وليد مرمر – لندن
خبران متناقضان متنافران لفتا نظر المراقبين يوم الخميس الماضي: الأول هو إنجاز القوى الأمنية سحب الكميات المُحتَكَرة من البنزين والمازوت من المخازن غير الشرعية وغير الموافقة لأبسط شروط السلامة العامة والتي يملكها القيادي في حزب «القوات اللبنانية»، تاجر المحروقات الفار من العدالة، إبراهيم الصقر، وشقيقه مارون. والمشهد الثاني هو وصول عشرات الصهاريج المحملة بالمازوت الإيراني الذي استقدمه «حزب الله» إلى لبنان والذي سيوَزّع جزء كبير منه مجاناً على المستشفيات والبلديات والمرافق العامة!
الكميات المُحتَكَرة في خزانات «السيادي» المتواري عن الأنظار، إبراهيم الصقر، قُدّرت بحوالي المليوني ليتر (80 صهريج) وهو عدد يقل قليلاً عن الصهاريج الـ104 التي استقدمتها المقاومة من إيران –الخميس الماضي– لمساعدة الشعب اللبناني في تجاوز أزمة الوقود!
وحسب الخبراء، فإن تلك الكميات المُحتكرة كانت ستؤدي في حال اشتعالها إلى كارثة تكاد تكون غير مسبوقة. وبالمقارنة بكمية البنزين التي انفجرت في محلة «التليل» والتي أدت إلى وقوع عشرات الضحايا من القتلى والجرحى، كان مقدارها لا يتجاوز أربعة آلاف ليتر فقط!
وفي حين أن الصقر كان قد قرر بيع البنزين في محطاته– حسب منشور في صفحته على الفيسبوك– لأفراد ومناصري «القوات اللبنانية» فقط، فقد قرر أمين عام «حزب الله» منح المازوت أو بيعه لكل المواطنين اللبنانيين على كافة الأراضي اللبنانية ومن دون تمييز بين المناطق أو الولاءات.
ورغم أن السيد نصرالله كان قد طلب من المواطنين إلغاء مظاهر الابتهاج لدى استقبال قافلة الوقود فقد تداعت الحشود في منطقة البقاع للترحيب بقافلة «كسر الحصار»، وأطلقت النسوة الزغاريد ونثرت الورود والأرز على الصهاريج التي أطلقت أبواقها لمشاركة الناس فرحتهم، وسط رفرفة الأعلام اللبنانية وصور السيد نصرالله ورايات «حزب الله».
ولقد أشار النائب في عضو كتلة «الوفاء للمقاومة»، حسين الحاج حسن، إلى أنّ ما حدث ما هو إلا «انتصار للمقاومة كما أن له أبعاداً سياسية واقتصادية ومعنوية»، مضيفاً «أنّ أميركا تشعر بالخيبة والعجز أمام صور كسر الحصار وهي تتابع ما جرى في لبنان بعجز».
فهل وقفت الولايات المتحدة عاجزة كما أسلف الحاج حسن وهي ترى لبنان يقترب من اكتمال الدوران في الفلك الإيراني؟ ليس تماماً…
فعلى وقع وصول قافلة النفط الإيراني إلى لبنان وما سيتبعها من سفن أخرى محملة بالبنزين والمازوت، والتي اعتبرها الكثيرون انتصاراً مدوياً لمحور المقاومة، وفي محاولة لمنع تقريشها سياسياً على امتداد الجغرافية اللبنانية، وبغية امتصاص وقع هذه الضربة الموجعة وبأقل الخسائر الممكنة، بدا واضحاً أن السفيرة الأميركية، دوروثي شيا، قد أوعزت لوديعتها في الدولة اللبنانية «العميقة»، رياض سلامة، لفتح اعتمادات «مفاجئة» للشركات المستوردة للنفط لاستيراد سبع شحنات مازوت وبنزين تنتظر في المياة اللبنانية منذ فترة وبسعر مدعوم على ثمانية آلاف ليرة للدولار! وهو الأمر الذي كان سلامة قد رفضه قطعيا ًبحجة أن الوقود المدعوم سيباع في السوق السوداء وسيتم تهريبه إلى سوريا. ولكن من أجل عيون شيا، تكرم كل العيون!
ويُذكر أن من «بركات» ناقلة النفط الإيرانية أيضاً، كان قرار الإدارة الأميركية –الأسبوع الماضي– بمساعدة لبنان في استجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا رغم «قانون قيصر» إضافة لاستيراد الغاز المصري عبر سوريا لتغذية محطات الكهرباء.
وهذا ما عبر عنه النائب السابق، إميل إميل لحود، في بيان له شاكراً «إيران على هذه المساهمة التي كان لبنان بأمس الحاجة إليها وسوريا التي من دون أي مراجعة وقفت إلى جانب لبنان كما عادتها من دون تمنين». وأضاف لحود أن «هذه الخطوة سهلت أمور الناس والأهم أنها دفعت الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة النظر بتعاملها مع لبنان بل هي قامت بردة فعل سريعة عبر السماح باستجرار الغاز كما ساهمت في حلحلة الأمور وولادة الحكومة وتراجع سعر الدولار».
ولكن لماذا لم يتم اعتراض الناقلة الإيرانية في أعالي البحار من قبل أميركا أو إسرائيل؟
إن معاهدة قانون البحار تشدد على حرية التنقل في البحار الدولية من دون أية إعاقة وهذه المعاهدة ترعى حق الدول في التنقل في البحار والمحيطات منذ الحرب العالمية الأولى وخصوصاً «الحرية المطلقة للملاحة في البحار خارج المياه الإقليمية في السلام وفي الحرب على حد سواء». وأيضاً، شدد قانون البحار التابع لاتفاقية الأمم المتحدة على مفهوم «حرية البحار» وبأن «أعالي البحار مفتوحة لجميع الدول، سواء أكانت ساحلية أم غير ساحلية».
ولقد قامت إيران سابقاً بإرسال سفن عديدة محملة بالنفط والسلاح إلى فنزويلا ماخرة عباب الأطلسي في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة في أميركا الجنوبية.
وغالباً ما كانت سفن حربية واستخباراتية إيرانية ترافق ناقلات النفط. أما فيما خص سفينة النفط التي رست في ميناء بانياس منذ أيام فأغلب الظن أنها كانت تبحر وحيدة وغير آبهة باعتراضها من أحد وذلك أن سيد المقاومة كان قد فرض قواعد اشتباك جديدة عندما أعلن في كلمة متلفزة له أن السفن المحملة بالنفط والتي ستبحر من إيران إلى لبنان ستعتبرها المقاومة «أرضاً لبنانية»!
وفيما تتابع الناقلة الإيرانية «فاكسون» تفريغ حمولتها من المازوت البالغة 33 ألف طن والتي سيتطلب نقلها إلى لبنان حمولة أكثر من ألف وثلاثمائة شاحنة، بدا جلياً أن «حزب الله» –مع سوريا وإيران– قد نجح في تسديد هدف قاتل في مرمى خصومه مشكلاً صدمة في الواقع المحلي والإقليمي المتدهور، ومحفّزاً معظم اللاعبين الدوليين والإقليميين والمحليين على محاولة مجاراة هذا الخرق في جدار الأزمة اللبنانية المستفحلة.
أمام كل ذلك، كشفت بعض الأصوات الشاذة عبر السوشال ميديا، مثل النائب السابق سامي الجميل والوزيرة السابقة مي الشدياق، والإعلامية ديما صادق، ومن شابههم، عن مقدار الحنق والغيظ اللذين أصابهم لدى رؤية نجاح محور الممانعة في فرض قواعد إقليمية جديدة.
لكن في المقابل، رحب معظم اللبنانيين بخطوة استيراد الوقود الإيراني والتي اعتبروها مقدمة لكسر الحصار الأميركي واصفين إياها بالانتصار الذي سيؤسس لقواعد وتوازنات جديدة في المنطقة في هذه المرحلة من الحرب الاقتصادية المؤلمة.
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply