طارق عبد الواحد – «صدى الوطن»
للعام الثاني على التوالي، يحتفل المسلمون الأميركيون في منطقة ديترويت بشهر رمضان المبارك وسط إجراءات العزل والتباعد الاجتماعي التي فرضتها الأوامر الحكومية والصحية خلال جائحة كورونا.
وعلى الرغم من أن القيود الحكومية لا تسري على دور العبادة والمراكز الدينية، المحمية بموجب الدستور الأميركي، إلا أن المسؤولين عن المؤسسات الإسلامية في المنطقة، آثروا التقيد بالإجراءات الوقائية المفروضة على سائر القطاعات، مثل ارتداء الكمامة والتباعد لمسافة ستة أقدام والحد من التجمعات في الأماكن المغلقة، خاصة مع تصاعد المخاوف من تداعيات الموجة الثالثة من الوباء التي تعصف بولاية ميشيغن حالياً.
وبينما يكتفي الكثيرون بالمعاني الروحانية والوجدانية للشهر الفضيل متجنبين –قدر الإمكان– المشاركة في المناسبات الجماعية مثل الصلوات وموائد الإفطار والسحور، لاحظت «صدى الوطن» مع بداية رمضان الحالي إقبالاً لافتاً على دور العبادة في مدينتي ديربورن وديربورن هايتس حيث فتحت جميع المساجد الرئيسية في المنطقة أبوابها لاستقبال المؤمنين لأداء الصلوات الخمس، وسط تقيد تام بقواعد التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات واستعمال المطهرات، فيما ألزمت بعض المراكز روادها بإحضار سجادة الصلاة معهم لأداء الصلوات، تفادياً لانتشار الفيروس.
صلاة التراويح
إمام «مسجد السلام»، الشيخ مجدي بدر، أشار إلى أن إدارة المركز فرضت على المصلين أن يحضروا سجاداتهم الخاصة، وأن يتباعدوا مسافة ستة أقدام، إضافة إلى تجنب الاختلاط مع بعضهم البعض بقدر الإمكان.
أما إمام «مسجد ديربورن» المعروف أيضاً باسم «مسجد ديكس»، الشيخ محمد الحداد، فقد أكد أن إدارة «الجمعية الأميركية الإسلامية» المشرفة على المسجد حظرت –لأول مرة– حضور الأطفال دون سن العاشرة لصلاة التروايح، بسبب صعوبة التحكم بحركتهم، واختلاطهم مع المصلين، داخل الجامع.
وقال الحداد: «من ناحية شرعية، نحن ملزمون بالحفاظ على سلامة الناس وصحتهم، ولهذا منعنا دخول الأطفال تحت سن العاشرة، كما حذرنا كبار السن، وخاصة أصحاب الأمراض المزمنة، من ارتياد المسجد، لمنع انتشار الفيروس»، لافتاً إلى أن الإدارة تفحص حرارة الداخلين إلى المبنى، وتمنع دخول الأشخاص ذوي الحرارة المرتفعة.
وأكد الحداد أن إدارة الجمعية وظفت –في الآونة الأخيرة– فتاتين في القسم المخصص للنساء، لضمان التزام المصليات بقيود التباعد الاجتماعي، والتأكد من عدم اصطحابهن للأطفال كما جرت العادة في الماضي، حيث تحرص نسبة كبيرة من العائلات على اصطحاب أطفالها إلى الأنشطة الرمضانية.
وأوضح الحداد أيضاً بأن الإدارة قررت تخفيض مدة صلاة التراويح إلى نصف ساعة تقريباً، مع أنها تزيد في الأحوال العادية عن ساعتين، وذلك لتفادي وجود مئات الأشخاص لوقت طويل داخل مكان مغلق. وقال: «في الأعوام السابقة، كنا نقرأ خلال صلاة التراويح جزءاً كاملاً من القرآن كل ليلة، وبنهاية شهر رمضان نكون قد ختمنا كتاب الله العزيز، ولكن بسبب الظروف الحالية، نكتفي بقراءة ما لا يزيد عن الخمس صفحات، كل ليلة».
ورغم الارتفاع الكبير بأعداد المصابين بفيروس كورونا في الآونة الأخيرة،إلا أن «صدى الوطن» رصدت حرص المئات على أداء صلاة التراويح في مساجد «السلام» و«ديربورن»، و«البقاع»، الذي فاض بالمصلين حتى اضطر بعضهم لإقامة الصلاة في الخارج.
وكانت جميع المساجد في منطقة ديترويت قد علقت نشاطاتها الاجتماعية، بما في ذلك إقامة الصلوات والموائد العامة في رمضان 2020 بسبب وباء كورونا الذي تسببب بشلل شبه تام للحياة العامة في ميشيغن في مثل هذا الوقت من العام الماضي.
الدروس الدينية
ومع أن جميع المراكز الدينية في منطقة الديربورنين قررت مواصلة بث المحاضرات والمواعظ عبر مواقعها الإلكترونية وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، للسنة الثانية على التوالي، إلا أن بعضها ارتأى –هذا العام– إقامة بعض الأنشطة الحضورية للتخفيف من وطأة العزلة على أبناء الجاليات الإسلامية، وتعويضهم ببعض الأجواء الرمضانية التي اعتادوا عليها.
وأوضح إمام «المركز الإسلامي بأميركا»، الشيخ إبراهيم كرزوني، أن الجامع الكبير على شارع فورد سيستمر في بث الدروس والمحاضرات الدينية عبر الإنترنت طوال الشهر الفضيل باللغتين العربية والإنكليزية، إضافة إلى بعض الأنشطة الحضورية اليومية، مثل تلاوة القرآن الكريم، ودعاء الافتتاح، والابتهالات الدينية.
وبدوره، أشار إمام «المجمع الثقافي الإسلامي»، الشيخ باقر بري، إلى أن المركز سيعقد «ندوات سؤال وجواب» حضورية ستقام في الهواء الطلق حول مواقد النار، أيام الجمعة والسبت والأحد.
ولفت إلى أن «لشهر رمضان معانيَ دينية سامية هي في المقام الأول لدينا، ولكنه ينطوي أيضاً على معانٍ اجتماعية تعمّق صلات القربى والمودة بين الناس، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين»، مضيفاً: «من هذا المنطلق، ارتأينا إقامة هذه الأنشطة لجذب الشباب وتوفير مكان آمن لهم لقضاء الوقت والإجابة على تساؤلاتهم الدينية والاجتماعية في ضوء التعاليم الإسلامية». وأردف بري أن «المجمع» سيحيي ليلة القدر في 19 و21 و23 رمضان، بخلاف العام الماضي، حيث تم إحياء ليلة القدر عبر الإنترنت.
وفي نفس الإطار، أكد الحداد أن «مسجد ديربورن» سيقيم أنشطة حضورية مقتضبة لتلاوة آيات القرآن الكريم يؤديها الأطفال الذين تخرجوا من الدورة الأخيرة لتحفيظ القرآن، لافتاً إلى أنه من المحتمل عقد بعض الأنشطة الأخرى «إذا اقتضت الحاجة ذلك».
وقال الحداد: «أحياناً، تدعونا الحاجة إلى إلقاء بعض المواعظ والإرشادات العاجلة، فنضطر إلى عقدها حضورياً، لأن بعض كبار السن ليس لديهم الخبرة الكافية للتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي».
الموائد الرمضانية
وفي هذا العام أيضاً، ستغيب موائد الإفطار والسحور عن جميع مساجد الديربورنين، مع الإشارة إلى أن معظمها دأب على توزيع سلال غذائية في رمضان الماضي بدلاً من إقامة الموائد الجماعية.
وأشار كرزوني إلى أن إدارة «المركز الإسلامي في أميركا» ناقشت استئناف إقامة الموائد الرمضانية لهذه السنة، ولكن النقاشات انتهت إلى الاستمرار في تعليقها، تفادياً للاختلاط الكثيف.
أما الحداد فشدد على أن «مسجد ديربورن» يمنع منعاً باتاً إدخال الأطعمة والأشربة إلى داخل المبنى، وقال: «إن الكثير من المصلين يفطرون داخل سياراتهم خارج المبنى، ثم يدخلون بعد ذلك لأداء صلاة المغرب».
وفي السياق، أوضح بري أن «جلسات سؤال وجواب حول مواقد النار» التي ستقام في حرم «المجمع الإسلامي» ستتضمن تقديم بعض المأكولات الخفيفة (سناك)، للتعويض عن أجواء الموائد التي تعرف في البلاد العربية والإسلامية بـ«موائد الرحمن». ولفت الشيخ بري إلى أهمية اجتذاب المسلمين الأميركيين، وخاصة جيل الشباب، إلى المراكز الإسلامية، لتحصينهم دينياً وأخلاقياً من الآفات الاجتماعية. وقال: «تعاليم ديننا الحنيف هي الحصن الحصين لحماية هؤلاء الشباب من مغريات الحياة العصرية التي تنطوي على الكثير من المشاكل.. التي لا يستطيع أولياء الأمور التعامل معها لأسباب عديدة، منها عدم إجادة اللغة الإنكليزية، أو تفهم الظروف الموضوعية في المجتمع الأميركي».
وإذا كانت شبكة الإنترنت قد حلت جزءاً يسيراً من مشكلة ارتياد المساجد، فتبقى المشكلة الأكبر على المستوى الاجتماعي، لاسيما وأن هذا العام سيشهد غياب «المهرجانات الرمضانية» التي ازدهرت خلال سنوات ما قبل الوباء، والتي اجتذبت آلاف الأشخاص في برامج فنية وترفيهية امتدت حتى ساعات السحور، ما أضفى أجواء ليلية خاصة على المنطقة ذات الكثافة العربية.
التبرعات والصدقات
أكد المسؤولون في المراكز الإسلامية التي زارتها «صدى الوطن»، بأنهم لن يقيموا أية فعاليات لجمع التبرعات والصدقات، منوهين بأن جمهور المؤمنين يتصدقون بوتيرة أعلى خلال الشهر الكريم.
وقال كرزوني إن «الجامع الكبير» لن يقيم أية فعالية هذه السنة، لافتاً إلى أن بعض الأشخاص يتبرعون بالأموال والأشياء العينية على مدار العام.
حملات صحية
وكان لافتاً قيام بعض المساجد بحملات توعية كثيفة لتجنيب العرب والمسلمين من الإصابة بفيروس كورونا، من خلال التأكيد على اتباع إجراءات التباعد الاجتماعي ونشر الملصقات التثقيفية وتوفير الكمامات والمطهرات.
إضافة إلى ذلك، شاركت بعض الجوامع، مثل مسجدي «ديربورن» و«السلام» و«المركز الإسلامي في أميركا» بحملات تطعيم ضد كورونا، بالتعاون مع جهات حكومية وصحية في مقاطعة وين.
وأشار الحداد إلى أنه تم تلقيح أكثر من 70 شخصاً خلال الأسبوع الماضي، وقال: «هذا الأسبوع، لدينا قائمة تضم أكثر من مئة شخص، وسوف يتم تطعيمهم جميعاً».
كذلك أكد بري أن «المجمع الإسلامي» يوفر خدمة اختبار كورونا على مدار الأسبوع، داعياً السكان إلى إجراء الاختبار وأخذ اللقاح لحماية أنفسهم وعائلاتهم وجيرانهم.
Leave a Reply