محمد العزير
إذا كنت من قراء هذه الصحيفة «صدى الوطن» فقد عرفت دون شك أن شهر نيسان (أبريل) مخصص رسمياً، هذه السنة، للاحتفاء بالعرب الأميركيين وثقافتهم في الولايات المتحدة. قرار أذاعه الناطق باسم الخارجية الأميركية ند برايس عبر الفيديو في أول أيام الشهر، يتضح فيه الفارق بين تعامل إدارة الرئيس الأحمق السابق دونالد ترامب –الذي بدأ عهده باستعداء العرب وحظر سفر مواطني ست دول عربية– وبين إدارة جوزيف بايدن الذي يحاول استعادة شيء من العقلانية إلى السياسة الأميركية الداخلية من خلال التعامل مع الأميركيين جميعاً كمواطنين، لا كأعداء متربصين بالرجل الأبيض والتفوق الأبيض الذي استثمر فيه المحافظون لسنوات طويلة.
أشار بيان الخارجية إلى أن 3.5 مليون عربي أميركي يمثلون طيفاً واسعاً من الثقافة والتقاليد، وهم كمواطنيهم الآخرين «جزء لا يتجزأ من نسيج هذه الأمة وساهموا في المجالات والتخصصات كافة، وكثير منهم في الحقيقة عملوا في الخارجية وكل الوزارات والإدارات».
وفي تغريدة له بمناسبة انطلاق شهر التراث العربي الأميركي، قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الثلاثاء الماضي: «فخورون بهذا الشهر وبتكريم ملايين الأميركيين العرب، الذين ساهموا في كل مجال ومهنة، بما في ذلك، أولئك الذين يعملون في الخارجية الأميركية».
وهذه هي المرة الأولى التي تخصص فيها وزارة الخارجية الأميركية شهراً معيناً لـ«التراث العربي الأميركي»، في حين كانت بعض الولايات تحتفي به في الأعوام الماضية مثل أركنسو وهاواي وميشيغن ونيويورك وكارولاينا الشمالية وفرجينيا.
وتشمل صفة العرب الأميركيين المهاجرين من 22 دولة عربية الذين قصدوا العالم الجديد منذ أوائل القرن التاسع عشر، وتضم ولايات كاليفورنيا ونيويورك وإيلينوي وميشيغن أكبر عدد منهم، فيما يعيش قي مدينة ديربورن ومنطقة ديترويت الكبرى في ميشيغن أكبر تجمع سكاني عربي خارج الشرق الأوسط.
في العادة يكون تخصيص أيام وشهور لفئات أو قضايا محددة فرصة للتركيز على التفاصيل والمعلومات المتصلة بأصحاب المناسبة، فهناك في التقويم الرسمي أيام للتوعية حول سرطان الثدي، المرأة، الطفل، الصحافة، المعلم، الأم، الأب وحقوق الإنسان… وهناك شهور للأفارقة الأميركيين، قدامى المحاربين، الأيرلنديين الأميركيين، اليهود الأميركيين، المثليين، المعوقين وذوي الأصول اللاتينية وغيرهم. وفي العادة يتلقف المعنيون هذه الأيام والشهور لطرح قضاياهم أو الاحتفاء بوجودهم أو التوعية ونشر المعلومات وإقامة النشاطات من الترفيه إلى الندوات وما بينهما، وإذا كانت هناك حاجة إلى ذلك في أميركا لمثل هذه الأيام فهي بلا شك لدى العرب الأميركيين الذين تعرضوا لأسوأ استهداف في تاريخهم بعد الهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن في 11 أيلول 2001، وهو ما تفاقم بشكل مريع في عهد ترامب العنصري.
هكذا ترى العين البصيرة، أما العين المجردة، للأسف، ترى أن اليد قصيرة، لا بل مختفية. باستثناء الخبر المنشور في هذه الصحيفة وفي بضعة مواقع إخبارية على الانترنت، وتصريحات لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، لشبكات وصفحات أميركية من قبل مسؤولين في مؤسسات عربية أميركية، لا شيء. مقارنة بما يجري على سبيل المثال في ديربورن وديترويت في مناسبات دينية ومذهبية وحتى احتفالاً بزيارة مسؤول محظوظ من الوطن الأم، لا شيء في المدينة وجوارها يوحي بأن أحداً يعرف بتخصيص الشهر للعرب، وحتى المتحف العربي الأميركي (المقفل حالياً بسبب «كوفيد–19») لم يشر إلى المناسبة على صفحته الرسمية ولم يقترح على متابعيه أية فكرة أو نشاط للمناسبة. (لن يمضي وقت طويل لنعرف فداحة خسارتنا باستقالة حسن جابر من رئاسة مركز «أكسس»). الملفت أن موقعاً الكترونياً أميركياً يعنى بالثقافة والتكنولوجيا (popsugar.com)* تجاوز مجرد ذكر الخبر إلى المشاركة في اليوم على طريقته وكتبت الزميلة مايا ريتشارد–كرايڤن مقالة بعنوان «خمسة طرق للاحتفال بشهر التراث العربي الأميركي» وجاء في اقتراحاتها بعد مقدمة تعريفية؛ التبرع لمؤسسة عربية أميركية، طبخ أو تحضير وجبة طعام عربية، التعلم عن تاريخ العرب، متابعة وسائل إعلام عربية أميركية (لتغيير الصور النمطية التي كرسها الإعلام الأميركي)، وقراءة أدبيات عربية أميركية تتحدث عن تجربة الجالية. مع كل اقتراح أوردت الكاتبة أسماء ومؤسسات ومداخلات تفيد في تطبيق هذه الاقتراحات، ونقلت عن محامية عربية أميركية شابة تشديدها على ضرورة التعرف على واقع المرأة العربية الأميركية التي تلعب دوراً ريادياً في مجتمعها لتغيير الصورة النمطية عن المرأة العربية المضطهدة فقط.
ما أحوجنا اليوم إلى مناسبات من هذا النوع، الأحرى، ما أحوجنا إلى من يهتم بمناسبات كهذه. فعدم الاهتمام وعدم التفاعل سيؤدي إلى إهمال الفكرة وضياع فرص كثيرة. نحن في حاجة إلى استعادة الهوية العربية الأميركية التي كانت ثمرة نضالات وجهود كثيرة قبل أن يطعنها الإرهاب «الإسلاموي» عام 2001، ويتركها فريسة لمؤسسات دينية عمل رجالها بلا كلل على تمزيقها على مناهل طائفية ومذهبية ومناطقية وإقليمية استتباعاً لما تنتجه بدائيات الدين والسياسة والفتنة في الوطن الأم. أما الهوية العربية الأميركية ومآلاتها فستكون موضوع مقالتي التي أشارك فيها باحتفائية نيسان.
*يمكن الاطلاع على مقال مايا ريتشارد–كرايڤن عبر زيارة الرابط التالي: bit.ly/3sZoxHH
Leave a Reply