وليد مرمر – لندن
رغم تزاحم الأحداث في المنطقة العربية خلال الأيام الماضية، بدءاً من نتائج الانتخابات العراقية مروراً بالوضع اللبناني المتأزم وصولاً إلى معارك مأرب المفصلية في اليمن، فإن عملية استهداف قاعدة التنف الأميركية على الحدود السورية العراقية الأردنية، كانت بلا شك الحادثة الأكثر أهمية، نظراً لما تحمله من دلائل على المستوى السياسي ولما قد ينتج عنها من تداعيات على المستوى الميداني والجيوسياسي في المنطقة ككل.
قاعدة التنف
رغم أن التنف ما هي إلا قاعدة أميركية صغيرة نسبياً أنشأها «التحالف الدولي» بقيادة أميركا عام 2014، في منطقة استراتيجية مهمة جنوب شرقي سوريا، على الحدود العراقية الأردنية، إلا أن الاتفاقات الدولية –سيما مع روسيا– ضمنت لهذه القاعدة حزاماً أمنياً بقطر 55 كيلومتراً يحيط بطريق بغداد–دمشق ويُعتبر اختراقه خرقاً لهذه الاتفاقات التي نظمت الاشتباك الأميركي–الروسي في سوريا.
ورغم أن السبب المعلَن لوجود الحامية الأميركية هو محاربة «داعش» (علماً بأن قاعدة أصبحت منذ سنوات محاطة بمناطق سيطرة الجيش السوري)، فإن الهدف الأساس لوجود هذه القاعدة –والذي لا تخفيه التسريبات في واشنطن– هو «مواجهة النفوذ الإيراني» عبر قطع الطريق الدولي الذي يربط طهران ببيروت مروراً بدمشق وبغداد. وقد أكدت مجلة «فورين بوليسي» ذلك، في تقرير نشرته قبل عامين عندما تحدثت عن رغبة واشنطن بالبقاء في قاعدة التنف لمنع إيران من الاتصال براً بجنوب لبنان.
ولقد قامت القوات الأميركية بتدريب وتسليح مجموعة من الفصائل بغية تأمين الحماية لمحيط القاعدة أو ما يعرف باسم «منطقة الـ55 كلم». وأهم هذه الفصائل هو، «مغاوير الثورة» الذي تعتبره القوات الأميركية إضافة إلى فصيلي «أسود الشرقية» و«قوات أحمد العبدو» بمثابة الذراع البرية لها في البادية السورية. وتتألف هذه التنطيمات بمعظمها من منشقين عن النظام ومن فلول «الجيش السوري الحر» الذي أسسه «الإخوان المسلمون». ويُذكر أنه لم يسبق لتنظيم «داعش» أن حاول الاقتراب من محيط قاعدة التنف البتة، بل اقتصرت عملياته –قبل طرده من سوريا– على المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة!
الانسحاب؟
عام 2018، كشف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن رغبته بالانسحاب من سوريا، لكنه جوبه بضغوط شديدة من اللوبي الإسرائيلي وأدواته من الجمهوريين والديمقراطيين لمنعه من تنفيذ هذه الخطوة.
ولقد ذكر موقع «ديبكا» الإسرائيلي حينها «أن قرار الانسحاب الأميركي إنما سيشكل انتصاراً عسكرياً لإيران بما يمكنها من تحقيق خططها لإقامة جسر بري يربطها بالمتوسط وهذا ستترتب عليه تداعيات خطيرة على الحدود الشمالية لإسرائيل إذ ستصبح إسرائيل في مواجهة عسكرية مباشرة مع «حزب الله» اللبناني في سوريا والميليشيات الإيرانية». فيما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» وقتها إلى أنه «عند اكتمال الانسحاب الأميركي من سوريا سنرى قاسم سليماني (الذي استُشهد لاحقا) قائد «فيلق القدس» وهو يفرك يديه فرحاً وسيبلغ قائده الأعلى علي خامنئي بأنه تمت إزالة عقبة أخرى أمام إيران لتعزيز تواجدها في سوريا وتم فتح جبهة ثانية ضد إسرائيل». وقد جاءت استقالتا وزير الدفاع الأول في إدارة ترامب، جيمس ماتيس، والمبعوث الأميركي «للتحالف الدولي لمحاربة داعش» بريت ماكغورك، سنة 2018، اعتراضاً على توجه ترامب للانسحاب من سوريا والعراق وأفغانستان.
أما في عهد جو بايدن، فقامت الولايات المتحدة بتعزيز تواجدها في سوريا عديداً وعتاداً سيما في محافظات الحسكة ودير الزور والرقة الغنية بموارد الطاقة والخاضعة لسيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد).
دور القاعدة العسكرية
لقد قامت النيابة العسكرية السورية الصيف الماضي، بنشر بيان أعلنت فيه أن الولايات المتحدة الأميركية قد لجأت بمساعدة وتمويل من دول غربية وإقليمية إلى استخدام وكلاء على الأرض بعضهم من السوريين والبعض الآخر من الأجانب وقامت بتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم ليشنوا اعتداءاتهم على العسكريين السوريين والروس وغيرهم من خبراء الدول الحليفة ممن دعتهم دمشق للمشاركة في الدفاع عن سيادتها واستقلالها.
وأضافت النيابة العسكرية السورية في بيانها أن الولايات المتحدة تقوم بـ«انتقاء أعداد كبيرة من الإرهابيين بعضهم من إرهابيي «داعش» الموقوفين في سجون جماعات موالية لها ثم تقوم بنقلهم إلى القاعدة العسكرية الأميركية في التنف ومواقع أميركية مشابهة حيث يتلقون هناك تدريبات عسكرية مكثفة تمتد عادةً إلى ثلاثة أسابيع بإشراف مدربين أميركيين وتحت غطاء تدريب ما يسمى «جيش مغاوير الثورة» بغية تمكينهم من تنفيذ اعتداءات تخريبية وإرهابية واستخدام معدات ووسائل استطلاع حديثة».
من جهته كان رئيس إدارة العمليات العامة التابعة لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية، سيرغي رودسكوي، قد صرح بأن «القوات الأميركية المتواجدة في سوريا تقوم بتدريب مسلحين أهمهم التشكيل المسلح «مغاوير الثورة» وعدد من المجموعات المسلحة الصغيرة التابعة لما يسمى بـ«جيش الكتائب العربية» في «منطقة الـ55 كلم» في التنف، ثم تقوم مروحيات القوات الجوية الأميركية في شرق الفرات بنقل المسلحين الذين أنهوا فترة تدريبهم في التنف إلى داخل المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية لزعزعة الاستقرار ولمنع تقوية مواقع الحكومة السورية هناك، ذلك فضلاً عن القيام بنهب المنشآت النفطية وحرق الحقول في منطقة الفرات.
ولقد دأبت موسكو خلال العامين الماضيين، ومن خلال بيانات عدة، على شجب الوجود الأميركي في سوريا سيما في قاعدة التنف معتبرة إياها «منبعاً للإرهاب».
ماذا حدث ليل الأربعاء؟
قامت طائرات مسيّرة مفخخة باستهداف القاعدة الأميركية، في هجوم هو الأول من نوعه. وفي حديث لموقع «الحرة» الأميركي كشف قائد «جيش مغاوير الثورة» مهند طلاع عن تفاصيل هجوم المسيرات قائلاً إنه بدأ في الساعة السادسة والنصف مساء الأربعاء على دفعتين، الأولى بطائرتين مسيرتين والثانية بثلاث طائرات. وأضاف طلاع: «الهجوم كان عنيفا ولقد اتخذنا على الفور، الإجراءات اللازمة والكافية لحماية أنفسنا منه، لم تُحدد بعد نوعية الطائرات المسيرة لكن ما تم التأكد منه هو أنها مفخخة وعلى الأرجح فإن الإيرانيين هم من قاموا بالاستهداف».
وعن مدى انتشار الفصائل المدعومة من إيران حول القاعدة، قال طلاح «ليس لدينا المعلومات الكاملة بشأن ذلك ونحن نمتلك فقط جزءاً من المعلومات عن تواجد الميليشيات الإيرانية وتحركاتها اليومية».
من جهتها صرحت القيادة الأميركية الوسطى أنها تحتفظ بحقها في الرد على الهجوم في الزمان والمكان المناسبين، نافية سقوط أي قتلى في صفوف الجيش الأميركي.
ورغم أن قاعدة التنف محمية بموجب اتفاقيات وتسويات دولية، إلا أن موسكو ودمشق صعدتا مؤخراً من اعتراضهما على وجودها نتيجة لدورها المتنامي في دعم الفصائل المناوئة للشرعية السورية، وهو ما يشي بتحول روسي نحو الضغط على الأميركيين لدفعهم إلى الانسحاب من سوريا.
كما يرى البعض أنه لا يمكن فصل الهجوم المعلن على التنف، عن مسار التطورات الماضية سيما الهجومين اللذين تعرضت لهما قوات حكومية سورية مع حلفائها في 9 و13 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري في ريف حمص وتدمر.
وقد تسبب الهجومان بسقوط عدد من القتلى والجرحى، من السوريين وحلفائهم. ولكن اللافت كان تصريح الحكومة السورية بأن كلا الهجومين قد نفذتهما طائرات إسرائيلية كانت قد أقلعت من قاعدة التنف الأميركية.
ونقلت وكالة «يونيوز» بعد الهجوم الثاني عن قيادة «غرفة عمليات حلفاء سوريا» التابعة للفصائل المدعومة من إيران أنّها «اتخذت قراراً بالرد القاسي على العدوان على تدمر»، موضحةً أنّ «الأهداف التي هاجمتها الطائرات الإسرائيلية هي مراكز خدمات وتجمع للشباب». وأضافت غرفة العمليات أنه ونتيجة لهذا الاعتداء فقد «سقط عدد من الشهداء والجرحى من الإخوة المجاهدين» مشيرة إلى أنه «لولا الانتشار لكان عدد شهداء الاعتداء كبيراً جداً». وتابعت الغرفة: «لطالما كانت مهمتنا وحضورنا المشروع في سوريا لمساعدة الدولة السورية، فنحن نعمل تحت رعاية الدولة لمواجهة الإرهابيين والمشروع التكفيري وعلى رأسهم داعش».
واعتبرت الغرفة أنّ «الصهاينة تذرّعوا بأنهم يستهدفون أسلحة دقيقة وتجهيزات حساسة تشكل خطراً على كيانهم الغاصب»، مضيفةً أنّه «بعد الهجوم الذي انطلق عبر سماء الأردن ومنطقة التنف السورية المحتلة من الأميركيين اتخذنا القرار بالرد وذلك انتقاماً لأرواح الشهداء ودماء الجرحى».
وختم بيان الغرفة بعبارة: «سيكون الرد قاسياً جداً».
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply