جيمس زغبي
قبل عقد من الزمن، كنا نعيش مخاض ما أطلق عليه مراقبون في الغرب «الربيع العربي». والآن نقدم تقييماً لما حدث.
فقد أطلق محللون غربيون على ما حدث مصطلح «الربيع العربي»، لأن الانتفاضات في تونس ومصر وليبيا واليمن كانت مرتبطة عضوياً، ولذا تصوروا أنها تمثل مقابلاً للثورات التي أسقطت النظم الشيوعية التي كانت تعمل تحت حماية الاتحاد السوفياتي.
لكن هذه الانتفاضات العربية لم تكن خيوطاً في إقليم واحد يتفكك. صحيح أن هناك سمات مشتركة تجمع بينها لكن العوامل المحلية شكلتها في كل حالة على حدة. وأحد الملامح المشتركة بين الانتفاضات هو اقتصار هذه الثورات تقريباً على ما يطلق عليه «الجمهوريات العربية» التي ظلت لسنوات تحكمها أنظمة افتقرت إلى المشروعية وتزايدت تعنتاً وفساداً.
وأيضاً في كل واحدة من هذه الانتفاضات، بدأت كل انتفاضة كاحتجاجات غير عنيفة إلى حد كبير يقودها الشباب وتركز على الفقر والبطالة والرغبة في التمتع بحريات وحقوق سياسية أكبر. ورغم وصفها بأنها «ثورات»، لم تحدث ثورة حقيقية غيرت الحكم إلا في تونس وحدها رغم أنها ما زالت في حالة هشة.
ومرت سوريا وليبيا واليمن بتجارب مختلفة. فحين سقطت الأنظمة القديمة في المجتمعات المقسمة على أساس طوائف وقبائل ومناطق، سعت كل جماعة إلى الاستعانة بقوى خارجية أو سعت إليها قوى خارجية لتقدم العون لها، مما أدى إلى صراعات أهلية دامية وطويلة الأمد.
وما زالت النتيجة غير مؤكدة. ورغم تباين النتائج، ما زالت تحدث انتفاضات أخرى بما في ذلك الاحتجاجات الحاشدة المستمرة في السودان والجزائر ولبنان والعراق في السنوات القليلة الماضية. صحيح أنها متباينة ولا رابط بينها في الأساس، لكن كل انتفاضة تنفجر لأسباب متشابهة وهي الافتقار إلى الوظائف والخدمات الأساسية وسوء الإدارة وفقدان الأمل.
والثورات في الجزائر والسودان تشبه نوعاً ما تلك التي حدثت في «الجمهوريات العربية» الأخرى، لكن السودان وحده هو ما قد يمثل قصة نجاح محتملة. فمع التخلص من الطاغية العسكري في السودان وبعد احتجاجات متواصلة، وافق الجيش على تشكيل حكومة جديدة يشارك فيها السلطة مع القيادة الشعبية المدنية. ومع استمرار محتمل لهذه التجربة لثلاث سنوات، فالوقت وحده هو الذي سيخبرنا عما إذا كانت الفترة الانتقالية ستؤدي إلى سيطرة مدنية كاملة بالفعل.
وتوقع النتائج أصعب في لبنان والعراق البلدين اللذين تتشابه فيهما المطالب، وتتضمن إنهاء الطائفية. لكن رد الفعل القمعي من الميليشيات المدعومة من إيران في البلدين– وعناد النخب الطائفية الفاسدة في لبنان– يمثل عقبات حقيقية أمام التغيير.
بعد مرور عشر سنوات على أول انتفاضة، كان «الاستقرار» الهش الذي وُصفت به الأنظمة القديمة في الجمهوريات العربية هو الذي سمح إلى حد كبير بحدوث الفوضى. ورغم تباين نجاح حركات الاحتجاج في المنطقة ومستقبلها المحفوف بعدم اليقين، لكنها تقدم لنا عدة دروس.
ومن هذه الدروس أنه يجب على الأنظمة الحاكمة أن تعلم أن القمع لا يمكن أن يحل محل إدارة لا تستجيب لمطالب الجماهير. ويجب أن يستجيب الزعماء لاهتمامات ومخاوف الشعوب المشروعة ويقدموا لهم أملاً حقيقياً في التغيير. والمحتجون، وخاصة في لبنان والعراق، يتعين أن يشكلوا قيادة منسقة وبرنامجاً متماسكاً من المطالب وخطة للتطبيق.
ويتعين على المحتجين أن ينظموا أنفسهم سياسياً للانتخابات القادمة لمنع سطو «الإخوان» والحركات الطائفية ذات الطابع السياسي الأخرى على مساعي التحول في بلدان مثل لبنان والسودان وليبيا والعراق. ويتعين على الولايات المتحدة أن تتفهم أن أي اتفاق جديد مع إيران يتعين أن يتضمن ضغوطاً عليها لوقف استغلال الانقسامات الطائفية وتصرفاتها العنيفة والتدخلية في لبنان وسوريا والعراق واليمن.
ويجب على الولايات المتحدة أن تركز على تقديم مساعدة في المستقبل لهذه الحكومات لتوفير فرص عمل وتطوير القطاع الخاص وتحسين التعليم والرعاية الصحية وتأمين الخدمات الاجتماعية.
Leave a Reply