فاطمة الزين هاشم
هانحن نحيا أيّام الشهر الفضيل، أيّام شهر رمضان المبارك، مستمدّين من نفحاته العِبرَ العظيمة في مقاومة الذات على الجوع والعطش بالإضافة إلى العلوّ بالنفس عن كلّ مغريات الدنيا حيث التفرّغ للعبادة والدعاء ومساعدة الفقراء وتفقّد المحتاجين وصلة الأرحام وتبادل الزيارات مع من طال غيابهم ومقابلة الإساءة بالإحسان وقبول العذر ممّن أساؤوا إلينا.
إنه شهر الدعاء والاستجابة، ليس أكرم على الله في هذا الشهر من الدعاء، أمّا الصوم فهو ليس فقط المقاومة والصبر على الجوع والعطش وحرمان النفس من الطعام والشراب، إنما أيضاً في ردعها عن المعاصي وأذى الغير وظلم الناس لبعضهم البعض، وكذلك حفظ اللسان من لعنة الكذب والافتراء، إنه شهر الغفران من الذنوب والخطايا كما شهر البركة والخير وخلوة الروح مع الطاعة الإلهية، وأن نستلهم من معانيه ردم الفجوات بين بني البشر بالمودّة والرحمة والتراحم.
كم اشتقنا لسكينة الروح وانشراح الصدر وفرحة الأهل والأحباب بـ«اللمّة» قبيل مغيب الشمس منتظرين إعلاءَ الأذان إيذاناً بتناول طعام الإفطار والتوجّه لأداء صلاة المغرب جماعةً، بقلوبٍ راضية ملؤها الإيمان والتضرّع إلى الخالق العظيم بقبول الطاعات، وكم كانت فرحة الأطفال تغمر الأجواء من حوالينا فتزيل الهموم العالقة في الصدور لانبراء عفويتها وهم ينطلقون هازجين مكركرين بكل اتّجاه.
أين نحن اليوم في زمن كورونا من «العزومات» ودفء اللمّات العائلية حول مائدة الإفطار، والصلوات والتراويح الجماعية والسهرات الاجتماعية حول صينية الشاي وصحون الحلوى.
أين نحن من كل تلك الأجواء الرمضانية التي حافظنا عليها لعقود هنا في مغتربنا الأميركي، أليست تلك العادات والتقاليد جزءاً من هويّتنا؟ فلماذا ننأى عنها وهي التي تنطوي على جماليات حياتية ذات خصوصية جميلة من الممكن أن تترسخ كذاكرة جمعية لدى الجيل الجديد؟
من واجبنا ألا ندع الجائحة الصحية والحداثة الحياتية تفقدنا تقاليدنا وعاداتنا التي هي جزء من هويتنا، وألا نترك الجيل الجديد يبتعد عن قيمنا المتمثلة بالإلفة العائلية والاجتماعية.
لا تدعوا الأمهات يجلسن وحيدات إلى طاولة الإفطار بين الكراسي الخاوية.
وإذا كان وباء كورونا اللعين قد فرض على البشرية، التباعد الاجتماعي وجعل الناس تخشى بعضها خوفاً من انتقال العدوى، لكن هذا لا يجب أن يمنعنا من التئام الأسرة في هذا الشهر الفضيل شريطة الالتزام بتعليمات الوقاية من المرض.
أحبّائي، إنّ شهر رمضان الفضيل هو فرصة سانحة ليس لملء البطون بأنواع الطعام فحسب، وإنما لملء قلوبنا بتهاليل العبادات وطلب المغفرة والإكثار من قراءة الأدعية وسور القرآن الكريم والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى بطلب غفران الذنوب، اللهمّ ارزقنا خيرَ رمضان وبرّه وقيامه وصيامه ونصره واجعلنا عندك من المقبولين جميعاً وكل عام وأنتم تنعمون بخيرات رمضان ورضا ربّ العالمين.
Leave a Reply