وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
عشر سنوات مرت على المحنة السورية، شارك خلالها الكثير من الدول في الحرب على دمشق لكن الثالوث المؤلف من السعودية وتركيا وإسرائيل مثّل رأس حربة في مشروع إسقاط الدولة السورية أو على الأقل سلخها عن «محور الممانعة» الذي تشكل ركناً أساسياً منه.
تقف دمشق اليوم على عتبة الانتخابات الرئاسية التي تجرى وفقاً للدستور الذي أُقرّ عام 2012، وتعود لتتصدر أخبارها الإعلام الغربي على خلفية التقرير الأممي الذي اتهمها باستخدام السلاح الكيميائي –الذي رفضته دمشق جملة وتفصيلاً واعدته مزوراً– وفي ظل عودة «داعش» إلى الواجهة وتفعيل نشاطه في شرق البلاد، وبلوغ الضغط الاقتصادي ذروته من خلال الارتفاع القياسي في سعر صرف الدولار الأميركي أمام العملة الوطنية. هذه العوامل مجتمعة إنما سِيقت في هذا الوقت بالذات لغاية محددة، ويضعها المراقبون في خانة التشويش على الحدث الانتخابي الذي من المتوقع أن ينال فيه الرئيس الأسد أغلبية ساحقة كما حصل عام 2014.
الدول التي اجتمعت على قتال سوريا بهدف إسقاطها وإضعافها، لم تترك وسيلة إلا واستخدمتها في سبيل تحقيق هذا الهدف، فمن تغيير ديمغرافي في الشمال والشمال الشرقي، إلى الضغط الذي تمارسه قوات «قسد» الموالية للأميركيين على المدنيين بقطع الماء والكهرباء عنهم لتأليبهم ضد الدولة في مخالفة سافرة لكل القوانين والاتفاقيات الدولية التي تنصّ، بل تلزم، أطراف الصراع بضرورة تحييد المدنيين وعدم اسخدامهم ورقة ضغط. أما الأميركيون، فقد نهبوا ثروات سوريا ووضعوا أيديهم على حقول النفط والغاز ومنعوا وصولها للحكومة السورية، فضلاً عن سرقة محاصيل القمح والقطن ومنع وصولها إلى الدولة أيضاً، وصولاً إلى تغيير هوية المنطقة من خلال تغيير أسماء القرى والساحات والمدارس واستبدال المناهج السورية بمناهج كردية أو تركية، حتى وصل الأمر إلى افتتاح فروع لبعض الكليات التركية، وفرض التعامل بالليرة التركية وتهجير السكان الأصليين والاستيلاء على منازلهم ومنحها للمقاتلين الذي أتوا من دول شتى مثل أذربيجان وأفغانستان وأوزباكستان وطاجيكستان وغيرها.
موعد الانتخابات الرئاسية
الانتخابات الرئاسية الثانية التي تشهدها سوريا منذ بدء الحرب، حددها مجلس الشعب السوري بتاريخ 26 أيار (مايو) المقبل، مع فتح باب التصويت للسوريين المقيمين في الخارج في العشرين منه، وفق ما أعلن رئيس المجلس حمودة صباغ. وفُتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية اعتباراً من يوم الاثنين الماضي، ولمدة عشرة أيام، بينما أعلن الرئيس السوري بشار الأسد ترشحه –كما كان متوقعاً– وبلغ عدد الذين تقدموا بطلبات ترشحهم 12 مرشحاً حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
هذا ويجتمع المجلس للقيام بما يشبه دراسة طلبات الترشح المقدمة على قلتها، وعندما يحصل أي من المرشحين على تأييد 35 عضواً يصبح ترشيحه مقبولاً لانتخابات الرئاسة وفقاً للدستور الذي يفرض توافر شروط معينة في المرشح. وقد صرّحت أمينة سرّ مجلس الشعب، ميساء صالح، بأن مجلس الشعب سيبقى منعقداً على مدار الأيام العشرة المقبلة لاستقبال طلبات الترشُّح من المحكمة الدستورية العليا. ولاحقاً أعلن رئيس البرلمان السوري لوسائل الإعلام الحكومية، أن الرئيس الأسد، تقدم يوم الإثنين الماضي بطلب ترشحه.
الليرة السورية
من أبرز أوجه التدهور الاقتصادي الذي شهدته سوريا، كان انخفاض قيمة الليرة السورية أمام ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي، ما استتبع بالضرورة ارتفاعاً جنونياً في أسعار السلع الاستهلاكية، وزاد من حجم الضائقة المعيشية التي يرزح تحتها السوريون.
الأمر ليس جديداً، فالدولار الأميركي يواصل ارتفاعه منذ فترة طويلة والأمر بطبيعة الحال مرتبط بسلسلة الضغوط التي تمارس على هذا البلد لتركيعه وإخضاعه، لكن الجديد في الأمر هو ما اتخذته الحكومة السورية من إجراءات «جراحية» لعل أهمها عزل حاكم مصرف سوريا المركزي حازم قرفول ليشهد سعر الليرة –عقب إقالته واستبداله بنائبه– انخفاضاً قياسياً، كما عمدت الحكومة إلى تشكيل لجنة خاصة للإشراف على إدارة سعر الصرف.
وليس خافياً على أحد أن سبب ارتفاع وتيرة الضغط الاقتصادي في هذه المرحلة بالذات هو اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، ما يعني انعكاس هذه الضغوط في صندوق الانتخابات.
وامتصت الحكومة السورية الموقف وظهرت نتيجة عزل قرفول بسرعة، على شكل انخفاض في سعر صرف الدولار الأميركي أمام الليرة السورية، وهو ما أشاع جواً من الارتياح والأمل في صفوف المواطنين.
حظوظ الأسد
اختلفتَ معه أو اتفقت، الرئيس السوري بشار الأسد ذو شخصية متواضعة وقريب من شعبه، ولا يترك فرصة إلا ويستغلها للقائهم، سواء كانت سعيدة أم حزينة، فتجده يشاركهم فرحة تحرير المدن والأعياد الوطنية، إضافة إلى قيامه بجولات خاطفة على الأحياء والمناطق الفقيرة، رغم المحاذير الأمنية، يتنقل بينهم بلباسه «السبور» البسيط وحذائه الرياضي وغالباً ما يقود سيارته بنفسه. حتى عندما أصيب منذ عدة أسابيع بفيروس كورونا هو وزوجته تابع عمله بتفاصيله طيلة فترة الحجر الصحي هذا كله فضلا عن أن الرجل لم يغادر وطنه ويتخلى عن مسؤولياته، رغم أن روسيا وكما بات معلوماً، وقبل انخراطها الفعلي في الحرب، كانت قد عرضت عليه أكثر من مرة مغادرة البلاد وتوفير حياة كريمة له ولأسرته على أراضيها، لكنه طبعاً رفض مصراً على البقاء في دمشق، ليقود شعبه بنفسه إلى الانتصار على الإرهاب. وهنا لا يمكن إغفال دور زوجته أسماء، الحاضرة في الصورة إلى جانبه دائماً.
وعلى مدى عشر سنوات من الحرب، أحسن الرئيس الأسد نسج تحالفاته، بدءاً من الجار اللبناني «حزب الله» الذي شارك بكل ثقله في الحرب وكان المدافع الشرس الذي منع سقوط النظام من خلال مؤزارته الجيش السوري وخوض المعارك معه على كل الجبهات والمحاور خاصة في دمشق بعدما أطبقت عليها التنظيمات الإرهابية وكادت أن تسقطها، مروراً بالحليف القوي والاستراتيجي، إيران التي قدمت الدعم لدمشق على مختلف المستويات، ما عزز صمود سوريا وأعطاها المزيد من القدرة على هزم الإرهابيين، وصولاً إلى روسيا القوة العظمى التي غطت سوريا ودخلت المعركة إلى جانبها في اللحظة الحاسمة فدكت طائراتها معاقل الإرهابيين وقلبت موازين القوى على الأرض.
فاتورة الخيارات الاستراتيجية
تقام الانتخابات الرئاسية وفق الدستور السوري الحالي وسط تعثر المفاوضات حول اعتماد دستور جديد للبلاد في وقت تواصل فيه سوريا النهوض من تحت ركام الحرب والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، بينما تجري مفاوضات إقليمية ودولية في أكثر من اتجاه لإيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة.
وفيما لا يزال نحو ثلث أراضي الدولة خارج سيطرة دمشق، يعي الشعب السوري تماماً أن ما تعانيه البلاد من حصار وضغوط في مختلف المجالات سببه الأول والأخير خيارات سوريا الاستراتيجية وفي طليعتها الانتماء إلى محور المقاومة وعدم التخلي عن الحقوق العربية وعلى رأسها قضية العرب والمسلمين الأولى، فلسطين.
Leave a Reply