بالأمس سقطرى .. واليوم ميون
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن قيام دولة الإمارات ببناء قاعدة عسكرية لها في جزيرة ميون اليمنية، ما وضع أبوظبي في دائرة الانتقاد الشديد، حتى من قبل أولئك المحسوبين على التحالف الذي تقوده السعودية.
وقد نقلت وسائل إعلام غربية أن سفارة الإمارات في واشنطن ومسؤولين إماراتيين في أبوظبي لم يردوا على استفساراتها حول الموضوع ولم يعلّقوا حتى على الخبر، مشيرة إلى أن الفتور الناشئ في العلاقة بين الإمارات والرئيس عبد ربه منصور هادي، مردّه في جزء منه إلى رفض الأخير طلب أبوظبي منه التوقيع على اتفاقية لتأجير جزيرة ميون لمدة 20 عاماً.
أصوات يمنية كثيرة ارتفعت غاضبة مطالبة الإمارات بتغيير سلوكها، من بينها عضو مجلس الشورى اليمني –صلاح باتيس– التابع لحكومة هادي، الذي أكد وجود شواهد واضحة على سيطرة الإمارات على بعض القواعد في الجزر اليمنية، وأن على الرئاسة اليمنية إرسال مسؤولين إلى المواقع للتحقق مما يحدث، داعياً الرياض إلى تصحيح مسار الإمارات في اليمن، بالنظر إلى تجاوزاتها الكثيرة من دون التنسيق معها، متوقفاً عند مخالفاتها الواضحة في دعم المليشيات والتمرد في عدن وسقطرى، ومحاولاتها المشبوهة في حضرموت وبعض السواحل اليمنية، بحسب تعبير باتيس.
أما نائب رئيس مجلس النواب ومستشار هادي، عبد العزيز جباري، فقال إن الشرعية اليمنية أصبحت رهينة في أيدي السعودية والإمارات، ونقول لهم: «سلموا لنا مؤسساتنا وغادروا بلادنا مع الشكر».
رواد وسائل التواصل الاجتماعي أطلقوا حملة اعتراض واسعة أيضاً ضد ما اعتبروه مزيداً من الاعتداء على سيادة بلدهم واستقلاله تحت أكثر من وسم بينها #ميون تُغتصب و#اخرجو_القوات_الاجنبيه_باليمن.
باب المندب
وسط صمت الإمارات ذكرت تقارير إخبارية في معرض تأكيد الأمر، أن أبوظبي التي تملك قاعدة عسكرية في إريتريا تحت اسم «قاعدة عصب» قامت بتفكيك منشآتها فيها مع عدد كبير من الآليات العسكرية وبعض الطائرات إضافة إلى منظومة «باتريوت» الدفاعية ونقلتها إلى جزيرة ميون اليمنية.
الجدير ذكره أن مهبط الطائرات في جزيرة ميون سيتيح السيطرة العسكرية التامة على باب المندب، كذلك سيسمح بتحديد الأهداف بدقة أعلى داخل الأراضي اليمنية وبشن عمليات في البحر الأحمر، وخليج عدن ومنطقة شرقي أفريقيا القريبة. وقد أظهرت صور الأقمار الاصطناعية الانتهاء من أشغال المدرج.
موقع «جاينز» البريطاني، المتخصص في الشؤون العسكرية، أكد الأمر أيضاً، لافتاً إلى أن أبوظبي إنما تفعل ذلك لإحكام السيطرة على المنفذ الاستراتيجي «باب المندب» ولتفعيل عملياتها في جنوب اليمن المضطرب. خبر بناء القاعدة أوردته أيضاً مجلة «نيوزويك» الأميركية.
مصادر يمنية أشارت إلى أن العديد من السفن المحملة بالإسمنت والحديد الصلب وصلت في الأيام الماضية إلى الجزيرة اليمنية الاستراتيجية.
ولفتت إلى قيام القوات الإماراتية بمنع السكان من الوصول إلى مكان الإنشاءات، كذلك جرى الحديث عن الاستعانة بضباط إسرائيليين، وعن بناء مواقع محصنة وإنشاء أنظمة متطورة للرصد والمراقبة، لرصد الملاحة بحراً وجواً في المنطقة، وأن هذه الأنظمة متطورة جداً، وقادرة على رصد أهداف على بعد مئات الكيلومترات.
جزيرة ميون
الإمارات كانت ولا تزال رأس حربة في قوى التحالف التي تشن الحرب على اليمن منذ أكثر من عشر سنوات، علماً بأنها حاولت منذ عامين، أي عام 2019، إيهام العالم بأنها انسحبت من ذلك التحالف، لكنها في واقع الأمر لم تفعل، بل أحكمت سيطرتها على جزيرة سقطرى، وها هي اليوم تعاود الكرّة في جزيرة ميون الاستراتيجية من خلال بناء القاعدة العسكرية فيها.
إذاً، تسعى الإمارات اليوم –وربما استطاعت– إلى وضع يدها على جزيرة ميون، كما فعلت سابقاً في جزيرة سقطرى والتي تقع مقابل سواحل اليمن الجنوبية.
وتجدر الإشارة إلى أن سقطرى تقع ضمن مجموعة جزر في أرخبيل يحمل الاسم نفسه، يتكون من ست جزر، وهو ذو موقع استراتيجي في المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الأفريقي وقرب خليج عدن، أما جزيرة ميون فهي جزيرة بركانية، تقع في قلب مضيق باب المندب، وتربط بين البحر الأحمر وبين بحر العرب والمحيط الهندي، كما تربط بين الشرق والغرب، وهي تتبع إدارياً لمديرية المعلا في محافظة عدن، وانتخابياً لمحافظة تعز، وتقع عند مدخل مضيق باب المندب، وتبلغ مساحتها 13 كم مربع وفيها ميناء طبيعي في الطرف الجنوبي الغربي. وكان البريطانيون قد احتلوها مع احتلالهم لعدن في القرن التاسع عشر، وكان يطلق عليها عالمياً جزيرة «بريم».
وتكتسب ميون أهمية استراتيجية أيضاً من كونها محمية بالجبال، وتربط بين قناة السويس ومضيق هرمز. وبالتالي فإن أي تهديد ينطلق من المضيق وجزيرة ميون، يهدد المصالح القومية ليس لليمن فقط، بل لمصر ودول الخليج والقرن الأفريقي، فضلاً عن تهديد التجارة العالمية.
وتعد جزيرة ميون، التي لا يتجاوز عدد سكانها ثلاثمئة وخمسين نسمة، مفتاح باب المندب، وبقدر ما هي جزيرة اقتصادية، تعد أيضاً موقعاً عسكرياً لحماية المحيط.
الأهمية الاقتصادية للجزيرة بدأت فعلياً بعد فتح قناة السويس. وكل منهما تستمد أهميتها حالياً من الأخرى إلى جانب مضيق هرمز.
وبالنظر إلى أن مضيق باب المندب يفصل خليج عدن عن المحيط الهندي، فإن له تأثيراً كبيراً على التجارة العالمية، حيث تمر عبره نحو 25 ألف سفينة سنوياً، ونحو 4 ملايين برميل من النفط يومياً، ومنه تمر البواخر في طريقها إلى أوروبا، وله حدود بحرية مشتركة مع كل من اليمن وأريتريا وجيبوتي. ولكن، وبحكم الجغرافيا، فإن اليمن لديه أفضلية استراتيجية في السيطرة على المضيق لامتلاكه جزيرة ميون أو «بريم» سابقاً.
إذ أن مرور ما يعادل 40 بالمئة من النشاط الملاحي البحري العالمي عبر هذا المضيق، يدفع القوى الكبرى الدولية منها والإقليمية إلى الحفاظ على موطئ قدم لها بالقرب منه أو على الأقل في محيطه، في محاولة منها للإمساك بالأرض، ما يتيح لها الحفاظ على مصالحها، ومنع تهديدها من قبل دول أخرى، هذا إن لم يكن ذلك رغبة منها في تقييد مصالح الدول الأخرى المناوئة لها ولي ذراعها من خلال التحكم في مضيق باب المندب وغيره من المنافذ الاستراتيجية الحيوية.
لمصلحة من؟
الإمارات بحجمها وقدراتها المحدودة، يجمع المراقبون على عدم امتلاكها مشروعاً خاصاً بها أو مخططاً تسير وفقاً له، كل ما في الأمر أن هذه الدولة التي قادت في الآونة الأخيرة مسيرة التطبيع مع إسرائيل، وتبالغ في إظهار احتفائها بتحالفها الجديد مع خصم العرب الأول، وكأنما تريد أن تعبر عن فرط ندامتها لتأخرها في إبرام هذا التحالف، تكمل سيرها اليوم في الخط نفسه، محاولة بشتى الطرق إثبات حسن نياتها وانصياعها الكامل للولايات المتحدة، التي لا يرضيها سوى ما يرضي إسرائيل، وما إنشاء القاعدة العسكرية في جزيرة ميون الاستراتيجية سوى حلقة في سلسلة متواصلة من الإملاءات التي تنفذها أبوظبي خدمة لمصالح واشنطن وتل أبيب للسيطرة على الجزر الاستراتيجية اليمنية، وللتحكم من خلالها في المنافذ الدولية وعلى رأسها باب المندب.
Leave a Reply