التعاون الاستخباري بين الرياض وتل أبيب أصبح وثيقاً مع وصول ابن سلمان
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
ما تزال قضية تطبيق التجسس الإسرائيلي «بيغاسوس» تتفاعل عالمياً عقب الفضيحة المدوية التي فجرتها وسائل إعلام أجنبية وعالمية، استهلّتها صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي، حيث كشفت أن الحكومة الإسرائيلية سمحت لإحدى الشركات بالتجسس على أشخاص محددين لصالح الإمارات والسعودية، تتضمن رؤساء دول وحكومات وناشطين سياسيين وصحافيين.
أُضيفت إلى القائمة السابقة أسماء جديدة شملها برنامج التجسس «بيغاسوس» أوردتها تباعاً صحيفة «واشنطن بوست»، من بينها أيضاً رؤساء دول وحكومات حاليون وسابقون، في مقدمتهم رئيس الحكومة اللبناني السابق سعد الحريري ورئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورؤساء حكومات باكستان ومصر والمغرب الحاليون عمران خان ومصطفى مدبولي وسعد الدين العثماني.
ما هو برنامج بيغاسوس؟
برنامج بيغاسوس تعود ملكيته إلى شركة «أن أس أو» الإسرائيلية، التي يقوم عملها على التجسس على المؤسسات والأفراد حول العالم. تأسست الشركة على أيدي موظفين سابقين في إحدى أهم وأقوى أذرع الاستخبارات الإسرائيلية وهي الوحدة «8200».
وبحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، يستطيع برنامج «بيغاسوس»، سحب المحتوى من الهاتف الذكي، بما في ذلك، الرسائل المتبادَلة عبر تطبيقات هاتفية مثل WhatsApp وSignal، ويمكنه أيضاً فتح الميكروفون داخل الجهاز.
قصة «بيغاسوس» ليست وليدة اللحظة، فقد سبق أن تحدثت عنها مؤسسة «لوران ريشار» الاستقصائية عام 2016. لكن السؤال البديهي هو لماذا طفت هذه القضية اليوم على السطح وبقوة الآن؟ وما الذي دفع النائب العام الفرنسي إلى التحرك إضافة إلى منظمة «هيومن رايتس ووتش» وهذا العدد الكبير من وسائل الإعلام الغربية؟ بالنسبة إلى الفرنسيين، فربما لأنهم لم يكونوا يتوقعون أن يكونوا من بين المشمولين في دائرة الاستهداف، لكونهم يعتبرون أنفسهم حلفاء لإسرائيل!
اليوم شركة فرنسية أيضاً هي مؤسسة «فوربيدن ستوريز»، تحدثت عن تجسّس إسرائيل على حلفائها وأعدائها على حد سواء، وعملية التجسس هذه جرت لصالح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي العهد الإماراتي محمد بن زايد وغيرهما، وكشفت أيضاً أن نحو 50 ألف رقم كان أصحابها مستهدفين للمراقبة، وتعتبرهم الشركة موضع اهتمام منذ عام 2016.
وتضم القائمة أرقام ما لا يقل عن 180 صحافياً في أكثر من 50 دولة و600 سياسي و85 ناشطاً حقوقياً و65 رجل أعمال، وقد تأكد اختراق أو محاولة اختراق برنامج تجسس المجموعة الإسرائيلية لـ37 هاتفاً على الأقل.
هذه الفضحية دفعت منظمات أممية وحقوقية ووسائل إعلام والاتحاد الأوروبي وحكومات عديدة إلى التنديد بما كشفته التقارير. إلاّ أنّ الأمر لم يقتصر على مجرد التنديد والتصريح، فقد بدأت دول بالتحرك قانونياً، مثل فرنسا التي فتحت تحقيقاً في التجسس على صحافيين، حيث أعلنت النيابة العامة في باريس، يوم الثلاثاء الماضي، فتح تحقيق حول أنشطة التجسس على صحافيين فرنسيين جرى اختراق هواتفهم عبر برنامج «بيغاسوس» لصالح الدولة المغربية التي نفت الأمر.
وقالت النيابة في بيان لها، إن تحقيقاً يشمل 10 اتهامات بينها «انتهاك الخصوصية» و«اعتراض مراسلات» عبر برنامج إلكتروني و«تكوين مجموعة إجرامية».
وقد فُتح التحقيق بناء على شكويين تقدم بإحداها موقع «ميديابارت» الإعلامي على خلفية التجسس على صحافيَّين تابعَين له، إضافة إلى أخرى تقدمت بها صحيفة «لو كانار أونشينيه».
بدورها، أعلنت الأمم المتحدة على لسان الناطق باسمها فرحان حق أن المنظمة تجري اتصالات مع الحكومة الأميركية لحماية شبكاتها وبعثاتها الدبلوماسية في نيويورك والخارج على خلفية فضيحة برنامج التجسس الإسرائيلي.
قصة العام
«ستكون قصة العام»، هكذا علّق العميل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية إدورد سنودن، على فضيحة «بيغاسوس» داعياً إلى مقاضاة شركة NSO، وأعرب عن قناعته بأن الشركة المذكورة «يجب أن تتحمل المسؤولية الجنائية المباشرة عن مقتل واعتقال أشخاص تم اختراق بياناتهم الشخصية بواسطة البرنامج»، وطالب بفرض حظر شامل على «بيع برامج التعقب».
رئيسة المفوضية الأوروبية –من جانبها– قالت إن استخدام برامج التجسس لاستهداف الصحافيين أمر غير مقبول على الإطلاق، ولفتت إلى أن استخدام برامج التجسس لاستهداف الصحافيين والمسؤولين الحكوميين وناشطي حقوق الإنسان حول العالم أمر غير مقبول على الإطلاق.
وأضافت أورسولا فون دير لاين: «إذا كان هذا قد حدث فإنه غير مقبول على الإطلاق، إنه يخالف أي نوع من القواعد في الاتحاد الأوروبي».
تنسيق وتعاون بين الرياض وتل أبيب
منذ وصول ابن سلمان إلى ولاية العهد في السعودية تطور التعاون الأمني بين الرياض وتل أبيب وتحديداً من خلال شركة «أن أس أو».
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، تحدثت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن تفاصيل هذا التعاون متوقفة عند عرض كانت قدمته الشركة إلى المخابرات السعودية قبل أشهر فقط من حملة الاعتقالات التي شنها ابن سلمان ضد عدد كبير من الأمراء ورجال الأعمال، والعرض كان عبارة عن برنامج قرصنة للهواتف المحمولة. وذكرت الصحيفة أيضاً أن الرياض اشترت نسخاً من هذا البرنامج بقيمة 55 مليون دولار، لقرصنة هواتف المعارضين السعوديين في الداخل والخارج، ودائماً بحسب «هآرتس».
طريقة عمل «بيغاسوس»
بعلم حكوماتها بل وتحت إشرافها، تنشئ شركات التجسس برامج سرية مخترقة حق الخصوصية الذي تكفله كل الدساتير والمواثيق الدولية. وقد أكد موقع «القناة 12» العبرية أن وزارة الأمن الإسرائيلية لا يمكن أن تكون جاهلة بما يمكن فعله من خلال برنامج «بيغاسوس» الخاص أو غيره من برامج التجسس.
ونظراً إلى أن الأجهزة الإلكترونية، وتحديداً الهواتف الذكية، أصبحت ملتصقة بالإنسان طوال اليوم، يشكل اختراقها وقرصنتها الوسيلةَ الأولى لانتهاك خصوصية الأفراد، بهدف إلحاق ضررٍ مادي أو معنوي به، سواء كان هذا الضرر مباشراً أو غير مباشر، وهو ما أصبح يُعرف قانونياً بـ«الجرائم الإلكترونية».
طريقة عمل «بيغاسوس»
ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن شركة «أن أس أو» الإسرائيلية أغلقت –في تموز (يوليو) الجاري– نظام التجسس «بيغاسوس». ونقلت الصحيفة عن مصدر في الشركة الإسرائيلية أن قرارها إغلاق نظام التجسس السري جاء بعد افتضاح أمره.
غير أن شركة «أن أس أو» المتخصصة في تطوير أدوات التجسس السيبراني، والتي تأسست عام 2010 ويعمل فيها نحو 500 شخص ومركزها بإحدى ضواحي تل أبيب، لا بد أنها تواصل استخدام برامج أخرى.
و«بيغاسوس» هو من برامج التجسس باهظة التكلفة، فوفقاً لقائمة أسعار 2016 –بحسب موقع «فاست كومباني»– فإن شركة «أن أس أو» تطلب 650 ألف دولار من العملاء مقابل اختراق 10 أجهزة؛ إضافة إلى نصف مليون دولار رسوم تثبيت البرنامج.
ويعتبر «بيغاسوس» من أخطر برامج التجسس «وأكثرها تعقيداً»، فهو يتيح الوصول إلى الرسائل والصور وجهات الاتصال وحتى الاستماع إلى مكالمات حامله.
بدورها، قالت «أن أس أو» في المحكمة إن عملاءها الحكوميين الذين لن تسميهم، يتحكمون في كيفية استخدام برامج التجسس الخاصة بها ونشرها، وأنها تحقق في مزاعم الانتهاكات.
وهذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها شركة «أن أس أو» تُهماً بالتجسس على العالم، فقد ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» مطلع العام 2020، أن دولتي الإمارات والسعودية تتجسسان على صحافيين وناشطين في لندن وقطر، بواسطة برنامج «بيغاسوس» الإسرائيلي.
وهنا يتبادر إلى الذهن فوراً مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي الذي ثبت لاحقاً اختراق هاتفه والصحافي المكسيكي سيسيليو بينييدا بيرتو… وغيرهما.
وفي عام 2014 وُجهت إليها اتهامات باختراق تطبيق «واتساب» والتجسس على المستخدمين.
وفي تفاصيل ذلك، تقدمت شركة «فيسبوك» المالكة لـ«واتساب» بدعوى قضائية ضد الشركة الإسرائيلية عام 2019، متهمة إياها باستغلال ثغرة في التطبيق لمراقبة أكثر من 1,400 شخص حول العالم.
وفي كانون الأول (ديسمبر) 2020، انضم عمالقة التكنولوجيا، بما في ذلك شركتا «مايكروسوفت» و«غوغل» إلى «فيسبوك» في معركتها القانونية ضد «أن أس أو»، وقدموا مذكرة مساندة في محكمة فدرالية حذروا فيها من أن أدوات الشركة «قوية وخطيرة».
قد يكون الهدف من التسريب هو تخويف بعض السياسيين وإسكات صوت بعض الإعلاميين، لكن الأمر لم يعد خافياً على أحد: العالم أصبح تحت رحمة التكنولوجيا…
Leave a Reply