طيلة أسابيع، وقف العالم موقف المتفرج من قيام السلطات الإسرائيلية بإخلاء الأسر العربية من منازلهم في حي الشيخ جراح، والاعتداء على المصلين في المسجد الأقصى، ما أسفر عن إصابة واعتقال المئات في أعنف مواجهات في البلدة القديمة منذ سنوات طويلة.
لكن مع إعلان حركة «حماس» عن إطلاق عملية «سيف القدس» لنصرة أهالي المدينة المقدسة عبر قصف المدن المحتلة بالصواريخ، لم يعد بإمكان العالم تجاهل الأحداث المتسارعة في فلسطين، فيما كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد باشرت قصفاً جوياً وبحرياً وبرياً على قطاع غزة المحاصر، في أعنف عملية عسكرية يشنها الكيان الصهيوني منذ العام 2014، موقعة عشرات الشهداء ومئات الجرحى، معظمهم مدنيون من الأطفال والنساء.
بالتوازي مع هذه الأحداث، يشهد العديد من المدن المحتلة كاللد وحيفا ويافا، مواجهات أهلية عنيفة بين فلسطينيي الـ48 وبين الشرطة والمستوطنين اليهود، بينما تواصل قوات الاحتلال حشد جنودها واستدعاء الاحتياط تمهيداً لاجتياح قطاع غزة مما ينذر بوقوع مجازر جديدة قد لا تتوانى إسرائيل عن ارتكابها أمام أنظار العالم كله.
فقط، عندما قالت المقاومة الفلسطينية كلمتها وأوجعت إسرائيل، استفاقت الإدارة الأميركية من صمتها المريب، وصحا الرئيس الأميركي جو بايدن من غفوته، فتمخض اعترافاً بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، ضارباً بعرض الحائط تعهدات إدارته باستعادة دور أميركا الريادي في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يبدو أنها لا تشمل الفلسطينيين بأي حال من الأحوال وفق قاموس البيت الأبيض. كيف لا، وازدواجية المعايير هي ماركة مسجلة باسم واشنطن، خاصة عندما يتعلق الأمر بالكيان الصهيوني الغاصب؟
أما الأصوات الأميركية الرافضة للعدوان –مشكورة– فتبقى محدودة وخجولة إلى درجة الذوبان في ضجيج الأصوات المتزاحمة على دعم إسرائيل وعدوانها الوحشي على المدنيين العزّل، ودائماً تحت شعار الدفاع عن النفس.
كان لافتاً استنكار السناتور الديمقراطي بيرني ساندرز تأييد بلاده لحكومة بنيامين نتنياهو اليمينية، داعياً إدارة بايدن إلى «لعب دور تقريبي بين شعوب المنطقة». كما حثّ السناتور التقدمي، الرئيس الديمقراطي على اختيار سفير أميركي جديد لدى تل أبيب، لتمثيل الولايات المتحدة «بطريقة عادلة»، وأن يتمتع بالقدرة على التعامل مع الفلسطينيين، وليس الإسرائيليين فقط، كما هو الحال مع السفير الحالي ديفيد فريدمان الذي عينه الرئيس السابق دونالد ترامب.
كذلك، كانت لافتة مواقف النائبات التقدميات في الكونغرس، رشيدة طليب (ميشيغن) وألكساندريا أوكاسيو كورتيز (نيويورك) وإلهان عمر بدفاعهن عن حقوق الشعب الفلسطيني وإدانة الاعتداءات الإسرائيلية.
لكن فيما بقيت السناتور الديمقراطية عن ولاية ميشيغن في مجلس الشيوخ الأميركي، ديبي ستابينو، صامتة صمت القبور، انبرى زميلها السناتور غاري بيترز للدفاع بضراوة عن إسرائيل، وقال في منشور على صفحته الشخصية بموقع «فيسبوك»: «أنا متوجس من ارتفاع العنف في القدس، وإطلاق «حماس» لمئات الصواريخ على المدنيين (الإسرائيليين) هو عمل غير مقبول إطلاقاً»، مضيفاً أن لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها ضد ما أسماها بـ«الصواريخ الإرهابية».
لم يكلف بيترز نفسه عناء ذرف دموع التماسيح، حين قال: «يجب على كل الأطراف أن تتخذ الخطوات المناسبة لتخفيض التصعيد»، ولم يدرك أن دعمه السياسي الواضح للدولة العبرية لا يساهم في تهدئة الأجواء، وإنما يزيد في غطرسة إسرائيل وحقدها على الفلسطينيين.
ربما لا يعرف بيترز أن منشوره آنف الذكر، يشكل إهانة لمجتمعنا العربي الذي انتخبه بنسبة فاقت 70 بالمئة في انتخابات 2020، ليفوز بفارق ضئيل على منافسه الجمهوري جون جميس، كما أنه على الأرجح لا يدرك أن تأييده للكيان الغاصب يشكل –في الوقت ذاته– إهانة كبرى للحقائق التاريخية ولمبادئ حقوق الإنسان.
لقد وجّه ناشر «صدى الوطن»، الزميل أسامة السبلاني، رسالة للسناتور بيترز، لتصحيح المغالطات الفلكلورية لدى الكثير من المسؤولين الأميركيين، مذكراً بأن «صواريخ حماس لم تقتل أكثر من الصواريخ الإسرائيلية، الأميركية الصنع».
وسأل السبلاني، بيترز قائلاً: «بما أنك أعطيت إسرائيل المحتلة والمعتدية حق الدفاع عن نفسها، فهل تؤمن بأن الفلسطينيين لديهم الحق نفسه، أم لا؟».
وبانتظار جواب السناتور، لا بد من الإشارة إلى أمر آخر، فضحته التطورات الأخيرة في فلسطين المحتلة، وهو أكذوبة التطبيع مع الكيان الغاصب، والتي اكتسبت زخماً وهمياً إبان حكم ترامب، بالتحاق الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بقطار «الاستسلام» لسلطان الدولة العبرية.
بل إن معظم الدول العربية الجريحة التي أصابها ما يشبه الشلل في أعقاب ما سمّي بـ«الربيع العربي»، تقف هي الأخرى موقف المتفرج حيال ما يجري في «أول الحرمين». وفي أفضل الأحوال يبادر بعضها –من باب حفظ ماء الوجه– إلى إدانة الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وهي أول العارفين بأن بيانات الشجب تلك، لا تغني ولا تسمن من جوع، فضلاً عن أنها باتت مثاراً للسخرية والتهكم لدى الشعب العربي من المحيط إلى الخليج.
ما يجري في فلسطين اليوم، يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن الفلسطينيين هم أصحاب القضية الأساسيون، وهم أحق الناس بتقرير مصيرهم، وقد أثبتوا للعالم مجدداً بأن ضغوط الدول العربية والغربية لإذلالهم وتركيعهم.. مآلها الفشل المحتوم.
كلما مرّ الزمان، كشف عن صدق تلك المقولة، الذائعة الصيت: «لا يضيع حق وراءه مطالب»!
«صدى الوطن»
Leave a Reply