الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
حلت الذكرى الأولى لانفجار مرفأ بيروت، الذي لم يشهد لبنان مثيلاً له رغم كل الحروب والكوارث التي عايشها، ليصبح تاريخ الرابع من آب (أغسطس) محطة محفورة في ذاكرة شعب يكاد لا ينهض من حفرة حتى يسقط في أخرى أعمق منها.
ما حصل في 4 آب 2020، سواء كان سببه التقصير أو الفساد أو الإهمال اًو حتى التآمر الخارجي، النتيجة واحدة: لبنان تلقى ضربة قد لا يستطيع النهوض منها والتخلص من آثارها لسنوات طويلة.
ومع ذلك، لا يزال التحقيق في الكارثة التي أسفرت عن دمار هائل واستشهاد 217 شخصاً وإصابة نحو سبعة آلاف آخرين، متعثراً وسط تجاذبات سياسية وتشكيك في مصداقية التحقيق.
ففي العاشر من كانون الأول (ديسمبر) الماضي ادعى المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، فادي صوان، على رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، وثلاثة وزراء سابقين قبل أن تتم تنحيته في 18 شباط (فبراير) الماضي ليعين طارق البيطار خلفاً له.
وفي الثاني من تموز (يوليو) المنصرم أعلن المحقق العدلي الجديد عزمه على استجواب دياب تزامناً مع إطلاق مسار الادعاء على وزراء سابقين ومسؤولين أمنيين قبل أن يصطدم بالحصانات مجدداً وسط تشكيك بانتقائية قائمة الادعاء التي خلت من أسماء مسؤولين آخرين كانوا على علم بوجود النيترات.
ورغم مرور عام كامل على الكارثة، لا يزال أكثر من 18 ألف شخص مبعدين عن منازلهم بسبب نقص التعويضات التي لم يصرف منها سوى 10 بالمئة. وكالعادة، السبب هو الفوضى وعدم التنسيق بين الجمعيات والجيش في توزيع التعويضات من جهة والاستنسابية من جهة أخرى.
مشاريع فتنة
وسط حداد عام وإقفال تام وعلى وقع خضات أمنية متنقلة عشية الذكرى الأليمة ومخاوف متعاظمة من تدحرج الأمور نحو فتنة تعيد البلاد إلى مشهد الاقتتال الداخلي والحرب الأهلية، وقعت إشكالات متنقلة وتوترات تطورت في بعض الأماكن إلى مواجهات مع القوى الأمنية بعد خروج المحتجين عن حدود التظاهر السلمي باعتدائهم على العسكريين من خلال رشقهم بالحجارة وزجاجات المولوتوف ما اضطر القوى الأمنية إلى مواجهتهم بخراطيم المياه والغاز المسيل للدموع، بحسب بيان رسمي.
وقد اقتحم المتظاهرون في بيروت بعض الأبنية بينها مكاتب وزارة الاقتصاد التي خرّبوها وعبثوا بمحتوياتها، كذلك حطموا إحدى بوابات مجلس النواب الللبناني في وسط المدينة. وتحدث الصليب الأحمر عن إسعافه ميدانياً 71 جريحاً ونقله 10 جرحى إلى المستشفيات.
الاستثمار في دماء الشهداء سمة لدى بعض اللبنانيين. فقد تعرّض أحد المتضامنين مع أهالي الشهداء الذين نزلوا إلى الشارع لإحياء الذكرى للضرب المبرح على أيدي عناصر من حزب «القوات اللبنانية» لأنه رفض حمل علم حزبهم، فيما اعتدى عناصر من الحزب نفسه على مسيرة تضامنية مع أهالي الضحايا للحزب «الشيوعي» في منطقة الجميزة، في مشهد يحاكي التوزيع المناطقي، ويعيد إلى الأذهان التقسيم الطائفي بين الشوارع والأحياء، في ما يشبه الكمين، وأدى إلى سقوط نحو عشرين جريحاً من الحزب الشيوعي سبعة منهم نُقلوا إلى المستشفى أحدهم إصابته بليغة جداً، بسبب ضربة بسكين اخترقت إحدى رئتيه.
وبالتزامن، أعلنت قيادة الجيش في بيان لها أنها أوقفت مواطناً في منطقة الزوق بحوزته سلاح وذخائر مسدس وعصي وأقنعة واقية وسلاسل معدنية، كما أوقفت ستة مواطنين عند حاجز الأولي في صيدا بحوزتهم أسلحة وذخائر وأعتدة حريبة… لتنجلي الصورة ليلاً بإخلاء المتظاهرين من كل الساحات وتطويق التوتر.
رغم كل ما ذُكر، تنفس اللبنانيون الصعداء مع انقضاء يوم الأربعاء الماضي واقتصار الخسائر على بعض الجرحى وأضرار مادية محدودة!
فقد كانت هناك خشية كبيرة من استغلال الذكرى لافتعال أعمال شغب وتخريب تهدد السلم الأهلي وتزعزع الاستقرار الهش أصلاً. ففي الآونة الأخيرة وقع بعض الحوادث التي لو لم تُطوّق وتُوأد مفاعيلها في مهدها لكانت أخذت البلاد باتجاه الصراع الأهلي حتماً، ولاسيما في ظل الاحتقان الشعبي السائد والنفوس المشحونة، نتيجة الانهيار الاقتصادي الحاصل والأزمة المعيشية الخانقة، حيث بلغت نسبة البطالة مستويات غير مسبوقة وارتفعت نسبة اللبنانيين الذي باتوا تحت خط الفقر إلى أكثر من 70 بالمئة مع استمرار الانهيار الدراماتيكي في سعر الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي الذي لم يكد ينخفض قليلاً مع تكليف نجيب ميقاتي بتأليف الحكومة حتى عاود الارتفاع مجدداً مع طغيان أجواء التشاؤم التي تسربت عن أكثر من لقاء عقده مع رئيس الجمهورية ميشال عون.
آخر الحوادث وأخطرها على الإطلاق كان «كمين خلدة» الذي نفذه عدد من سكان المنطقة ضد موكب تشييع جنازة أحد عناصر «حزب الله»، علي شبلي، الذي كان قد اغتيل في المنطقة نفسها قبل يوم واحد.
وأدى الكمين إلى سقوط 4 عناصر من الحزب، أحدهم طبيب وهو نسيب شبلي، متسبباً بتوتر مذهبي شديد واحتقان غير مسبوق في ما قُرئ على أنه محاولة استدراج للحزب لإدخاله في أتون فتنة داخلية مدبرة بدأت باغتيال شبلي واستُكمل بالكمين المسلح، الذي أصدر الحزب على إثره بياناً خالف فيه التوقعات بالنظر إلى حجم الحادث، مكتفياً فيه بالطلب إلى الجيش اللبناني اتخاذ الإجراءات اللازمة واعتقال القتلة، مؤكداً التزامه بالقانون، على الرغم من القوة العسكرية التي يمتلكها والتي تخوله الاقتصاص من الفاعلين بنفسه، إلا أن الحزب قرأ في ما حصل كما غيره كثيرون مؤامرة مكشوفة الأهداف ضده لدفعه إلى استخدام سلاحه في الداخل.
مسار التأليف الحكومي
في 26 تموز (يوليو) الماضي تم تكليف نجيب ميقاتي برئاسة الحكومة. وقد وعد الرجل بتأليف حكومة إنقاذية بأسرع وقت ممكن، لكن الأمور حتى اليوم ما تزال تراوح مكانها، في ظل تمسك الأطراف بمواقفهم و«حصصهم».
اللقاء ما قبل الأخير الذي عُقد بين الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية، يوم الاثنين الماضي، كان قد أفضى إلى أجواء سلبية. وفي اللقاء الخامس الذي عُقد الخميس الماضي بين الرجلين، في محاولة جديدة لحل مشكلة المداورة على الوزارات السيادية، كشف ميقاتي في نهاية الاجتماع عن تحقيق تقدم إيجابي بطيء، محذراً من أن عدم تشكيل الحكومة سيكون إثماً كبيراً.
ومن جهة أخرى، أكد ميقاتي عدم التزامه بأي مهلة زمنية محددة للاعتذار عن مهمة التأليف، مكتفياً بالقول إنه «عندما يشعر بأنّ الطريق بات مسدوداً للتجانس سيخبر اللبنانيين» مؤكداً أنه لن يخلق «مشكلاً ليس موجوداً» وأنه سيواصل لقاءاته مع الرئيس عون للمضي قدماً في مفاوضات التشكيل.
اعتداء إسرائيلي
كعادتها، لا تفوّت إسرائيل فرصة لتعميق أزمة لبنان ومضاعفة الضغوط عليه، فقد تصدرت المشهد بتنفيذها اعتداء غير مسبوق منذ عدوان تموز عام 2006، بقصف عدد من القرى المتاخمة للحدود ما تسبب باشتعال حرائق تعذّر إخمادها بسبب عدم تمكن سيارات الإطفاء من الوصول إليها لوعورة المنطقة.
وتوسعت اعتداءات إسرائيل بعد منتصف ليل الأربعاء لتطال منطقة الدمشقية في خراج بلدة المحمودية، في ما اعتبرته وسائل الإعلام الإسرائيلية رداً على صواريخ أطلقت من تلك المنطقة على مستوطنة كريات شمونة، لكنها أكدت في الوقت عينه أن من يقف وراء إطلاق الصواريخ ليس «حزب الله» بل هي فصائل فلسطينية، محمّلة الحكومة اللبنانية مسؤولية كل ما يحدث.
من جهتها، بررت الخارجية الأميركية الاعتداء الإسرائيلي ووضعته في سياق حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.
وفي موقف يحمل الكثير من التدخل في الشؤون اللبنانية ومن التحريض لطرف ضد آخر، دعا وزير الخارجية السعودي القوى السياسية في لبنان إلى مواجهة «حزب الله» الذي وصفه بأنه السبب الرئيسي وراء مشاكل لبنان.
مؤتمر مانحين لدعم لبنان
وكما كان قد وعد سابقاً، استطاع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حشد بعض الدعم الدولي للبنان من خلال عقد مؤتمر للمانحين في بلاده.
وقد أكد مكتب الإليزيه استجابة المشاركين في مؤتمر مانحي لبنان لنداء إنساني آخر وجهته الأمم المتحدة، لرفد لبنان بالمساعدات، لافتاً إلى أن المشاركين تعهدوا بتقديم دعم مالي بقيمة 370 مليون دولار في غضون 12 شهراً.
وفي كلمة له ألقاها أمام المؤتمرين، لفت الرئيس عون أنه لم يعد بإمكان لبنان انتظار الحلول الإقليمية، وهو لاشك بحاجة إلى كل مساعدة ومساندة من المجتمع الدولي بعد تحديد الاحتياجات والأولويات وأمل تأليف حكومة قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، والإعداد للانتخابات النيابية المقبلة، بالتوازي مع بناء الثقة مع الشركاء الدوليين والتواصل مع صندوق النقد الدولي.
كذلك شدد الرئيس اللبناني على إيمانه بأن إجراءات التدقيق الجنائي في الحسابات العامة ضرورية وإلزامية، معاهداً اللبنانيين على المضي بها مهما كانت العراقيل، ومعلناً انتظار نتائج التدقيق في حسابات المصرف المركزي، لتحديد وتوزيع الخسائر والمسؤوليات. وتوجه عون بالشكر إلى جميع القادة الذين حضروا المؤتمر، وإلى كل من يسهم في مؤازرة لبنان في أزمته الراهنة.
Leave a Reply