«صدى الوطن» تحاور المنسّق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان
وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
في غمرة الحديث المتنامي حول منظمات المجتمع المدني ودورها عموماً في البلدان التي تعاني من عدم الاستقرار على الصعد الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، مثل لبنان، التقت «صدى الوطن» المنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان، والرئيس المؤسس لمؤسسة «عامل»، الدكتور كامل مهنا، وأجرت معه الحوار التالي:
¶ من المعروف أن تمويل منظمات المجتمع المدني يترافق مع أجندة يُطلب تنفيذها، وأحياناً تشكل «حصان طروادة» لتدخل الجهة الممولة في قضايا سياسية. ما تعليقكم على ذلك؟ علماً بأن الجميع يعرف أن خدمات مؤسسات «عامل» الصحية والإنسانية تمتد على جميع الأراضي اللبنانية، وأنها لا تتدخل في السياسة.
□ لست في معرض الدفاع عن مؤسسة «عامل»، وسط الهجمة العارمة على المجتمع المدني، التي ترافقت مع الحراك الشعبي الذي انطلق في 17 تشرين الأول 2019. فالجميع في لبنان يعرف ما تقوم به المؤسسة من أنشطة على المستويين الصحي والتنموي، حتى الذين ينتقدون ما يسمى «أن جي أو»، يدركون الفرق بين ما يقصدون من جمعيات، والدور الذي تؤديه مؤسسة «عامل» التي تعمل تحت الشمس وبشفافية تامة. وهنا، لا أريد أن أخرج مؤسسة «عامل» وحدها من دائرة الاتهام. ولكوني المنسق العام لتجمع الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان الذي يضم 12 هيئةً تعمل جميعها في الشأن العام منذ زمنٍ طويلٍ، وهي معروفة لدى الناس، فإنني أرفع الصوت عالياً مستنكراً باسم هذه الهيئات أخذ «الصالح بعزا الطالح»، فبدلاً من أن يُقدَّر الدور الذي لعبته وتلعبه الهيئات «النظيفة» على مستوى الإغاثة والتنمية طوال سنين صعبة، قبل موجة الـ«أن جي أو» الحديثة العهد، والرائجة بشكل غريب، في السنوات الأخيرة.
¶ ما هو نوع العوائق التي تواجهونها أثناء تأدية عملكم، لا سيما أن لبنان بات يُصنف بين المناطق غير المستقرة؟
□ بعيداً عن التهم والمتهِمين، هناك حقائق لا بدّ من ذكرها في هذا المجال، فنحن كمجتمع مدني في لبنان، نواجه مجموعة من المعوقات منها:
1– ثغرة في تبلور دور مستقل عن الدولة وعن البنى التقليدية الموروثة، ومستقل عن الجهات الخارجية الداعمة.
2– محاولة الأنظمة الالتفاف على دور المجمتع المدني، فتقوم بتشكيل مؤسسات غير حكومية/حكومية تابعة لها ترفع شعارات متعلقة بحقوق الإنسان لاستقطاب التحويلات المالية والعمل على إجهاض دور المجتمع المدني.
ثمة دول تحاول الدخول إلى الساحة السياسية اللبنانية، من خلال دعم جمعيات تدين لها وتنفذ سياستها، عبر علاقات فوقية، وتحت شعارات التنمية المستدامة وحقوق الإنسان. وقد باتت عادة مدّ اليد للخارج أقرب إلى نوع من التسول السياسي الرائج، الذي يعتمد على صيغة التبادل الآتية: «أعطني مالاً وخذ مني كل ما تريد».
ونحن في مؤسسة «عامل» رفضنا هذه المعادلة جملةً وتفصيلاً، لأننا ضد تكريس التسلط من أي جهةٍ أتى، وهدفنا تنمية الحس الوطني والنهوض بالمجتمع اللبناني، لا تحويله إلى مجرد أوراق ضغط لدى أي دولة أو جهة مستبدة، تتعامل مع بعض الجمعيات كبيادق على رقعة شطرنج. نحن بصراحة نرفض أن يدرج المتضررون من حراك الشارع اللبناني، الخائفون على سلطتهم، كل الهيئات والمنظمات والمؤسسات التي يتشكل منها المجتمع المدني اللبناني في سلة واحدة، ليكيلوا لهم التهم دفعة واحدة، ويدفنوا كل الأصوات التي تدعو إلى بناء مجتمع ديمقراطي. نود أن يميز المجتمع اللبناني بين الجمعيات الوطنية الإنسانية التي كرّست تجارب ناجحة، أفادت كل شرائح المجتمع، وبين تلك المنظمات التي نبتت كالفطرعلى إنجازات غيرها، مستغلةً الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان، والفوضى العامة، فأساءت إلى سمعة المجتمع المدني الذي تتفانى مؤسساته في خدمة الناس بعيداً عن المصالح الضيقة.
لم تولد مؤسسة «عامل» في ظل الظاهرة المنتشرة بقوة اليوم تحت عنوان «أن جي أو» فقد تخطى عمرها 40 عاماً من العمل المتواصل في معظم المناطق اللبنانية، وفي أشد الظروف صعوبة، وبقينا في كل المراحل والظروف محافظين على وطنيتنا واستقلاليتنا من أجل المواطن الإنسان، دون النظر إلى أي طائفة أو منطقة انتمى، وبالتالي لا يمكن أن نكون بأي حال من الأحوال «حصان طروادة» لأحد. أما لجهة التعامل مع الخارج، فمن المعروف أن «عامل» من أكثر الهيئات الإنسانية اللبنانية والعربية التي تواصلت مع منظمات من دول الغرب، إلا أنها نتيجة خياراتها الكفاحية أصبحت تشكل رأس حربة في مواجهة سياسة الغرب الاستعمارية، وثقافة منظمات المجتمع المدني الغربي التي اعتادت نهج الإملاءات، ورفعنا شعار «شركاء لا أوصياء» واعتمدنا مهمة محاربة ازدواجية المعايير في العمل الإنساني، فهناك –قبل أي أمر– الالتزام بقضايا الشعوب العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كذلك العمل مع الفئات الشعبية والالتزام بالنضال من أجل توزيع عادل للثروات حتى لا يظل الفقراء يزدادون فقراً والأغنياء غنًى.
رؤية العمل الإنساني التي تلتزم بها مؤسسة «عامل» تجعلها تتبنّى قضايا إنسانية كبرى على رأسها قضية شعب فلسطين وحقه في العودة إلى وطنه، وكل عمل إنساني لا تكون فلسطين على رأس اهتماماته يخسر طابعه المدني الذي جوهره الإنسان.
في الحقيقة، إن المجتمع المدني من دون سياسة ولا صراع من أجل الحرية والديمقراطية يبقى بعيداً عن الواقع، والمعنى الحقيقي للمجتمع المدني الذي يقوم أساساً على حالة نقدية تعتمد على فهم البنى السياسية إلى جانب فهم البنى الاقتصادية.
¶ هلّا قدمت لنا نبذة عن أنشطة المؤسسة السابقة وما مشاريعها المستقبلية، وهل تنوي توسيع مشاريعها؟
□ بدأت «عامل» مسيرتها منذ أربعة عقود ونيّف في الأحياء الشعبية وفي ظل الحرب الأهلية اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي، وسعت بكل قوتها إلى تكريس مفهوم السلام العادل والمواطنة وحقوق الإنسان، ومتوجهةً في ظل العولمة الاقتصادية إلى التركيز على النضال من أجل توزيع عادل للثروات، وبناء مجتمع العدالة والمساواة والتصدي للاستعمار الجديد بكل أشكاله، والإسهام في كل مشاريع التنمية التي تعود بالفائدة على المواطنين وأجيال المستقبل. ومنذ ولادتها وجدت نفسها شريكةً لعدد من الهيئات المدنية والأهلية الكبرى العاملة في لبنان. وقد حازت هذه الهيئات خلال فترة الحرب العصيبة رصيداً كبيراً. وعلى الرغم من قسوة الحرب والمحاربين وفي ظل الواقع التقسيمي الذي كان قائماً خلال الحرب الأهلية، أسهمت الهيئات الأهلية وبِنى المجتمع المدني في منع تفكك المجتمع، فاستمر الناس في البقاء، ولم تحدث مجاعات، وتحملت هذه الهيئات، ونحن منها، مسؤولية تاريخية خلال هذه الأعوام، في ظل الشلل الذي أصاب القطاع العام، وعملت بفعالية كبيرة رغم ضآلة إمكاناتها.
إذن، تأسست «عامل» في ظل هذه الظروف، وفي أعقاب الغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1978 ، وبدأت بنشر مراكزها في مختلف المناطق اللبنانية، حتى بات لها اليوم 25 مركزاً، ولا نبالغ إذا قلنا إن مؤسسة «عامل» تعمل عكس التيار السائد، فانتشار مراكزها في كل الأراضي اللبنانية يعبّر عن موقفها الوطني المستقل، إذ لدينا مراكز في كلٍ من عين الرمانة والشياح ومرجعيون وحاصبيا (التي تضم جميع مكوّنات المجتمع اللبناني)، ولدينا خمسة مراكز في كلٍ من كفر شوبا والفرديس وجديدة مرجعيون وإبل السقي والخيام، وكذلك في عرسال وكامل اللوز وعكار والأشرفية وبرج حمود، كما توجد عدة مراكز تهتم باللاجئين العراقيين والسودانيين والفلسطينيين والسوريين…
وتحاول «عامل» اليوم أن تلعب دور المحرك في لبنان، فهي مقبولة من الجميع لكونها جمعية مدنية لا طائفية، ولكونها ترفض الانضواء تحت عباءة القوى السياسية، وهذه مهمة صعبة. وقد اختارت كاستراتيجية لها:
1– شعار التفكير الإيجابي والتفاؤل المستمر.
2– نهج الثلاث ميمات: مبدأ، موقف، ممارسة.
3– توثيق العلاقة بالأصدقاء وتحويل المحايدين إلى أصدقاء وتحييد الخصوم.
وتحرص مؤسسة «عامل» على العمل في المناطق بأخلاقية «التضامن لا الشفقة وبدون منة ولا ارتهان» لتعزيز ثقافة الحقوق، وإشراك المرأة في الحياة العامة، وتأهيل الشباب لتحمّل المسؤوليات القيادية. ومنذ تأسيسها يمثل التطوع العمود الفقري لاستراتيجيتها. وفي عام 2010 باتت «عامل» جمعية دولية مقرها جنيف، وفي هذا السياق نتشارك في تنفيذ برامج مشتركة مع جمعيات في مصر والأردن وسويسرا وفرنسا…
وفي 6 تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2020، انتُخبت مؤسسة «عامل الدولية» لعضوية الهيئة القيادية لتجمع الصحة العالمي في جنيف.
لا بدّ من التأكيد أن كل حضور دولي للمؤسسة، وكل إنجاز تحققه، إنما يصب في مصلحة الناس البسطاء والشعوب المقهورة حول العالم ودعم قضاياهم المحقة، وفي مقدمتها قضية فلسطين. لقد واجهت «عامل» مثل كل الهيئات الفاعلة على الساحة اللبنانية صعوبات كثيرة منذ نشأتها، وقدمت خلال الحرب الأهلية الكثير من الشهداء، وكثيراً ما كنا نعاني شحاً في الإمكانات.
¶ هل تأثر تمويل المؤسسة بالأزمة العالمية التي نتجت عن جائحة كورونا؟
□ لا شك في أن الأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم كله في ظل جائحة كورونا تركت أثرها البالغ في الكثير من المؤسسات الداعمة، وبالتالي أثرت علينا، غير أننا منذ سنوات ونحن نؤمّن تغطية جزء من أنشطتنا من خلال ما ذكرته من رسوم رمزية، ومن خلال حفل عشاء سنوي واستثمارات مختلفة. فالصعوبات تقوّينا ولا تضعفنا، وكل التطور الذي شهدته المؤسسة من انطلاقتها المتواضعة في أحد أحياء بيروت أثناء الحرب، إلى أن صارت مؤسسة دولية تنقل تجربتها إلى الغرب بدلاً من أن تنسخ تجاربه، وسط كل أنواع الصعوبات، وسوف تستمر رغم كل ما يحصل في لبنان اليوم من انهيارات متشعبة ومتتالية جعلت 83 بالمئة من الشعب اللبناني عند خط الفقر أو تحته. واجبنا أن نبقى مع أهلنا ومواطنينا لنساعدهم بكل ما أوتينا من قوة.
Leave a Reply