واشنطن
تقف الولايات المتحدة عند منعطف طرق خطير، بحسب الخبراء الاقتصاديين، وسط انقسام حزبي حاد حول رفع الحد الأقصى للدين الفدرالي، وإقرار الموازنة العامة للسنة المالية الجديدة التي تبدأ مطلع تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
وإذ تمكنت الأغلبية الديمقراطية، يوم الثلاثاء الماضي، من إقرار تشريع في مجلس النواب من شأنه منع إغلاق الحكومة الفدرالية وتعليق سقف الاستدانة، فإن الإجراء الذي تم تمريره على أساس حزبي بـ220 صوتاً مقابل 211، قد يصطدم بجدار الحزب الجمهوري في مجلس الشيوخ المنقسم بالتساوي بين الحزبين.
ولاجتياز مجلس الشيوخ ضمن المهلة المحددة، يحتاج مشروع القانون إلى ما لايقل عن عشرة سناتورات جمهوريين وجميع الديمقراطيين لرفعه إلى الرئيس جو بايدن لتوقيعه قبل بداية السنة المالية الجديدة.
وقال كل أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين تقريباً إنهم سيعارضون رفع سقف الدين، رغم أن العديد منهم صوتوا على رفعه خلال إدارة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب.
ويواجه الكونغرس مهلة تنتهي في 30 أيلول (سبتمبر) الجاري للموافقة على تمويل مؤقت لتفادي إغلاق جزئي للحكومة قبل مطلع أكتوبر القادم. أما سقف الدين الحالي البالغ 28.4 تريليون دولار، فقد تم تجاوزه بالفعل بوصوله إلى 28.78 تريليون دولار. ويجري تمويله بشكل مؤقت من خلال «إجراءات استثنائية» لوزارة الخزانة من المنتظر أن تنفد خلال شهر أكتوبر أيضاً.
وفي حال إقراره، سيعلّق مشروع القانون، الذي مرّره الديمقراطيون في مجلس النواب، سقف الاقتراض الحكومي حتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2022، كما سيوفر التمويل اللازم للحكومة الفدرالية حتى الثالث من الشهر نفسه.
ويتضمن المشروع تخصيص 28.6 مليار دولار للإغاثة من الكوارث الطبيعية، و6.3 مليار دولار لدعم اللاجئين الأفغان الذين تم إجلاؤهم بعد الانسحاب الأميركي من بلادهم.
وقالت رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، إن الديمقراطيين ضموا تعليق سقف الدين إلى تشريع تمويل الحكومة الفدرالية بهدف «الوفاء مرة أخرى بالتزاماتنا وحماية الثقة الكاملة في الولايات المتحدة».
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، قد حذرت مراراً من أنه في حال عدم رفع أو تعليق سقف الدين، فإن الولايات المتحدة قد تشهد «أزمة مالية تاريخية» بسبب تعثرها –لأول مرة– في سداد ديونها.
لكنْ الجمهوريون ذكروا مراراً أنهم لن يصوتوا لرفع سقف الدين طالما صمم الديمقراطيون على خططهم المتعلقة برفع الضرائب والإفراط في الإنفاق الحكومي، لاسيما من خلال حزمة البنية التحتية التي يريدها الديمقراطيون بحجم 3.5 تريليون دولار.
خطر كبير
وحذرت يلين في مقال نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، من أن التخلف عن السداد قد يؤدي إلى «رفع معدّلات الفائدة وتراجع أسعار الأسهم بشكل حاد وغير ذلك من الاضطرابات المالية».
وعددت يلين في مقالها، قائمة من الكوارث المالية المحتملة التي قد تلحق بالبلاد في حال لم يرفع سقف الدين ولم تتمكن الولايات المتحدة من سداد ديونها مع حلول المهل المحددة. وقالت: «في غضون أيام، سيفتقر ملايين الأميركيين إلى النقود».
وتابعت: «قد تنقطع شيكات الضمان الاجتماعي عن نحو 50 مليون مسن. وقد تتوقف رواتب الجنود».لافتة إلى أن البلاد «ستخرج من هذه الأزمة كأمة أضعف مؤقتاً». واستذكرت يلين أزمة ديون عام 2011 مشيرة إلى أن سياسة وضع الولايات المتحدة على حافة الحد الأقصى للدين «دفعت بأميركا إلى شفير أزمة».
وكانت الولايات المتحدة خلال الأزمة المرتبطة بمناقشة الدين في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما أقرب من أي وقت مضى إلى التخلّف عن السداد.
ودفع ذلك منظمة «ستاندرد آند بورز» إلى خفض تصنيف ديون الولايات المتحدة إلى «أي أي أي»، ما أحدث هزة في الأسواق.
شددت يلين على أن التحرّك في أسرع وقت ممكن سيمكن البلاد من تجنّب النتائج الأسوأ التي شهدتها سنة 2011.
وأضافت «اختبرت الأشهر الـ17 الأخيرة قوة بلدنا الاقتصادية. نخرج للتو من الأزمة. علينا ألا نغرق أنفسنا مجدداً بشكل كامل في (أزمة) أخرى يمكن تجنّبها».
بدورها، قالت وكالة «موديز أناليتيكس» إن الفشل في رفع سقف الدين الأميركي قد يؤدي إلى واحدة من أكبر الانهيارات في سوق الأسهم في التاريخ كما قد يمحو تريليونات الدولارات من ثروات الأسر.
وتظهر عمليات المحاكاة التي أجراها فريق «موديز» أن التخلف عن سداد ديون الولايات المتحدة قد يؤدي إلى حدوث انكماش مشابه للمسجل خلال الركود الكبير في عام 2008.
وتشير توقعات «موديز» إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الأميركي سينخفض بنسبة 4 بالمئة، كما ستفقد البلاد ما يقرب من 6 ملايين وظيفة، ليرتفع معدل البطالة إلى 9 بالمئة، من 5.2 بالمئة حالياً.
كما يوضح التحليل أن عدم رفع سقف الديون قد يتسبب في انهيار أسعار الأسهم بنحو الثلث خلال ذروة موجة البيع المتوقعة، ما يهدد بفقدان 15 تريليون دولار من ثروات الأسر.
وذكر الاقتصاديون في التقرير: «إذا فشل المشرعون في زيادة أو تعليق سقف الدين، سيكون من الصعب تحمل الفوضى الناتجة عن الأمر في الأسواق المالية العالمية، خاصة مع استمرار تعافي الاقتصادات الكبرى من أزمة الوباء».
Leave a Reply