وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
عندما أبرم الإماراتيون اتفاقية التطبيع مع إسرائيل تفاخروا برعاية الضمانات الأميركية لتلك الاتفاقية، متناسين أن الضمانات نفسها كانت تشمل أيضاً «اتفاق أوسلو» الذي أصابه ما أصابه من تعثرات لا تُعد ولا تُحصى. بل إن الضمانات الأميركية المزعومة كانت تشمل أيضاً الاتفاق النووي الذي ألغاه ترامب بجرّة قلم.
سَوق الإمارات إلى حظيرة التطبيع، يأتي في إطار سعي واشنطن لتأسيس نادي الدول المعادية لإيران في الإقليم، والذي تشكل دول الخليج نواته بذريعة مواجهة «الخطر الإيراني المحدق بالمنطقة»، فيما تشكل إيران نفسها الهاجس الأكبر والخطر الحقيقي على إسرائيل، وهو ما يجعل دولة الاحتلال المستفيد الأكبر من اتفاقيات التطبيع مع تلك الدول لما تمثله بالنسبة إليها من طوق أمان وموطئ قدم على حدود «العدو الإيراني».
أما الهدف الإماراتي الأولي أو الظاهر، بحسب مراقبين، فيتلخص بتثبيت قدمي محمد بن زايد في الحكم من خلال نيل الرضى الأميركي، وبالتالي الحصول على امتيازات إضافية مثل صفقات الأسلحة المتطورة التي كانت تُعرقل أحياناً من قبل أنصار إسرائيل في الداخل الأميركي.
وإذا تعمقنا أكثر في الأسباب والدوافع، يلوح في الأفق التخوف الإماراتي الدائم من الجار الأكبر، السعودية، لاسيما في ظل وصول ولي العهد محمد بن سلمان ذي الأفكار المتهورة والفوقية إلى سدة الحكم، والذي لا يقبل بوجود شقيق خليجي طموح أو جار قوي. هذا في الظاهر أما في ما خفي، فإن خطوة أبوظبي ربما تكون أساساً لإجراء تغيير جذري في الجغرافيا السياسية لمنطقة الخليج.
ولكي تبرر فعلتها الشنيعة يومذاك، أعلنت أبوظبي أنها اتفقت مع إسرائيل على إيقاف خطة الضم التي كانت تنوي تل أبيب السير فيها، لكن رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو قد تراجع عن فكرة الضم وقتذاك، تحت وطأة الضغط الدولي الشديد، فكان أن قدم له الإماراتيون مخرجاً لائقاً جنّبه الوقوع في حرج التراجع المجاني من خلال اتفاقية التطبيع.
أسباب وأثمان مرجوّة
معظم تحليلات المراقبين للانبطاح الإماراتي أمام إسرائيل بإسفاف مبالغ فيه، تعزوه إلى التطورات السياسية والتوترات المستمرة التي تشهدها منطقة الخليج العربي من حين لآخر، وتصاعد المد الإيراني وإلى فرض نفسها كقوة إقليمية كبرى رغم ما تعانيه من حصار أميركي خانق. وهما سببان قد يدفعان إلى المزيد من التطبيع ليس بين أبوظبي وحدها وتل أبيب بل بين عواصم خليجية وعربية أخرى.
يؤكد وجهة النظر هذه، مارتن إينديك، المتخصص في العلاقات الدولية، فيشير إلى أن «الخطر الإيراني على دول الخليج هو ما دفعها إلى تطوير حس بالمصلحة المشتركة مع إسرائيل، ما أدى بالتالي إلى تطوير العديد من أشكال التعاون غير الرسمي بين الطرفين، إضافة إلى أن دول الخليج حليف قوي للولايات المتحدة الأميركية راعية السياسة الإسرائيلية في المنطقة».
التطبيع ليس جديداً
جسور العلاقات بين الدول لا تُمد بين ليلة وضحاها، ولم يكن 15 أيلول (سبتمبر) 2020 بداية مسار التطبيع بين تل أبيب وأبوظبي. فالإشارات الأولى بدأت منذ نحو ربع قرن حين أُنشئ مركز مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في ألمانيا والذي كان يُستخدم قناة خلفية للتطبيع بين البلدين.
هناك جرت مناقشة الملفات ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الملف الإيراني ونشاطها النووي، وصواريخها الباليستية، إضافة إلى الملف السوري، وغيره. كل تلك النقاشات كانت تدور فيما كانت أبوظبي توهم أشقاءها العرب في مختلف المحافل والمناسبات بدعمها للشعب الفلسطيني حتى قيام دولته على حدود 1967، وأيضاً بالتزامها بالمبادرة العربية للسلام التي ترفض اتفاقيات التطبيع المنفردة بمعزل عن الإجماع العربي.
أما في الخفاء فكانت تعقد اللقاءات والصفقات وتؤسس للتحالف مع إسرائيل.
إذ كشفت الصحافة الإسرائيلية أن نتنياهو، كان قد زار أبوظبي على الأقل مرتين خلال العامين السابقين للإعلان الرسمي عن التطبيع، فيما يتحدّث بعض المصادر عن أن وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، كان يزور تل أبيب بانتظام يكاد يكون شهرياً، وأحياناً أسبوعياً، على مدار السنوات الماضية، قبل أن يصبح الأمر علنياً.
محطات ومواقف عديدة ولاسيما في العامين المنصرمين اللذين سبقا توقيع اتفاقية التطبيع، مهدت لدخول أبوظبي نادي «المتخاذلين العرب»، وأعطت إشارات قوية على أن ثمة أمراً كبيراً يجري الإعداد له بين البلدين.
ففي عام 2019 شارك رياضيون إسرائيليون في بطولة الجودو تحت علم بلادهم، حيث رافقتهم أيضاً وزيرة الثقافة والسياحة. وفي العام نفسه شارك وزير الاتصالات الإسرائيلي السابق أيوب قرا في مؤتمر المندوبين المفوضين للاتحاد الدولي للاتصالات وألقى كلمة أيضاً. فريق إسرائيلي شارك في طواف دبي للدراجات الهوائية بقمصان تحمل ألوان علم الدولة العبرية، وحظي باستقبال مسؤولين إماراتيين في شباط (فبراير). كذلك افتتُح لاحقاً أول مطعم إسرائيلي في دولة الإمارات. أيضاً وقّع اللبلدان العديد من الاتفاقات التبادلية في المجال الصحي، وتحديداً في الأمور المتعلقة بمكافحة فيروس كورونا، وأيضاً في المجال الأمني، تضمنت تزويد أبوظبي بقدرات استخبارية متقدمة. كما تقدمت الإمارات بطلب إلى إحدى الشركات الأمنية لعمل موظفي استخبارات سابقين لديها برواتب خيالية.
ومنذ أسابيع، أعلنت دولة الإمارات تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات الاستراتيجية في إسرائيل وعلى رأسها قطاعات الطاقة والفضاء والصحة والتقنية الزراعية.
قرار نهائي
انتقادات حادة تعرضت لها الإمارات من جراء «خيانتها» للقضية الفلسطينية، ليس فقط من قبل الفلسطينيين، أصحاب القضية، الذين يواجهون مخططات الاحتلال الإسرائيلي وعنصريته، بل حتى من قبل السلطة الفلسطينية التي سبقت أبوظبي في التعامل مع الاحتلال، فردت الإمارات باتهام كل الفلسطينيين بنكران الجميل.
الارتماء الكلي في الحضن الإسرائيلي هو خيار الإمارات النهائي! هكذا هي الحال بالنظر إلى الوقاحة غير المحدودة في الحميمية التي يظهرها الوجه الرسمي لأبوظبي، وجزء من الشعب تجاه إسرائيل. وقد وصل الأمر إلى حد زيارة السفير الإماراتي في تل أبيب محمود آل خاجة لكبير حاخامات حزب «شاس» اليميني المتطرف شالوم كوهين، لأخذ بركته وإغداق عبارات التقدير والإعجاب عليه. ثم أطلّ مباركاً انضمام الطالب منصور المرزوقي إلى جامعة «هرتزليا» الإسرائيلية، ليصبح أوّل إماراتي يدرس في إسرائيل. أما وزير الخارجية عبد الله بن زايد، فلم يتوانَ عن توديع غابي أشكينازي، والذي تغطي وجهه دماء الفلسطينيين والعرب ككل جنرالات إسرائيل بحزن ولوعة. وصلت الوقاحة بحكام الإمارات إلى أن يكون بلدهم أوّل دولة عربية تقيم معرضاً دائماً لـ«الهولوكوست».
مع كل هذه الخطوات التي تفوقت فيها الإمارات بالتباهي بإظهار خيانتها للقضية العربية الأم، تكون قد سلّمت أمنها بالكامل لإسرائيل، فبات جزءاً من الأمن الإسرائيلي، ربما لأنها قرأت شيئاً من التراجع في الهيمنة الأميركية، فضلاً عن قرب عودة إيران إلى سابق عهدها كدولة قوية تمسك بزمام أمن منطقة الخليج بعد رفع العقوبات وعودة أميركا إلى الاتفاق النووي.
دول عربية وازنة، لها ثقلها السياسي إقليمياً ودولياً وأبرمت في السابق اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل ولم تؤثر على الفلسطينيين لجهة مطالبتهم بإنهاء الاحتلال أو التنازل عن حقوقهم، وبالتالي فإن الإمارات ومن خلال ما فعلته، لا يمكنها أن تفرض على الفلسطينيين أو حتى أن تضغط عليهم ليتخلوا عن أي من حقوقهم أو أن يذهبوا إلى اتفاقات لا تلبي طموحاتهم، و«سيف القدس» تشهد.
Leave a Reply