وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
بعد نحو أربعة عشر شهراً من الفراغ وأكثر من شهر على تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، تم توقيع مراسيم تأليف الحكومة اللبنانية، بتسهيل داخلي ودفع خارجي، وسط ضغوط أميركية وأوروبية لعدم إخلاء الساحة لإيران وحلفائها وعلى رأسهم «حزب الله».
فقبل أيام قليلة من التأليف، جرى اتصال بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أقر سيد الإليزيه عبره بضرورة التفاهم مع طهران وحق «حزب الله» بالمشاركة في الحكومة التي يُسرت ولادتها بعد مخاض عسير وصل إلى حد احتمال اعتذار ميقاتي.
إثر توقيع المراسيم، الذي تم بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، خرج رئيس الحكومة واعداً اللبنانيين ببذل كل الجهود الممكنة لوقف الانهيار وإعادة لبنان إلى الحضن العربي وبالتفاوض مع المجتمع الدولي للحصول على القروض الموعودة والهبات وتوفير الحد الأدنى المطلوب من الخدمات.
تشكيلة الحكومة
على عكس سابقتها التي ضمّت ست سيدات، اتسمت الحكومة الجديدة التي تضم 24 وزيراً، بصبغة ذكورية خالصة، باستثناء نجلا رياشي، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. وقد أتت التشكيلة كما يلي: نجيب ميقاتي رئيساً، سعادة الشامي نائباً لرئيس الحكومة، عبد الله بو حبيب وزيراً للخارجية والمغتربين، عباس حلبي وزيراً للتربية والتعليم العالي، جورج قرداحي وزيراً للإعلام، هنري خوري وزيراً للعدل، جورج كلاس وزيراً للشباب والرياضة، العميد موريس سليم وزيراً للدفاع، عصام شرف الدين شهيب وزيراً للمهجرين، يوسف خليل وزيراً للمالية، نجلا رياشي وزيرة دولة لشؤون التنمية الإدارية، هيكتور الحجار وزيراً للشؤون الاجتماعية، جورج بوشكيان وزيراً للصناعة، وليد نصار وزيراً للسياحة، بسام مولوي وزيراً للداخلية والبلديات، فراس الأبيض وزيراً للصحة العامة، وليد فياض وزيراً للطاقة والمياه، محمد وسام مرتضى وزيراً للثقافة، ناصر ياسين وزيراً للبيئة، مصطفى بيرم وزيراً للعمل، عباس الحاج حسن وزيراً للزراعة، علي حمية وزيراً للأشغال العامة والنقل، وأمين سلام وزيراً للاقتصاد والتجارة.
باستثناء البعض، جاءت غالبية الأسماء بالنسبة إلى بعض اللبنانيين، غير مشجّعة ولا تبشّر بالخير، فأصحابها يمثلون المنظومة السياسية نفسها التي أدت إلى الانهيار الحالي، وعلى رأس تلك المنظومة نجيب ميقاتي نفسه، الذي ضجت مواقع التواصل بالاعتراض والتهكم على تكليفه أولاً ثم تأليفه لاحقاً، على خلفية ملف قروض الإسكان الشهير الذي يُتهم به ميقاتي، إضافة إلى ملف الاتصالات مع شقيقه طه ميقاتي، ويتساءل اللبنانيون كيف يمكن لمن كان ركناً بارزاً من أركان السلطة التي أدت إلى الخراب والانهيار الذي يعيشونه أن يحمل لهم الخلاص وطوق النجاة؟
والجدير ذكره أن عمر هذه الحكومة لن يتجاوز الأشهر الثمانية في أفضل الأحوال، أي إلى حين موعد إجراء الانتخابات النيابية والبلدية التي شدد ميقاتي على إجرائها في موعدها.
هي مدة غير طويلة بالمقياس الزمني، لكن في حال صدقت النيات واتّسمَ العمل بالجدية بعيداً عن الفساد المعهود والمحاصصة، تكفي لتحقيق الجزء الأكبر من الوعود التي قُطعت لتحسين الوضع المتدهور على الصعد كافة. كذلك لم يسلم بعض الوزراء الجدد من حملات السخرية والتعليق التي طالت جوانب مختلفة من حياتهم.
البيان الوزاري
في جلستها الأولى التي عُقدت يوم الخميس الماضي (مع إعداد هذا التقرير)، ناقشت الحكومة الجديدة المسودة الأخيرة للبيان الوزاري لإقرارها وإحالتها إلى مجلس النواب الذي سيقرها بدوره يوم الإثنين المقبل تمهيداً لمنح الثقة للحكومة التي يتوقع أن تنالها بتسعين إلى خمسة وتسعين صوتاً.
مسودة البيان الوزاري مكونة من ثماني صفحات، تمثلت كل القوى السياسي في صياغتها، كما تم إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليها بناء على طلب الوزراء، في ما خلا بعض التعديلات التي أجريت لاحقاً في قصر بعبدا بحضور الرئيس عون من قبيل اختيار الصيغة الملائمة التي ستُعتمد في ما يتعلق بإعادة إصلاح وهيكلة القطاع المصرفي، إضافة إلى موضوع الحصانات المرتبط بالتحقيقات الجارية في انفجار مرفأ بيروت حيث اعتمدت عبارة تأكيد التعاون بين الحكومة ومجلس النواب في كل ما يقتضيه القانون والوصول إلى الحقيقة.
كذلك أكدت الحكومة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها مع الانتخابات البلدية لكن موضوع اقتراع المغتربين تحتاج صياغته إلى مراجعة وإشراكهم في الانتخابات ليس مؤكداً هذه المرة. أما في ملف الكهرباء فقد جرى التأكيد على الخطة التي تتضمن استجرار الطاقة والطاقة البديلة وبناء معامل، وفيما يتعلق بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي فقد شددت الحكومة على الندية في التعاطي مع الصندوق وأُضيفت عبارة «وفقاً للأولويات» التي تقتضيها المصلحة الوطنية.
إذاً، وبعد أن أقر مجلس الوزراء بيانه، توجّه الرئيس ميقاتي وكذلك وزير المال يوسف خليل إلى قصر بعبدا حيث أبلغ وزير المال رئيس الجمهورية والرئيس ميقاتي بأنه سيوقع يوم الثلاثاء المقبل عقد التدقيق الجنائي وقد أعطى تعليماته لديوان المحاسبة للاستعداد للمباشرة بعملية التدقيق.
ترحيب دولي
تأليف الحكومة اللبنانية لاقى ترحيباً واسعاً في الأوساط العربية والدولية، مع التشديد على تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها الحكومة، واعتبرت فرنسا على لسان رئيسها ماكرون أنها «خطوة لا غنى عنها من أجل اتخاذ تدابير طارئة ينتظرها اللبنانيون لإخراج بلدهم من الأزمة العميقة» التي يشهدها.
المتحدث باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، بدوره، قال إن تأليف الحكومة بعث الأمل في اتخاذ إجراءات عاجلة لتلبية الاحتياجات الماسة والتطلعات المشروعة للشعب اللبناني. أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس فاعتبر أن تأليف حكومة جديدة في لبنان يمثل «خطوة بالغة الأهمية» للبلاد، متمنياً «كامل التوفيق» لرئيسها نجيب ميقاتي.
بدورها، تفاعلت بريطانيا مع إعلان تأليف الحكومة، حيث قال وزير الخارجية دومينيك راب على «تويتر» إن لندن تدعم الحكومة اللبنانية الجديدة «برئاسة رجل الأعمال «السني» نجيب ميقاتي، لكن لا بدّ من رؤية تحرك ملموس».
وصول الوقود الإيراني
بعد نحو شهر من خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» الذي أعلن فيه المباشرة باستقدام الوقود من إيران، وصلت السفينة الأولى محملة بالمازوت وأفرغت حمولتها في ميناء بانياس السوري، وفجر الخميس الماضي، دخلت القافلة الأولى المؤلفة من 80 صهريجاً إلى الأراضي اللبنانية وحطت رحالها في مدينة بعلبك والجوار، لتخزين حمولتها في خزانات أعدتها شركة محطات «الأمانة» كخطوة أولى قبل توزيعها على المؤسسات المستهدفة.
الحمولة الاجمالية التي وصلت إلى بعلبك تقدر بأربعة ملايين ليتر على أمل وصول كامل حمولة الباخرة تباعاً خلال الأيام المقبلة. واكب القافلة ميدانياً مسؤولون في «حزب الله»، كما رافقتها سيارات إسعاف «الهيئة الصحية الإسلامية» و«الدفاع المدني». وعلى الرغم من إعلان قيادة الحزب في البقاع، إلغاء جميع الاحتفالات والاستقبالات التزاماً بالبيان الصادر عن السيد نصرالله، إلا أن الطرقات العامة امتلأت بالأهالي الذين تقاطروا وتجمعوا لمشاهدة الحدث الذي منحهم الأمل بانفراجة ولو بسيطة لأزمة المحروقات التي تعيشها البلاد. كما رفعت على امتداد الطرق الرئيسية والساحات التي سلكتها قافلة الصهاريج اللافتات والأعلام اللبنانية وصور نصرالله وشعارات «حزب الله» فيما صدحت مكبرات الصوت بالأناشيد والأهازيج الوطنية ووزعت الحلوى والمياه ونثرت النسوة الورود والأرز على الصهاريج في أكثر من مكان، مع تسجيل بعض حوادث إطلاق النار في الهواء ابتهاجاً.
وبالتزامن مع وصول حمولة القافلة الأولى التي وُسمت بشعار «كسر الحصار الأميركي» أطلق عبر وسائل التواصل الاجتماعي وسم بعنوان «قافلة الوعد الصادق».
آلية التوزيع
آلية توزيع الدفعة الأولى من المازوت الإيراني، ستشمل جميع المناطق اللبنانية مع إعطاء الأولوية لمستشفيات القطاع العام ودور العجزة والأيتام والبلديات الفقيرة، مجّاناً، وفي سعي لمنع احتكار هذه الكمية من المازوت سيكون التوزيع حصراً بيد شركة «الأمانة» وصهاريجها أو صهاريج محددة تتعاقد معها الشركة، كما أن بعض القطاعات الحيوية سيستفيد مجاناً من هذا المازوت وفقاً لإحصاءات أجريت شملت كل المناطق.
وإذا كان استقدام المازوت الإيراني لن يحل المشكلة جذرياً فإنه من دون شك أحدث كوّة في جدار الأزمة وأسهم في إيجاد فرص عمل لكثيرين من العاطلين من العمل في ظل الأزمة الاقتصادية.
إذاً، الباخرة الأولى من الوقود الإيراني وصلت إلى لبنان على أن تتبعها قوافل أخرى تحمل البنزين والمازوت أيضاً. ربما لن تغطي الحاجة الكاملة للسوق اللبنانية لكنها على الأقل ستسهم في زيادة ساعات التغذية الكهربائية وفي تراجع حدة الطوابير.
يُشار إلى أن المديرية العامة للنفط أبلغت الشركات المستوردة للنفط أنه سيسمح لها بتسليم المحطات بناءً على جدول الأسعار الجديد الذي سيصدر نهار الجمعة (مع صدور هذا العدد) علماً أن أسعار البنزين ستبقى مدعومةً فيما اتُخذ القرار برفع الدعم عن المازوت وستصبح تسعيرته بالدولار (540 دولاراً للطن الواحد) ليُرفع الدعم تدريجياً ونهائياً عن البنزين مع نهاية هذا الشهر.
حان وقت التسويات؟
بضغط خارجي واضح، وبتوافق إقليمي، تشكلت الحكومة في لبنان، وبعد مناكفات وعملية عض أصابع طال أمدها وكادت تفقد الللبنانيين الأمل بتأليف حكومة تنتشلهم من قعر الهاوية، حصل رئيس الجمهورية (حليف «حزب الله») بنحو ضمني غير معلن على الثلث المعطل الذي لطالما تأخر تأليف الحكومة بسببه، و«حزب الله» استقدم الوقود من إيران وكسر العقوبات الأميركية، كذلك فعلت كل من سوريا وإيران، وقد وعد السيد نصرالله بالمزيد والمزيد خلال الأيام المقبلة.
هذه التطورات، شكلت مؤشراً لا لبس فيها على تراجع إضافي لدور واشنطن في الشرق الأوسط، وذلك على وقع الانسحاب الأميركي المرير من أفغانستان. لكن ما هي الخطوة التالية؟ هل ستمتص واشنطن الصفعة بهدوء، أم ستسعى إلى ردّها لاسترداد هيبتها المهدورة من بندر عباس مروراً ببانياس وصولاً إلى مدينة الشمس بعلبك؟ ربما يكون زمن التسويات والصفقات قد آن أوانه!
Leave a Reply