واشنطن، كابل
رغم تمسك الرئيس جو بايدن بصوابية قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، شكلت الفوضى العارمة في مطار كابل الذي تدفق إليه آلاف المدنيين هرباً من حركة طالبان، إحراجاً عميقاً لواشنطن في مشهد أعاد للأذهان الانسحاب الأميركي المهين من فيتنام قبل نحو نصف قرن.
وبينما نجحت حركة طالبان في بسط سيطرتها سريعاً على البلاد بعد فرار الرئيس أشرف غني إلى خارج أفغانستان، انهمكت الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بإجلاء عشرات الآلاف من رعاياها ومن المدنيين الأفغان المتعاونين معها الذين يخشون بطش الحركة الإسلامية المتشددة بهم، على الرغم من الوعود بالعفو التي حرص قادة طالبان على بثها منذ لحظة دخولهم للقصر الرئاسي في كابل.
وبعدما سيطرت حركة طالبان على كابل، تدافع الآلاف إلى مطار العاصمة الأفغانية بحثا عن رحلة تنجيهم من حكم الحركة المتشددة، وهناك دبت الفوضى وانتشرت الصور المأساوية للمئات الذين كانوا يركضون للحاق بطائرة النقل العسكرية الأميركية العملاقة.
وحفل الأسبوع الماضي بمشاهد صادمة من مطار كابل عكست مدى حالة الرعب من عودة طالبان إلى الحكم، إذ ألقت عدد من الأمهات بأبنائهن الرضع من فوق الأسلاك الشائكة التي تفصلهن عن المطار فيما لا يتردد آخرون في التمسك بعجلات الطائرات المقلعة مما تسبب بمقتل عدد منهم.
ووثقت مقاطع فيديو تساقط أشخاص من الطائرة، لقي العديدون منهم حتفهم، من جراء الارتطام الرهيب على الأرض، كما سقط رجلان فوق سطح منزل قريب من مطار كابل، حيث لقيا حتفهما هناك.
وحتى يوم الخميس الماضي، أعلن الجيش الأميركي عن إجلاء حوالي سبعة آلاف شخص جواً منذ سقوط العاصمة كابل بقبضة طالبان، في 15 آب (أغسطس) الجاري، دون أية مقاومة من القوات الحكومية على عكس توقعات أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وفي حين حث وزراء خارجية دول مجموعة السبع مسؤولي طالبان على توفير ممر آمن للأشخاص الذين يرغبون بمغادرة البلاد، أبدى الجيش الأميركي استعداده لمضاعفة عمليات النقل الجوي وزيادة «قدرة كل طائرة إلى أقصى حد ممكن» لإجلاء أكبر عدد من الأشخاص خلال الأيام القادمة.
وكشف الجنرال هانك تايلور –خلال مؤتمر صحفي– أنه تم نقل زهاء 12 ألف شخص منذ نهاية تموز (يوليو) الماضي، بينهم مواطنون أميركيون وأفراد من السفارة الأميركية، إضافة إلى مواطنين أفغان عملوا لحساب الولايات المتحدة وطلبوا تأشيرة هجرة خاصة، للفرار من البلد خوفاً من التعرض لعمليات انتقامية من الحركة الإسلامية.
وأعرب وزراء مجموعة السبع عن «قلقهم الشديد من التقارير عن عمليات انتقام عنيفة»، و«ناقشوا أهمية توفير المجتمع الدولي طرق إعادة توطين آمنة وقانونية». واتفق الوزراء «على السعي للتوصل لتسوية سياسية شاملة وتأمين الدعم والمساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في أفغانستان والمنطقة، ومنع مزيد من الخسائر في الأرواح بأفغانستان والعالم جراء الإرهاب».
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) جون كيربي «إن الجيش الأميركي يحافظ على الاتصال مع حركة طالبان للتأكد من قدرة الأفغان المعرضين للخطر والمتقدمين لبرنامج التأشيرات الخاصة وغيرهم من المواطنين الأفغان على العبور ومغادرة البلاد».
وأشار كيربي –في مؤتمر صحفي الخميس الماضي– إلى أن هناك تفاهمات مع الحركة لتسهيل الوصول إلى مطار حامد كرزاي الدولي بالعاصمة كابل، مضيفاً أن القوات الأميركية لم ترصد قيام طالبان بعرقلة حركة المواطنين الأميركيين إلى مطار كابل، وقال «إن عمليات الإجلاء تسير على ما يرام».
وسيطرت حركة طالبان على العاصمة الأفغانية، كابل، إثر هجوم خاطف شهد انهيار السلطة في أفغانستان، بعد انسحاب القوات الأميركية.
وعمت الفوضى كابل ومطارها، الأحد الماضي، مع تدفق آلاف الأفغان الذين حاولوا يائسين، الفرار من البلاد.
وعززت الولايات المتحدة التواجد الأمني هناك بنحو ألف جندي إضافي، ليصل العدد الإجمالي إلى ما يقرب من ستة آلاف جندي للمساهمة في عمليات الإجلاء.
وكان الرئيس الأميركي قد أعلن سحب الجنود الأميركيين من أفغانستان بحلول 11 أيلول (سبتمبر) قائلاً إن المهمة «أنجزت». وقال في بيان نشره البيت الأبيض قبل ذلك بأيام، إن المهمة في أفغانستان أسفرت عن مقتل زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، وتراجع تنظيم «القاعدة».
بايدن يدافع
أمام وابل من الانتقادات السياسية والإعلامية الداخلية، أصر بايدن على صوابية قراره بالانسحاب من أفغانستان، وقال في مؤتمر صحفي مقتضب –الإثنين الماضي– إن الهدف الوحيد للولايات المتحدة في أفغانستان «كان دائماً منع هجوم إرهابي على الوطن»، و«لم يكن من المفترض أبداً أن تكون مهمتنا في أفغانستان هي بناء الدولة».
وأكد أن الحرب في أفغانستان مرت على أربعة رؤساء أميركيين وقال إنه لن يقبل بتمريرها لرئيس خامس.
وعقّب بايدن على مشاهد الفرار المأساوية في مطار كابل، بمحاولة إلقاء اللوم على سلفه الجمهوري قائلاً: «عندما توليت منصبي ورثت صفقة تفاوض عليها الرئيس ترامب مع طالبان، ولم يكن هناك اتفاق لحماية قواتنا بعد الأول من أيار»، مضيفاً أنه كان بين خيارين فقط «إما متابعة اتفاق الانسحاب أو تصعيد الصراع».
وشدد على أنه مقتنع بالكامل بقراره الانسحاب، موضحاً أنه «بعد 20 عاماً، لا توجد طريقة جيّدة للانسحاب من أفغانستان».
وحول هزيمة القوات الأفغانية بسرعة أمام مقاتلي حركة طالبان، قال بايدن: «حدث هذا بسرعة أكبر مما توقعنا، كما هربت قيادة الحكومة وانهار الجيش الأفغاني».
وهاجم بايدن الحكومة الأفغانية قائلاً، «انهار الجيش، دون محاولة القتال، يجب ألا يقاتل الأميركيون ويموتوا في حرب لا يرغب الجيش الأفغاني في خوضها من أجل نفسه».
وأضاف: «أنفقا أكثر من تريليون دولار وحدثنا ودربنا قواتهم، وأعطيناهم كل ما يريدون ودفعنا رواتبهم. لقد منحناهم كل فرصة لتقرير مستقبلهم. لم نتمكن من تزويدهم بالإرادة للقتال من أجل هذا المستقبل»، وقال إن «القادة السياسيين فشلوا في التفاوض حول حماية مستقبلهم، بينما كانت القوات الأميركية هناك تحارب من أجلهم». وأضاف إن «المشاهد في أفغانستان تدمي القلب، لكن استمرار الحرب ليس في المصلحة الوطنية الأميركية. أيّ قوة عسكرية لا يمكنها خلق استقرار في أفغانستان، إنها مقبرة الإمبراطوريات».
ولم يتوان بايدن عن تهديد حركة طالبان باستخدام «القوة المدمرة»، إذا عطّلت الجهود الأميركية لإجلاء الأفراد الأميركيين والشركاء من أفغانستان، مؤكداً في الوقت ذاته أن الولايات المتحدة «ستتحرك بسرعة» ضد الإرهاب في أفغانستان «إذا لزم الأمر».
وفي مقابلة مع محطة «أي بي سي» الأميركية، جدد بايدن الدفاع عن قرار الخروج العسكري من أفغانستان، مؤكداً أنه: «لا توجد طريقة ممكنة للخروج من أفغانستان من دون حدوث فوضى».
لكن حديث بايدن عن «الفوضى الحتمية»، ينافي تصريحاته في نيسان (أبريل) الماضي، عندما أعلن عن خطط الانسحاب، مشيراً إلى أن الخروج سيتم «بمسؤولية وأمان»، رافضاً احتمال استيلاء طالبان على السلطة.
وحاصر المقدم جورج ستيفانوبولوس الرئيس الأميركي بالأسئلة، مؤكدا أن الإدارة الأميركية أخفقت بالقرار، خاصة مع قول بايدن في المقابلة بأن الاستخبارات الأميركية تنبأت سقوط أفغانستان بيد طالبان نهاية العام الجاري.
التعامل مع طالبان
من غير المعلوم حالياً، عما إذا كانت إدارة بايدن ستتعامل بشكل طبيعي مع حكومة طالبان، لكن الرئيس الأميركي توقع بالطريقة الأفضل للتعامل معها «سياسياً».
وقال بايدن: «لا أعتقد أن طالبان قد تغيرت منذ أن مارست سلطتها بوحشية على أفغانستان في مطلع الألفية»، مؤكداً أن طريقة التعامل مع الحركة الآن، هو «بممارسة ضغوط اقتصادية ودبلوماسية ودولية عليهم لتغيير سلوكهم».
وأكد بايدن أن أفغانستان ليست التهديد المتطرف الرئيسي اليوم، كما كانت عليه قبل هجمات 11 سبتمبر الإرهابية. وأضاف أن «القاعدة وداعش انتشروا. وهناك تهديد أكبر بكثير من أفغانستان على الولايات المتحدة، مثل التهديد من سوريا».
ومنذ سيطرةِ حركةِ طالبان على العاصمة الأفغانية كابل، وهروب الرئيس أشرف غني من البلاد، يطالب المجتمع الدولي بضرورة وجود تسوية سياسية، لا تستثني أحداً.
وفي هذا السياق، تعهدت طالبان بتشكيل «حكومة إسلامية شاملة»، لكن من السابق لأوانه تحديدُ شكلِ هذه الحكومة، والمشاركين فيها، تحديداً من المسؤولين في الحكومات السابقة.
لكن الحركة بدأت بالفعل إجراء لقاءات مع الوجوه السياسية البارزة، في البلاد، مثل الرئيس الأفغاني السابق، حامد كرزاي، ورئيسِ المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية، عبدالله عبدالله. وزعيم حزب «الدعوة الإسلامية»، عبد رب الرسول سياف، وزعيمُ الحزب الإسلامي، قلب الدين حكمتيار.
Leave a Reply