وفيقة إسماعيل – «صدى الوطن»
في خطوة أعادت خلط الأوراق على الساحة العراقية، أعلنت المفوضية العليا للانتخابات في بيان رسمي، يوم الاثنين الفائت، عن إلغاء جزء من النتائج التي أثارت احتجاجات سياسية وشعبية في أنحاء متفرقة من البلاد وسط اتهامات بالتزوير والتلاعب بالعملية الديمقراطية.
وقررت الهيئة القضائية للانتخابات، إعادة العد والفرز اليدويين لمحطات اقتراع مطعون بصحة نتائجها، وإلغاء أصوات مراكز انتخابية كاملة في عدد من المدن، وهو ما يعني بطبيعة الحال العودة لمرحلة العد والفرز والتدقيق مرة أخرى، وسط تأكيدات لقيادات وأعضاء بارزين في تحالف «الفتح» (الجناح السياسي للحشد الشعبي) أن مفوضية الانتخابات تتجه لإلغاء 18 بالمئة من مجموع محطات الاقتراع، متحدثة عن تغيير جذري في النتائج الحالية.
وأعلنت المفوضية أنها قررت إعادة فتح 870 محطة انتخابية وعدّ أصواتها يدوياً، مشيرة إلى تغيير محتمل في نتائج الانتخابات. وكانت المفوضية قد سردت في بيان آخر تفاصيل قانونية حول الطعون التي تم ردها وتلك التي قبلتها الهيئة القضائية من أصل 1,436 طعناً. وقد تم قبول 15 طعناً لأسباب إجرائية ترتب على إثرها إلزام المفوضية العليا بإعادة العد والفرز اليدوي للمحطات المطعون بها، وستة طعون أخرى قبلت لأسباب قانونية وفنية وترتب على إثرها إلغاء نتائج بعض مراكز الاقتراع في محافظات كانت قد شهدت معركة انتخابية حادة بين القوى المعترضة والتيار الصدري، الفائز الأكبر بالانتخابات.
وبحلول الخميس الماضي بلغ إجمالي عدد المحطات الانتخابية التي جرى استقدام صناديقها من المخازن لمراكز العدّ داخل «المنطقة الخضراء» وسط بغداد، وفتحها بحضور مراقبين محليين وممثلين عن الكتل والكيانات السياسية المعترضة، نحو 16 ألف محطة انتخابية، معظمها من دوائر بغداد وبابل والبصرة وذي قار والنجف وميسان، بما يمثل أكثر من ربع عدد المحطات الإجمالي في مدن البلاد كافة والتي يبلغ عددها 55 ألف محطة تتوزع على 83 دائرة انتخابية.
وفي ما يتعلق بشأن المقاعد التي يمكن أن تؤول لصالح قوى «الإطار التنسيقي» الطاعنة في نزاهة الانتخابات ونتائجها، فمن المتوقع أن تبلغ بنحو مبدئي 10 مقاعد أو ربما أكثر بقليل، على أن التغييرات الأكثر ترجيحاً قد تكون في كل من كركوك وبابل ونينوى والبصرة وبغداد وأربيل.
وكانت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق، جنين بلاسخارت، قد قدمت تقييمها للانتخابات البرلمانية العراقية في إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء الماضي، فاعتبرتها سليمة بشكل عام، مؤكدة عدم وجود دليل على تزوير ممنهج، وأنه يجب التعامل مع أي من المخاوف الانتخابية التي لا تزال قائمة من خلال القنوات القانونية القائمة حصراً، وذلك في إشارة إلى القوى المعترضة التي تتهم بالضغط لتغيير النتائج بنحو غير قانوني.
إحاطة بلاسخارت لاقت ردود فعل متناقضة بين مرحب بها ورافض لها، فقد رأى زعيم تحالف «الفتح» في العراق، هادي العامري، أن بلاسخارت «تتدخل في الانتخابات ونتائجها وكأنها رئيسة المفوضية العليا، بل وكأنها مندوبة سامية»، مؤكداً وجود تعاون كبير وعلاقة طيبة مع بعثة الأمم المتحدة وإيماناً بدورها الإيجابي، لكن تدخل بلاسخارت في الانتخابات ونتائجها «يزعزع الثقة».
وقال العامري في بيان إن «قرارات الهيئة القضائية ببطلان (نتائج) بعض المحطات.. ستؤدي إلى بطلان نتائج أكثر من 6 آلاف محطة، كما ألغي ما يقارب 4 آلاف محطة بسبب وجود بصمات متكررة، ما يعني أن 10 آلاف محطة ستلغى، وهو رقم يشكل ما نسبته 18 بالمئة من مجموع المحطات في العراق، التي يصل عددها إلى 55 ألف محطة». ووصف العامري هذه الأرقام بأنها «كبيرة ومؤثرة، ومن شأنها أن تحدث فارقاً كبيراً وتغييراً جذرياً في نتائج الانتخابات».
بدورها، «عصائب أهل الحق» التي كانت من بين أشد المعترضين على نتائج الانتخابات، اتهمت المندوبة الأممية بلاسخارت على لسان عضو مكتبها السياسي، محمود الربيعي، بـ«الكذب» على منظمة الأمم المتحدة التي تمثلها في العراق. أما النائب السابق وعضو تحالف «الفتح» مختار الموسوي فقد رفع سقف الاعتراض عالياً إلى حد التهديد بتصعيد كبير، ورأى أن الإحاطة التي قدمتها بلاسخارت تؤكد أنها أحد أطراف المؤامرة للتلاعب بالانتخابات التشريعية، وأن ما طرحته سيدفع باتجاه التصعيد، مضيفاً أنه في حال كان موقف السلطة القضائية مشابهاً لموقف بلاسخارت، فإن عدم التعديل في نتائج الانتخابات وفقاً للطعون، حتماً «سيكون لنا تصعيد كبير قد يحرك الشارع وبما يهدد السلم الأهلي»، لافتاً إلى أن بلاسخارت عندما حضرت في اجتماع «الإطار التنسيقي» اعترفت بوجود أخطاء رافقت سير العملية الانتخابية ووعدت بمعالجة الخلل، لكن ما طرحته يكشف عن «تناقضاتها العجيبة بما يثير الاستغراب»، بحسب تعبيره.
من جهته، زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، غرّد معلقاً على إحاطة بلاسخارت أمام مجلس الأمن بأنها تبعث الأمل، ناصحاً باتّباع التوصيات الأممية وبالابتعاد عن المهاترات السياسية والعنف وزعزعة الأمن، ورأى في الإحاطة عينها فرصة جديدة لرافضي نتائج الانتخابات لمراجعة أنفسهم والإذعان للنتائج، مطالباً المحكمة الاتحادية بالعمل بجد وحيادية، وبالتعامل مع الطعون بمهنية وعدم الرضوخ للضغوط السياسية.
وحذر الصدر، من ممارسة ضغوط على مفوضية الانتخابات، قائلاً في بيان له: «ندين ونشجب كل الضغوط السياسية والأمنية التي تتعرض لها المفوضية، كما لا ينبغي التدخل في عمل القضاء والمحكمة وفي تصديقها على النتائج، التي يريد البعض تغييرها لمجاراة (الكتلة الأكبر)، وليتمكنوا من تعطيل (حكومة الأغلبية) التي استاؤوا من بوادر إشراقاتها».
واتهم عضو التيار الصدري عصام حسين قوى «الإطار التنسيقي» بأنها «تمارس حرباً نفسية، وتعمل على تسفيه الجهود الديمقراطية، وإشعار المواطنين بأن الانتخابات فوضى ولا جدوى منها».
وكانت النتائج الأولية للانتخابات قد كشفت تصدر الكتلة الصدرية التابعة لمقتدى الصدر بـ74 مقعداً من أصل 329، فيما كان تحالف «الفتح» برئاسة العامري أبرز الخاسرين بحصوله على 16 مقعداً فقط، وذلك بعدما حلّ في انتخابات عام 2018 في المركز الثاني بحصوله وقتها على 48 مقعداً. ورغم أن كتلة الصدر متقدمة على أقرب منافسيها بنحو 30 مقعداً، لكنها لاتزال بحاجة إلى تحقيق أغلبية الثلثين لكي تسمي مرشحها لرئاسة الوزراء.
وجدد الصدر، الأربعاء الماضي، المطالبة بتشكيل حكومة «أغلبية وطنية» في العراق، مشددا على أن تياره لا يتلقى «أوامر من خلف الحدود».
وقال الصدر في لقاء متلفز، نشره مكتبه الخاص، بعد لقائه بعدد من المرشحين المستقلين الفائزين في الانتخابات الأخيرة، إن «الحل الوحيد لإنقاذ العراق» يتمثل بتشكيل حكومة أغلبية، مضيفاً: «لن أشترك في حكومة ائتلاف أو حكومة توافقية، الذهاب للمعارضة أفضل لنا».
ودعا الصدر، الجميع إلى ضمان عدم تبعية العراق لأية جهة خارجية، مشيرا بالقول: «قرارنا عراقي ولا نأخذ الأوامر من خلف الحدود إطلاقاً».
وأشار الصدر إلى أن «بعض الأحزاب تسعى لاستمالة المستقلين أما بالترغيب أو الترهيب، لعدم امتلاكه ميليشيا أو جناحاً مسلحاً». وقال إن «هناك من يتعدى على المستقلين من أجل إسقاطهم وإخراجهم من الانتخابات على حساب وصول بعض المتحزبين وخصوصاً الطرف الذي يعتبر نفسه خاسراً»، مؤكداً أن بعض الجهات السياسية «لا تتورع حتى عن القتل» لتحقيق ذلك.
وتعترض كتل عراقية عديدة، على نتائج الانتخابات، وتقول إن تزويراً واسع النطاق جرى فيها، وتهدد بالتصعيد.
ويقيم مناصرون لتلك الكتل اعتصاماً أمام بوابات المدينة الخضراء منذ نحو ثلاثة أسابيع، احتجاجاً على «تزوير» يقولون إنه شاب الانتخابات التشريعية المبكرة، ويطالبون بفرز كامل للأصوات.
وبالرغم من الصدامات التي وقعت منذ نحو أسبوعين مع القوات الأمنية وأدت إلى سقوط قتلى وجرحى بينهم، لا يزال المعترضون على نتائج الانتخابات يقيمون اعتصاماً أمام بوابات «المدينة الخضراء» ، تعبيراً عن رفضهم للتزوير ومطالبتهم بإعادة العد والفرز على نحو كامل.
ماذا بعد؟
وسط كل هذا التجاذب القائم، يترقب الشارع العراقي ما سيترتب على قرارات الهيئة القضائية للانتخابات العراقية، وثمة أسئلة تطرح نفسها وتبحث عن إجابات لها في المقبل من الأيام: هل ستكون تلك القرارات كافية بالنسبة إلى المعترضين؟ وهل سيوافق عليها الذين ارتضوا النتائج السابقة وتباهوا بانتصارهم الساحق؟ هل ستدفع تلك القرارات الأمور إلى مزيد من التعقيد أم أنها ستحمل حلاً يفضي إلى تأليف حكومة توافقية تمنح بعض الأمل بظروف أفضل بعد التدهور الحاصل على الصعد كافة؟
Leave a Reply