ديربورن
رفضاً لإثارة النعرات المذهبية في أوساط الجالية المسلمة في منطقة ديربورن، سارع عدد من المسؤولين والنشطاء العرب الأميركيين إلى نزع فتيل التوتر الطائفي على خلفية دعوات لمقاطعة مقهى عربي كان صاحبه قد أدلى بتصريحات مهينة للمسلمين الشيعة قبل عدة سنوات.
وكان متصفحون لوسائل التواصل الاجتماعي قد أطلقوا حملة مقاطعة لمقهى «حراز» الذي اُفتتح أوائل نيسان (أبريل) الماضي على شارع ميشيغن أفنيو في شرق ديربورن، عقب ظهور تعليقات ومنشورات إلكترونية قديمة لأحد أصحاب المقهى، حمزة ناصر، تضمنت إساءات لعقائد الشيعة وطقوسهم الدينية.
وسارعت شخصيات وقوى مجتمعية، وكذلك مسؤولون رسميون ومنتخبون من أصول عربية، إلى تنفيذ «وقفة وحدوية» لدعم المقهى، الأحد الماضي، بعد اعتذار صاحبه اليمني الأصل عن المنشورات المسيئة، مؤكداً أنه لا يحمل أية ضغينة للمسلمين الشيعة.
الوحدة أولاً
وكان في مقدمة المشاركين في الفعالية التي أقيمت أمام مقهى «حراز»، تحت اسم «وقفة من أجل الوحدة»، ناشر «صدى الوطن» الزميل أسامة السبلاني، والنائب العربي في مجلس ميشيغن التشريعي عبد الله حمود، ورئيسة مجلس ديربورن البلدي سوزان دباجة، والقاضي في محكمة ديربورن سالم سلامة، والقاضي في محكمة مقاطعة وين خضر فرحات، وعضو مجلس مفوضي مقاطعة وين سام بيضون، ورئيس موظفي مقاطعة وين أسعد طرفة، إلى جانب مسؤولين ومرشحين آخرين وعشرات الناشطين البارزين في الجاليات اليمنية واللبنانية والفلسطينية والعراقية.
وأشار السبلاني –في كلمة مقتضبة– إلى أن قيادات الجالية العربية بادرت إلى «إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، لتفادي الانقسام والشرذمة»، وقال: «نعم، لقد حصل خطأ، ولكن يجب علينا –كجالية– أن نتجاوزه، لأننا نمتلك الكثير من الأهداف المشتركة التي لا نستطيع تحقيقها ونحن متفرقون»، مضيفاً: «الاختلاف يمكن أن يكون مصدر إثراء وتنوع وقوة لجاليتنا، ولكننا لن نسمح للتطرف أن يدوس على أعناقنا».
وحيى السبلاني الجهود التي نجحت بـ«لملمة المشكلة»، قبل تفاقمها، وقال: «إن وقفتنا هنا أصبحت رمزاً للوحدة، لأننا لن نتسامح مع أية دعوات تهدد الأعمال التجارية العربية، كما أننا لن نسمح أيضاً للأصوات العنصرية والطائفية أن تنجح بتفريقنا وتقسيمنا».
من جانبه، نوّه الناشط اليمني خالد الشاجرة بنضالات العرب الأميركيين على مرّ العقود السابقة، في منطقة ديربورن وفي ولاية ميشيغن عموماً. وقال: «نقف اليوم، قريباً من مقر بلدية ديربورن القديم، ونتذكر جهود الرعيل الأول من مهاجرينا الذين ناضلوا من أجل حقوقنا ومصالحنا، بدون أية خلفيات دينية أو مذهبية أو انتماءات محلية».
وأضاف: «كما أننا نقف على مقربة من المقر الأول لصحيفة «صدى الوطن»، لنقول لمن يشكك بوحدة مجتمعنا العربي.. أنت مخطئ»، منوهاً بأن فعالية «وقفة من أجل الوحدة»، هي بمثابة «شهادة» للمسؤولين والمرشحين للمناصب العامة، بأن ديربورن «موحدة».
وأوضح القاضي في «المحكمة 19»، سالم سلامة، بأن هدف الفعالية هو إبراق رسالة مفادها بأن العرب الأميركيين لن يتسامحوا مع استيراد الانقسامات الدينية والمذهبية إلى مجتمعاتهم المهاجرة في الولايات المتحدة، لافتاً إلى أن الأجندات التي تراهن على تمزيق الجالية العربية من أجل تحقيق بعض المصالح الضيقة، لن يكون لها مكان في أوساط العرب الأميركيين بمنطقة ديربورن.
وختم سلامة كلمته قائلاً: «نجتمع اليوم –هنا– لنقول بوضوح إننا في مركب واحد، فإما أن ننجو جميعاً أو نغرق جميعاً، لذلك لا تكونوا –رجاءً– صدى للانقسامات في أوطاننا الأم».
اعتذار حار
وكان صاحب مقهى «حراز»، حمزة ناصر، قد نشر على موقع «فيسبوك» اعتذاراً حاراً عن تعليقاته السابقة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي يعود بعضها إلى عام 2016، لافتاً إلى أن الهدف من إعادة نبش تلك التعليقات هو الإساءة لعمله التجاري.
وجاء في بيان الاعتذار، الذي نُشر في 10 حزيران (يونيو) الماضي: «لقد ظهرت منشوراتي السابقة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكشفت عن جهل وقلة حساسية من جميع النواحي»، مضيفاً: «كما تضمنت تعليقاتي تصريحات وتغريدات أدليت بها منذ سنوات عديدة، كان بينها عبارات متعصبة ضد إخواني في المجتمع الشيعي. ببساطة، كانت تلك المنشورات خاطئة، ومهينة، وغير محترمة، وكارهة، وتستحق الإدانة تماماً، لذلك أنا آسف جداً».
وتابع البيان: «إنني أتحمل كامل المسؤولية عن أقوالي وأفعالي السابقة، وأؤكد أنها صادرة عن شخص مختلف عما أنا عليه اليوم، مع ذلك، وبالإضافة إلى الاعتذار، فأنا مستعد –كفرد وكعضو في المجتمع– لاستغلال هذه اللحظة لإصلاح الخلل وتقوية الروابط داخل مجتمعنا.. وآمل أن استعيد ثقتكم بمرور الوقت، لأنني أتفهم الألم والأذى الذي سببته تلك التعليقات».
وكان ناصر قد سخر في أحد منشوراته السابقة من مسيرة عاشورائية بمدينة ديربورن عام 2016، حيث كتب معلقاً على صفحته بموقع «إنستغرام»: «مرة أخرى، إنه ذلك الوقت من كل عام. لول (كثير من الضحك)».
وفي منشور آخر، عرّض ناصر بالإمام المنتظر (المهدي)، مورداً إحدى الروايات التي تقول بأنه سيظهر في آخر الزمان حتى «يقتل جميع العرب».
وفي منشور ثالث، على موقع «تويتر» في عام 2018، أنحى ناصر باللوم على المهاجرين الجدد إلى مدينة ديربورن، وحمّلهم مسؤولية ارتفاع أسعار العقارات، وأضاف لمنشوره رابطاً إلكترونياً لمقال على شبكة «سي أن أن» حول تصريح للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بشأن عدم رغبته باستقبال مهاجرين من «البلدان القذرة».
وكان متصفحون لمواقع التواصل الاجتماعي، قد أعادوا نشر هذه التعليقات خلال الأسابيع الماضية، ما أدى إلى موجة من الغضب والاستفزاز على حسابات إلكترونية بمواقع «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام» و«تيك توك»، وصلت إلى حد التهديد بالقتل.
وأوضح ناصر أنه كان خائفاً بسبب التهديدات التي وصلته عبر وسائل التواصل وعبر المكالمات الهاتفية، وقال: «كان الناس يتصلون بنا عبر الهاتف ويهددوننا، كما وصلتنا رسائل عبر وسائل التواصل، وقد قمنا بتقديم تقارير إلى الشرطة، تضمنت رسائل التهديد التي قالت إحداها: سنطلق رصاصة على رأسك».
كما أظهر مقطع مصور، نشر على موقع «تيك توك»، وصول سيارة شرطة إلى مقهى «حراز»، وظهر فيه بعض الأشخاص المتظاهرين، وهم ينددون بغضب بتعليقات صاحب المقهى.
وفيما أوصلت الوقفة التضامنية مع المقهى رسالة واضحة برفض الفتنة واستغلال الطائفية لأغراض سياسية أو تجارية، أصر بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي على مواصلة حملة المقاطعة.
وقال أحد سكان ديربورن، «لقد كانت تلك التعليقات مخيبة لآمال المجتمع المسلم بأسره، لقد اعتذر صاحب المقهى، ولكن الأمر متروك للمجتمع الشيعي بشأن قبول الاعتذار أو رفضه».
وعلقت إحدى الداعيات إلى مقاطعة مقهى «حراز»، بالقول: «يمكنك مسح مشاركاتك وتعليقاتك كما تريد (من مواقع التواصل)، لكن ليس بإمكانك محو ذاكرتنا».
وفي تصريح لاحق لصحيفة «ديترويت فري برس»، أكد ناصر أن منشوراته لم تكن بقصد السخرية أو إهانة المسلمين الشيعة، وإنما كانت «جزءاً من نقاش عام مع أشخاص يعرفهم»، مشدداً على أنها «لم تكن تعبيراً عن كراهية على الإطلاق».
وأوضح ناصر قائلاً: «كانت تعليقات على نقاشات دارت قبل سنوات بيني وبين أصدقائي، وهم من الشيعة، لقد اعتدنا أن نقيم مثل هذه النقاشات.. ولم نكن نحمل الكراهية لبعضنا البعض»، منوهاً بأن «أصدقاءه الشيعة» كانوا أول من انبرى إلى الدفاع عنه، «لأنني لست من النوع الذي يكره أي أحد»، حسب تعبيره.
وأبدى ناصر شكوكه بدوافع المحرضين على مقاطعة مقهاه، وقال: «أن يعود شخص ما خمس سنوات إلى الوراء ويلتقط مجموعة من الحوارات بيني وبين أصدقائي.. فهذا الشخص، أياً كان، يستهدف عملي التجاري بالتحديد».
Leave a Reply