وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
كان من المفترض أن يحمل هذا التقرير بين سطوره بشرى تأليف الحكومة اللبنانية، بيد أن أجواء التفاؤل التي سادت خلال الأيام الماضية تلاشت تماماً بعد عاصفة البيانات الاتهامية المتبادلة بين الرئاسة الأولى والرئيس المكلف، لكن ذلك لم يمنع رئيس جهاز الأمن العام اللواء عباس إبراهيم من متابعة جولاته التفاوضية، وآخرها كان اليوم، حيث تنقل بين الرئاستين ليواصل مسعاه «التوفيقي»، متجاوزاً الزوبعة التي أثارتها البيانات التصعيدية، ومدفوعاً بالتوضيح الذي صدر عن بعبدا في وقت لاحق للتأكيد على أن ما ورد في البيان السابق لم يكن يقصد الرئيس المكلف نجيب ميقاتي.
التوضيح ترك بعض الارتياح وخفّف من أجواء التشنج، لكن بالمحصلة، فإن اللبنانيين لن يصدقوا بعد اليوم أياً من التوقعات والتسريبات الإعلامية، حتى يشاهدوا الرئيس االمكلف بأعينهم ويسمعوه بآذانهم وهو يعلن عن تشكيلته الحكومية بالأسماء والحقائب.
مسعى اللواء إبراهيم
على أحر من الجمر كان اللبنانيون ينتظرون خبر تأليف الحكومة، رغم انشغالهم الكبير بالأزمات المتلاحقة التي تطال مختلف جوانب حياتهم في الصميم.
التسريبات الإعلامية كلها كانت قد أجمعت على أن الاتصالات والمشاورات التي جرت في الساعات الأخيرة والتي قادها اللواء إبراهيم، أسهمت إلى حد بعيد في حلحلة الكثير من العقد، وآتت ثمارها وأن البلاد باتت قاب قوسين أو أدنى من ولادة الحكومة العتيدة، لكن المشهد انقلب فجأة. وكالعادة، خرج «شيطان التفاصيل» من بين ثنايا عملية التأليف لينسف كل شيء ويعيد الأمور إلى بداياتها! والحديث مرة يكون عن عقدة وزارة الداخلية وأخرى عن وزارة الاقتصاد، فيما حقيقة التعطيل في مكان آخر!
زيارة الوفد الأميركي
التفاؤل بقرب ولادة الحكومة كانت قد عززته معطيات عديدة أبرزها زيارة وفد لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي برئاسة السناتور كريس مورفي لبيروت والتي استمرت يومين وتخللتها لقاءات مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وعدداً من المسؤولين السياسيين بالإضافة إلى قائد الجيش العماد جوزف عون،
وكتب السناتور الديمقراطي عبر «تويتر» أن الهدف من الجولة الإقليمية التي شملت بيروت، هو «العمل على إيجاد حل للأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان وبناء جسور مع الحكومة الائتلافية الجديدة في إسرائيل.
وقبل مغادرته، عقد الوفد الذي ضم أيضاً السناتورين الديمقراطيين ريتشارد بومنثال وكريس فان هولن، مؤتمراً صحافياً في مطار بيروت الدولي، توقّع خلاله السناتور مورفي –بتفاؤل مفرط– تأليف الحكومة ربما بحلول «عودته إلى واشنطن»، مثنياً على إصرار المسؤولين اللبنانيين على إقامة الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها المقرر في أيار (مايو) 2022.
وكان لافتاً تطرّق الوفد إلى قضية استجرار النفط من إيران، حيث أعلن السناتور بلومنثال أن التعقيد يكمن في التوريد عبر سوريا، وأن الأميركيين يبحثون عن سبل لمعالجة الأمر، رغم «قانون قيصر»، وشدد على أنه لا ينبغي على لبنان الاعتماد على إيران لحل أزماته، خصوصاً عبر باخرة الفيول»، مؤكداً أن الإدارة الأميركية تعمل بنشاط «لحل أزمة المحروقات»!
ثمة من يرى في الزيارة استكمالاً للانعطافة الأميركية التي بدأت مع خطوة الإعلان عن استجرار النفط والكهرباء من مصر والأردن عبر سوريا، لقطع الطريق على إيران و«حزب الله»، فيما يرى فيها آخرون استعراضاً إعلامياً يستكمل «الهمروجة» التي قامت بها السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا، يوم اتصلت بالرئيس عون أثناء خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» في ذكرى عاشوراء الذي أعلن فيه إبحار أول سفينة وقود إيرانية باتجاه الأراضي اللبنانية، لتبلغه نية بلادها بدعم لبنان واستجرار الطاقة إليه عبر سوريا ومفاوضة صندوق النقد الدولي لمنح لبنان القروض التي ستساعده على الخروج من أزمته، وهي مفاوضات سيطول أمدها. أما خطوط الأنابيب بين مصر والأردن وسوريا فسيحتاج إصلاحها إلى أشهر إن لم نقل سنوات.
النفط الإيراني
في المقابل، أكدت مصادر موثوقة لـ«صدى الوطن» أن سفينة النفط الإيرانية الأولى أصبحت في المياه الإقليمية السورية وأنها باتت على مسافة ساعات قليلة من رسوّها في ميناء بانياس. فيما ترددت أنباء أخرى عن أنها أفرغت حمولتها منذ يومين في ميناء بانياس وقد بدأت الصهاريج السورية بتحميلها استعداداً للانطلاق بها نحو السوق اللبنانية حيث كان «حزب الله» قد أكد سابقاً أن الأولوية للمستشفيات والأفران ومحطات الكهرباء.
هذه الشحنة ستكون الأولى في سلسلة من البواخر التي تنوي إيران إرسالها إلى لبنان، حيث انطلقت السفينة الثانية من ميناء بندر عباس الإيراني منذ عدة أيام على أن تلحقها سفن أخرى.
ويُشار هنا إلى أن أزمة الوقود أدت إلى ارتفاع تعرفة أجرة النقل إلى 10 آلاف ليرة بعد أن كانت لا تتجاوز الألفي ليرة.
اتهامات متبادلة بالتعطيل
وبالعودة إلى ملف تشكيل الحكومة اللبنانية المنتظرة منذ أكثر من عام، نفت مصادر تيار «المستقبل» صحة التسريبات التي تتحدث عن حصة وزارية يطالب بها سعد الحريري في الحكومة المقبلة، مؤكدة أن الأخير مستمر في دعم جهود ميقاتي لتشكيل الحكومة «اليوم قبل الغد»، وأن الكتلة النيابية ستمنح الحكومة الجديدة الثقة من دون أن يكون لها أي مطلب.
وكانت أوساط قصر بعبدا قد أكدت أن الحكومة باتت في المربع الأخير في انتظار جواب الرئيس المكلف، بشأن حقيبة وزارة الاقتصاد التي ستكون أساسية في المرحلة المقبلة لجهة التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وأوضحت المصادر نفسها أن الرئيس عون ذلّل العقبات وأعطى الإجابات عن كل الأسئلة التي طرحها ميقاتي، ولكن حتى الساعة لا جواب و«نحن في الانتظار وقد مرّ أسبوع على آخر زيارة له للقصر الجمهوري».
ويوم الخميس الماضي، الذي كان يُفترض أن يكون موعد الإعلان عن تأليف الحكومة، أصدر مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية بياناً عالي النبرة أكد فيه أن الرئيس عون أعلن أكثر من مرة أنه لا يريد لا بصورة مباشرة ولا غير مباشرة الثلث الضامن، وأنه يكرر دعوته الجميع إلى «عدم إلصاق تهمة التعطيل بالرئاسة ولا بشخص الرئيس للتعمية على أهداف خاصة مضللة ما عادت تنطلي على الشعب، وأهدافها عدم الرغبة بتأليف حكومة وعدم القيام بالإصلاحات ورفض مكافحة الفساد وضرب مصداقية الدولة وتجويع اللبنانيين وإفقارهم»، وأضاف البيان، أن المطلوب هو التوقف عن اعتماد لعبة «التذاكي السياسي والخبيث الموازي للدهاء من خلال التغطية على مشاكل داخلية لدى هذا الفريق أو ذاك عبر سيل الاتهام والإدانة للرئيس»، ودعا البيان الجميع للارتقاء إلى أقصى درجات المسؤولية والإسراع في «إنقاذ الوطن والشعب».
لم يطل الوقت حتى جاء الرد من المكتب الإعلامي للرئيس المكلف، وبسقف مرتفع أيضاً، ليؤكد حرصه على مقاربة عملية تشكيل الحكومة وفق القاعدة الدستورية المعروفة، متوقفاً عند إصرار البعض على تحويل عملية تشكيل الحكومة إلى بازار سياسي وإعلامي مفتوح على شتى التسريبات والأقاويل والأكاذيب، «في محاولة لإبعاد تهمة التعطيل عنه وإلصاقها بالآخرين». وأضاف أن «هذا أسلوب بات مكشوفاً وممجوجاً»، مؤكدا أن «اعتماد الصيغة المباشرة أحياناً والأساليب الملتوية أحياناً أخرى لتسريب الأخبار المغلوطة لاستدراج رد فعل من الرئيس المكلف أو لاستشراف ما يقوم به لن تجدي نفعاً».
وجدد ميقاتي عزمه على المضي قدماً في عملية التشكيل وفق الأسس التي حددها منذ اليوم الأول وبالتعاون والتشاور مع رئيس الجمهورية، مطالباً في المقابل «بتعاون بناء بعيداً عن الشروط والأساليب التي باتت معروفة».
وأضاف البيان أن ميقاتي يجري لقاءات مختلفة لتشكيل الحكومة ولم يلتزم بأي صيغ نهائية مع أحد إلى حين إخراج الصيغة النهائية للحكومة و«كل ما يقال عكس ذلك كلام عار عن الصحة جملة وتفصيلا»ً.
وكان ميقاتي قد شارك مؤخراً في لقاء رؤساء الحكومات السابقين الذين طالبوا بمحاكمة رئيس الجمهورية على خلفية انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس) 2020.
محاولات ترقيع
أصداء البيانات والبيانات المضادة لم تتوقف عند عرقلة التشكيل، بل ترددت بقوة في الشارع اللبناني وتُرجمت إحباطاً و«خضّة سياسية» ستنعكس –كالعادة– على سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي الذي عاود الارتفاع بعد أن شهد في الأيام السابقة انخفاضاً ملحوظاً بوصوله إلى نحو 17,500 ليرة.
وفي إطار محاولات الترقيع المستمرة، أشار رئيس لجنة المال والموازنة في البرلمان، النائب إبراهيم كنعان، إلى أن هناك أجواء جدية لتعديل سعر الصرف الرسمي للسحوبات الشهرية للمودعين، وأن لجنة المال التي يترأسها تدفع باتجاه الحفاظ على الحد الأدنى من حقوق الناس.
وفي سياق المساعي لإيجاد حلول لأزمة الدواء، أعلن وزير الصحة حمد حسن عن إطلاق البطاقة الدوائية معتبراً أنها حلقة متكاملة لتتبع ورصد الأدوية بدءاً من بلد التصنيع مروراً بالجمارك وصولاً إلى المريض.
كذلك أصدر وزير الاقتصاد أمراً يلزم فيه أصحاب المولّدات بتركيب عدادات إلكترونية للمشتركين وعلى نفقتهم الخاصة.
وفي السياق عينه، تستمر حملات دهم المستوعات في غير منطقة لبنانية، ولا يكاد يمر يوم إلا ويضبط فيه العديد منها ليتبين أنها تحتوي على كميات كبيرة من الأدوية المفقودة من السوق.
وتجري ملاحقة أصحاب تلك المستودعات وفق ما ينص عليه القانون. وفي شأن متصل، ادّعى مدعي عام البقاع، القاضي منيف بركات، على الشقيقين مارون وإبراهيم الصقر بجرائم الاحتكار والتخزين وتبييض الأموال التي تصل عقوبتها إلى السجن لمدة سبع سنوات.
«طبخة بحص»
ومع إعداد هذا التقرير، يستمر تواتر المزيد من الأنباء عن أن كل الآمال بتأليف الحكومة في المدى المنظور قد تلاشت، وإن كانت بعض الجهود المستمرة لوضع قطار الحل على سكته الصحيحة وإن كانت «مخلخلة» وفيها الكثير من الحفر وربما الألغام.
فالأمل الوحيد لوقف انهيار لبنان يكمن في تشكيل حكومة جديدة لأنها الجهة الرسمية الوحيدة القادرة على تنفيذ بعض المشاريع التي قد تخفّف أزمة المواطن عبر توفير الكهرباء والمحروقات والطحين والأدوية وغير ذلك من مستلزمات الحياة الضرورية التي فقدها اللبنانيون وباتوا يعانون الأمرّين للحصول عليها.
كما أن الحكومة هي السلطة الرسمية الوحيدة القادرة على التفاوض مع المجتمع الدولي، وبالتالي توفير القروض والمساعدات.
كل تلك الآمال تلاشت مؤقتاً وعادت مسألة التشكيل إلى نقطة الصفر، يبدو أن «طبخة البحص» لم تنضج بعد، في انتظار معجزة أو «كلمة سر» من مكان ما، تحدث خرقاً في جدار الأزمة!
Leave a Reply