتي التوضيح والدفاع هذه المرة ينبغي أن يكون حافزاً للمؤسسات والمعنيين للمشاركة في الحملة الوطنية الهادفة إلى تنظيم وتقنين شراء وامتلاك السلاح، وهي حملة ضرورية وتضم أطيافاً واسعة من المؤسسات والهيئات الأميركية التي من المفيد التعاون والتنسيق معها، خصوصاً في ميشيغن التي تشتهر بميليشياتها وتطرف المحافظين فيها الذين باتوا يشكلون تهديداً صريحاً للحياة العامة كما بدا واضحاً خلال وبعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
تعطي المشاركة العربية الأميركية في حملات وطنية ذات معنى من هذا النوع بعداً إضافياً لحضور الجالية وتفتح آفاقاً جديدة لتفاعل حيوي يخرج طاقات العرب الأميركيين من جحور التبعية لمسارات الوطن الأم البائسة هذه الأيام، وتعطي الشباب خيارات وبدائل ذات معنى بعيداً عن الاستقطاب الطائفي والمذهبي الذي زاد عن حده في العقدين الماضيين ولا يبدو أن الكهنوت الديني بجميع أطيافه شبع من التجييش أو يفكر في الشبع من البدائية والغيبيات التي أصبحت تستثمر بلا حياء في مشاعر المهاجرين واللاجئين حديثاً من مجتمعاتنا الأم المنكوبة لتمعن في إزالة سنوات طويلة من الجهد والتعب والعناء لتكوين الهوية العربية الأميركية الجامعة التي تآكلت كثيراً لكنها لم تندثر، لا بل هي الآن في وضع يمكن البناء عليه لاستعادة نبضها وتطوير مكانتها، وذلك يبدأ بالتفاعل مع القضايا الوطنية المهمة والحيوية التي تعود بالفائدة علينا وتعزز موقعنا ودورنا.
من يبحث عن قضية ومن يريد العمل، هذا الميدان أمامه مفتوح على مداه، وعلى مؤسساتنا أن تبادر وتتفاعل وتوفر فرص المشاركة أمام الشباب والصبايا ليكون غدنا أفضل.
* ملاحظة: سجل خبر العراك في ديترويت بين شبان عرب على صفحة «صدى الوطن» على «فيسبوك» حوالي 8 آلاف إشارة وتعليق، بينما سجل خبر جريمة كولورادو 34 إشارة فقط.
Leave a Reply