شعر: فراس عبد الرزاق السودانيّ
يا ربَّ ذا الأقصى وربَّ المسجِدَينْ،
ما آنَ نصرُكَ للأُولى
هبُّوا سِراعاً كالدَّبى
كُرْمَى لأولى القِبلتَين؟!
للموضعِ الصَّلّى بهِ..
مَن أمَّ جمعَ الأنبيا طُرّاً، بليلٍ ساحرٍ،
باهى طِباق النيّرَينْ..
ما آنَ نصرُكْ؟!
ولصخرةٍ باهَت فجاجَ الأرضِ
مِيعاداً،
ومِعراجاً سَماويّاً،
وباباً يشرب الأنوارَ
طُوفاناً تفجّرَ من جنابٍ، زادَ فيه بركعتَينْ..
ما آنَ نصرُكْ؟!
يا ربَّ ذا الأقصى وإبراهامَ يُنجز وعدهُ،
ليودّع الأرض التي شرُفت بهِ،
ويوسّد الخدَّ الكريمَ بجوف كهفٍ في الخليلِ،
بحضن «مَكفيلا»،
بظلّ منارتَينْ..
ما آنَ نصرُكْ؟!
يا ربَّ الأقصى، ربَّ عيسى،
والتي حَمَلتهُ، تأتي أهلَها..
وهناً، وضعفاً، وانكساراً، واختباراً،
لا اختيارٌ فيه،
والبَلوى على أذيالها شَرَرٌ لأوّل مُقلتَينْ
ما آنَ نصرُكْ؟!
فأجَرْتَها،
وهي التي في ذُلّها..
لاقَت من البَلوى على آلامها،
لاقَت من البلوى.. اثنتَينْ
ونصرتَهُ؛ إذ صُنتها من كَيدهم
ونصرتَها أن كلَّم الموتى يردُّ مِن الفِرى في مهدهِ،
وخذلتَ مَن لاذوا بشرِّ الفِرقتَينْ
ما آنَ نصرُكْ؟!
يا ربَّ موسى، ربَّ مَن وافاكَ للأجلِ الذي..
دُكّت له شُمُّ الجبالِ،
وخرَّ فيه مُعفَّراً مِن سَوْرَة الأنوارِ..
ضَجّت في سِماك الخافقَينْ
ما آنَ نصرُكْ؟!
يا ربَّ أحمدَ، سيّدِ الأكوانِ..
مَن دانت له الأملاكُ، والأفلاكُ، والمُلّاكُ، والفُتّاكُ،
والعادونَ، والباغونَ، والساهونَ..
في لُجج الضّلالِ
يا ربَّ أحمدَ، ربَّ مَن أصفيتَه للحقِّ..
بالآياتِ، والرّحماتِ، والأوقاتِ،
ربَّ شفاعةٍ عُظمى..
تقاصرَ عن سُموّ مقامها كلُّ الخلائقِ
وهْو يصرخُ يومها: «فأنا لها!» والكلّ جاثٍ حولهُ،
مَن ما خَلَقتَ كمثلِهِ في العالـَمَين؟!
ما آنَ نصرُكْ؟!
يا ربَّ ذا الأقصى، وربَّ مدينة الزّيتونِ..
ها هُم هاجروا مِن كلّ حَدبٍ ينسلونَ إلى ربوعكْ،
وتلبَّدوا في أرضك الباركتَ دوماً حولَها،
وطغوا على أحلاسِها،
وعلا بها مِن بَغيهم ما زادَ عن حدٍّ وطمّ مُعاجزاً،
يا ربَّ ذا الأقصى، وربَّ القَريتَينْ..
ما آنَ نصرُكْ؟!
لكنّما..
إن ظنَّه غيري بعيداً، فالذي..
شامتهُ عينُ الحقّ بين أضالعِي،
وشممتُ عِطر الطَّلِ ممزوجاً بتُرب هضابهِ،
ولمحتُ سِحر الضوء في آفاقهِ،
والبرقُ يسحبُ ذيلَهُ، وبإثره رعدٌ تمادَى رجعُهُ،
ما بين مغربِ شَمسها والمشرقَينْ
أنَّ الذي قد طال فينا صبرُهُ يأتي بيومٍ ماطرٍ،
ينسابُ من قطراته سَيبٌ يَخُدُّ حجارةَ السُّور العتيقِ،
ليكتُب الأملَ الجديد بموعدٍ..
يأبى خيارَ الدّولتَينْ
ويفيضُ في جَنَباتها لحناً يُشنّف مُرهف الأسماع، والأوجاعِ،
والآمال، والآجالِ،
والآلام، والأحلام، والأوهامِ في ملكوتهِ،
ويبارك الأفواه من طُهرٍ تحدَّرَ من عَلٍ،
كالوحي حين تنزَّلت آياتُهُ،
وتصاعدَت من ثغر مَن حمل الرسالة للورى أنّاتُهُ،
والقُرب ناجِزةُ اليدَينْ
ويضوع في الأرجاء ذاك اللحن، شاعَ بنغمةٍ..
تُطري الجحافلَ أنّهُ:
قد آنَ نصركْ،
قد حانَ نصرُكَ، يا رهينَ الغُربتَينْ!
Leave a Reply