محمد العزير
تنبئ نتائج الانتخابات التمهيدية المحلية التي جرت في ديربورن، الثلاثاء الماضي، بتحولات إيجابية واضحة في المزاج السياسي للعرب الأميركيين في المدينة التي يتباهون بأنها عاصمتهم في أميركا الشمالية.
لم يغب عنصر المفاجأة عن أول انتخابات ذات غالبية عربية أميركية تنافس فيها سبعة مرشحين على منصب رئاسة البلدية (أربعة منهم من أصول عربية)، و18 مرشحاً على المقاعد السبعة في المجلس البلدي (13 منهم من أصول عربية). إلى جانب التصويت على اقتراحي قانون؛ الأول يتعلق بالنظر في القانون الأساسي للمدينة، والثاني لفرض ضريبة خاصة لتمويل المكتبات العامة.
وإذا كان البعض (ومنهم صحيفة «ديترويت فري برس») يرى المفاجأة في عدم بلوغ رئيسة المجلس البلدي سوزان دباجة الدورة النهائية لانتخابات رئاسة البلدية، وخروجها المؤقت من السياسة المحلية الرسمية، فإن وقائع اليوم الانتخابي الحافل كانت زاخرة بالمؤشرات، التي لا بد من القول إنها كانت إيجابية في معظمها، وتحمل معطيات تستحق التوقف عندها في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ العرب الأميركيين في ميشيغن وأميركا ككل.
توزعت تلك المعطيات على الناخبين والمرشحين على السواء، وعلى شطري المدينة وجنوبها. وبإيجاز يمكن التقاط العلامات الأبرز التي جعلت هذه الانتخابات مميزة:
1– حصل المرشح عبدالله حمود على المركز الأول في جميع مراكز الاقتراع الثمانية والأربعين بمجموع 8,858 صوتاً أي ما يعادل 42 بالمئة من مجمل المقترعين الذين فاق عددهم 21 ألف ناخب، متفوقاً على أقرب منافسيه، السياسي المخضرم والمعروف غاري وورنتشاك، بفارق شاسع بلغ 4,969 صوتاً. هذا يعني أن النائب عن دائرة ديربورن في مجلس ميشيغن التشريعي منذ العام 2017، تقدم إلى الناخبين غير العرب في المدينة، كشخصية شابة ذات برنامج قادر على التقدم بالمدينة وتحسين أوضاعها. وهذه سابقة مهمة في تاريخ مدينة ذات ماضٍ عنصري معروف، لم يعط ناخبوها البيض أكثرية لمرشح عربي بهذا الشكل حتى لمنصب عضو مجلس التربية.
2– وزع الناخبون العرب الأميركيون أصواتهم على المرشحين بطريقة تجاوزت الخطوط العائلية والجهوية التقليدية التي كانت تحكم الانتخابات المحلية السابقة وسقطت الرهانات، خصوصاً حملات الساعات الأخيرة، على شد عصب عائلي أو قروي. بل حصل مرشحون جنحوا إلى تلك الحملات على أصوات أقل من عدد أقاربهم أو أبناء بلداتهم. لهذه النتيجة تفسير واحد وهو خروج الناخب العربي الأميركي من تحت اللواء العائلي والعباءة الدينية.
3– رغم العدد الكبير من المرشحين العرب لمقاعد المجلس البلدي حصل الكثيرون منهم على أصوات من «بيئات» لا ينتمون اليها، وهذا يسحب البساط التعبوي الجهوي والإقليمي من تحت أرجل بعض الشخصيات المستعجلة أو المتهورة التي لم ترعوِ عن استخدام هذه الورقة في كل مناسبة. ويبشر ذلك باقتراب نهاية هذه الاستثمارات البدائية التي يلجأ إليها العابثون تكراراً.
4– شارك في الاقتراع 21,299 ناخباً من أصل 71,355 ناخب مسجل في المدينة أي ما يناهز نسبة الثلاثين بالمئة، وهذه نسبة كبيرة في أية انتخابات تمهيدية، خصوصاً الانتخابات المحلية. ويجمع متابعو الانتخابات على أن المشاركة الكثيفة للشباب العربي الأميركي كانت العنصر الحاسم في بلوغ هذه النسبة. وهذا مؤشر بارز على أن الجيل الجديد الذي اتعبته السياسات والولاءات القديمة مستعد لإمساك زمام المبادرة خصوصاً وأن أنجح المرشحين، عبدالله حمود (31 سنة)، ينتمي إلى فئة الشباب وقد نجح في استقطاب اهتمامهم.
5– صوّت معظم الناخبين العرب وبفارق ملحوظ لصالح مقترحين انتخابيين؛ الأول للنظر في تعديل القانون الأساسي للمدينة، وهذا يعني للمرة الأولى في تاريخ ديربورن وجود العرب الأميركيين على طاولة القرار فيما يتعلق بقوانين وأنظمة المدينة، وهي مناسبة تحصل كل عقدين. والثاني، لتمديد ضريبة خاصة لتمويل المكتبات العامة في المدينة التي يتجاوز عدد الطلاب العرب الأميركيين في مدارسها العامة ثلاثة أضعاف بقية الطلاب، وهذا استثمار مهم في مرحلة التحول التقني الهائل الذي يشهده مجال التعليم خصوصاً لجهة المكننة والإنترنت والطباعة ثلاثية الأبعاد.
الآن، وبعد إتمام الاستحقاق الأول بنجاح وإيجابية تتجه الأنظار إلى الاستحقاق الثاني المقرر في تشرين الثاني (نوفمبر) القادم، موعد إجراء الانتخابات العامة. وفي عالم السياسة، ثلاثة أشهر هي فترة طويلة جداً قد تكون حبلى بمفاجآت وتحالفات وحملات كثيرة، وإذا كان سباق رئاسة البلدية شبه محسوم للمرشح حمود –دون الاستخفاف بمنافسه وورنتشاك المقرب من الجالية العربية والمعروف على أوسع نطاق في المدينة منذ عمله كصحفي في الصحيفة المحلية– فهناك الكثير من الهوامش للتحالفات وتبادل الأصوات والتزكيات على مستوى عضوية المجلس حيث حل خمسة مرشحين من غير العرب الأميركيين في المراتب السبع الأولى في الانتخابات التمهيدية. وهذه الوضعية ستغري بعض المرشحين والنافذين العرب الأميركيين على إجراء صفقات (ليست علنية بالضرورة) لاستبعاد بعض المرشحين من منطلقات غير نزيهة، أو من باب تصفية حسابات الجولة التمهيدية، سيؤدي ذلك إلى تشتيت كتلة كبيرة من الأصوات العربية الأميركية مقابل استنفار الناخبين الآخرين للحصول على أكثرية في المجلس تخلق توازناً افتراضياً مع رئيس البلدية العربي الأميركي. وهذا احتمال وارد لفرض انتكاسة ثأرية على الإنجاز المحقق، لا بد من التنبّه له.
الأمر الثاني والذي لا يحظى باهتمام كبير يتمثل في انتخاب الأعضاء التسعة للجنة النظر في القانون الأساسي للمدينة. هناك الكثير من الحقوقيين والأكاديميين والناشطين العرب الأميركيين الذين يمكنهم المشاركة بفاعلية وكفاءة لوضع قانون أساسي جديد يقطع حبل السرة مع الماضي العنصري غير البعيد ويفسح المجال امام مواطنية كاملة ومتساوية للعرب الأميركيين وفرص تنموية جدية لشرق المدينة وجنوبها.
الأمر الذي لا ينبغي أن يضيع خلال الأشهر الثلاثة المقبلة هو التأكيد على دور الشباب في الحياة العامة، وعلى ضرورة مواصلة الضغط على المرشحين ليخوضوا الانتخابات العامة على أساس برامج واضحة تأخذ في الاعتبار أن العرب أصبحوا ناضجين سياسياً، ولم تعد الشخصانية والسياسات الرمزية تكفي لضمان الدعم.
Leave a Reply