حسن عباس – «صدى الوطن»
منذ سنوات، تواصل الجالية اليمنية في منطقة خليج سان فرانسيسكو، تحقيق الإنجازات التي تعزز وجودها ودورها المتنامي في ولاية كاليفورنيا، وكان آخرها تحقيق خرق ثقافي لافت في استصدار قرار تاريخي من إدارة المدارس العامة في مدينة أوكلاند، لدعم الأعداد المتزايدة من العائلات المهاجرة إلى المنطقة، خلال العقد الأخير.
فقد أسفرت جهود اليمنيين الأميركيين في أوكلاند عن إصدار قرار ينص على توظيف واستبقاء معلمين مختصين بالتعامل مع الطلاب اليمنيين، إضافة إلى توظيف المزيد من الموظفين الذين يتحدثون العربية في مكاتب التسجيل بمدارس أوكلاند العامة، والمزيد من المدّرسين والمرشدين والمستشارين الناطقين باللغة العربية، ممن يجيدون اللهجة اليمنية تحديداً.
كما شمل القرار إخضاع جميع الموظفين في المنطقة التعليمية لدورتين تثقيفيتين سنوياً لمدة ساعة واحدة، وحضور ورش عمل حول الثقافتين العربية واليمنية.
وتعد منطقة خليج سان فرانسيسكو موطناً لأعداد متزايدة من المهاجرين اليمنيين، الذين تمتد جذور الكثيرين منهم إلى عقود طويلة في تلك المنطقة، حيث لعبوا دوراً فعالاً في نضالات الطبقة الزراعية في ولاية كاليفورنيا في منتصف القرن الماضي.
وأسفرت الحرب المحتدمة في اليمن منذ عام 2014 عن هجرة موجات متلاحقة من السكان إلى العديد من المهاجر الأوروبية والأميركية، لاسيما وأن المغتربين اليمنيين سارعوا إلى استقدام أقاربهم إلى البلدان التي يعيشون فيها، ومن بينها الولايات المتحدة، التي استقبلت آلاف اليمنيين منذ ذلك الحين، بالرغم من تباطؤ وتيرة الهجرة إبان حكم الرئيس السابق دونالد ترامب الذي حظر السفر من عدة بلدان مسلمة، كان اليمن في مقدمتها.
القرار الصادر عن «منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة»، أشار إلى أن الطلاب اليمنيين يشكلون خامس أكبر مجموعة من الوافدين الجدد إلى المنطقة التعليمية، لافتاً إلى أن الجزء الأكبر من العائلات الناطقة بالعربية، هم من اليمن.
كما أشار القرار إلى أن الطلاب الناطقين بالعربية يتخرجون بمعدل أقل من متوسط التخرج بالمنطقة التعليمية، وأن هؤلاء الطلاب يتعرضون بشكل متكرر لحوادث التنمر والتمييز ضدهم.
وأوضح القرار بأن الصراعات المسلحة في اليمن أعاقت تعليم أجيال متلاحقة من الطلاب اليمنيين، ومن بينهم الطلاب الذين هاجروا –في نهاية المطاف– إلى منطقة خليج سان فرانسيسكو.
ولا تعرف أعداد الطلاب اليمنيين في «منطقة أوكلاند التعليمية الموحدة» بدقة، نظراً لأن بيانات التعداد السكاني تصنف الأشخاص المهاجرين من الشرق الأوسط ضمن فئة «البيض»، علماً بأن مدارس أوكلاند العامة تضم أكثر من 37 ألف طالب.
وقد أحصى مسؤولو المنطقة التعليمية الطلاب اليمنيين بشكل تقريبي من خلال الاستدلال على عدد الطلاب الذين يتحدثون العربية في منازلهم، والذين ذكروا اليمن كمكان لودلاتهم، واستبعاد الطلاب المولودين في الولايات المتحدة، أو الذين يتحدثون الإنكليزية في بيوتهم.
وقدرت المنطقة التعليمية أعداد الطلاب اليمنيين بحوالي ألف طالب، بحسب ما نقلت صحيفة «أوكلاند سايد» عن رئيس المجلس الوطني لـ«الرابطة الأميركية للطلاب والمهنيين اليمنيين»، هشام حسين، الذي كان أحد النشطاء الأساسيين الذين ساعدوا في استصدار القرار التاريخي.
تفاصيل القرار
يعيش في مدينة أوكلاند التي تضم زهاء 433 ألف نسمة، حوالي عشرة آلاف يمني، ويشكل اليمنيون غالبية الطلاب الجدد الناطقين بالعربية والطلاب المولودين في الخارج. ويدل هذا الواقع على اشتداد الحاجة إلى التدريب الثقافي للموظفين في المنطقة التعليمية، وضرورة توظيف معلمين ومرشدين ومستشارين على دراية باللهجة والثقافة اليمنية بشكل خاص.
كذلك، اعترف القرار الجديد، بعيدي الفطر والأضحى، وأوصى الإدارات المدرسية الأخذ بعين الاعتبار لمكانة هذين العيدين عند اليمنيين المسلمين، عند إجراء الاختبارات أو عقد الفعاليات المدرسية.
وكان مسؤول العلاقات العامة في «الجمعية اليمنية الأميركية»، ضيف الله ضيف الله، في مقدمة المبادرين إلى حض المنطقة التعليمية على إصدار القرار، لعلمه بالاحتياجات الملحة والضرورية للجالية اليمنية.
ضيف الله، وهو أحد مؤسسي متجر «سابا» للبقالة في خليج سان فرانسيسكو، أوضح بأن المجتمع اليمني شعر بعدم الأمان في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001: «ثم شعر بذلك مرة أخرى، خلال إدارة ترامب الذي حظر السفر من عدة دول بينها اليمن».
وأضاف في حديث مع «صدى الوطن»: «لقد حفزتني تلك الأحداث للقيام بالمزيد من الأشياء لخدمة مجتمعي في منطقة خليج سان فرانسيسكو»، في إشارة إلى سعيه لإيجاد طرق لدفع الحكومة المحلية إلى الاعتراف بالمجتمع اليمني وتلبية احتياجاته الأساسية.
وأفاد ضيف الله بأنه أجرى بحوثاً لتحديد الدوائر الحكومية والمناصب العامة التي يمكن أن يكون لها تأثير على حياة اليمنيين المسلمين، خاصة بالنسبة للعدد المتزايد من العائلات المهاجرة حديثاً.
وأشار ضيف الله إلى أنه تواصل مع مدير المجلس التربوي، فان سيدريك ويليام، الذي دعمه اليمنيون في الانتخابات السابقة، وقال: «لقد اقترحنا عليه إجراء بعض التغييرات لتلبية احتياجات علائلاتنا، وقد وافق على ذلك بكل إخلاص».
واستفاض ضيف الله قائلاً: «لقد دفعت الحرب الأخيرة في اليمن اليمنيين المحليين إلى المساعدة في استقدام أقاربهم.. العديد من هذه العائلات الجديدة لا تتحدث الإنكليزية، ولم يكن لدى العديد منها خلفية تعليمية مستقرة، لذلك لا يشعر الكثيرون منهم بالأمان عندما يصطحبون أطفالهم إلى مراكز التسجيل، إما بسبب نقص الخدمات باللغة العربية، أو نقص الموظفين العرب الذين يفهمون لهجتنا».
ومن خلال بحوثه حول الاحتياجات الضرورية للمجتمع اليمني في تلك المنطقة، تمكن ضيف الله من تحديد النقاط الأساسية في القرار الذي يجب استصداره في «منطقة أوكلاند التعليمة الموحدة»، بما في ذلك إخضاع الموظفين لدورتي تدريب ثقافي، مرتين سنوياً، وذلك بهدف كسر الجليد بين موظفي المنطقة التعليمية وبين العائلات التي يخدمونها.
ونجح ضيف الله في حشد الدعم لمشروع القرار، من المنظمات الإسلامية وغير الإسلامية، إضافة إلى عدد من الفعاليات المحلية، التي أعربت عن دعمها له خلال المناقشات العمومية في المجلس التربوي.
وفي هذا السياق، أعرب ضيف الله عن امتنانه لجميع من ساند مشروع القرار وجعله «أمراً واقعاً».
وكانت آخر الأخبار السعيدة التي تلقتها الجالية اليمنية في منطقة خليج سان فرانسيسكو، هي نجاح المنطقة التعليمية بتأمين التمويل اللازم من ولاية كاليفورنيا لتوظيف شخص يتحدث اللهجة اليمنية في مركز التسجيل بمدارس أوكلاند العامة.
وقال ضيف الله: «الآن، يمكننا النظر إلى الصورة الأكبر، وهي أهمية اجتماعنا كمسلمين للحصول على الاعتراف الذي نستحقه على مستوى الولاية، وإيجاد حلول مناسبة لاحتياجاتنا المتعددة».
Leave a Reply