منفذ الهجوم يلتزم الصمت .. والدوافع مجهولة
أكسفورد
في أسوأ حادثة إطلاق نار مدرسية في تاريخ ولاية ميشيغن، لقي أربعة طلاب مصرعهم وأصيب سبعة آخرون، بينهم مدرّس، بـ«ثانوية أكسفورد» في شمال مقاطعة أوكلاند، الثلاثاء الماضي، قبل أن تتمكن الشرطة من إلقاء القبض على مطلق النار، وهو الطالب إيثان كرمبلي (15 عاماً)، الذي مثُل أمام القضاء في اليوم التالي حيث وُجّهت إليه 24 تهمة جنائية من بينها الإرهاب.
وأثارت المجزرة المروّعة التي استمرت نحو خمس دقائق، وتخللتها مشاهد رعب تم توثيقها بكاميرات المراقبة وعدسات الهواتف المحمولة، اهتماماً وطنياً واسعاً، لتعيد النقاش حول خطورة انتشار الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، إلى الواجهة.
وعلى المستوى المحلي تسببت المجزرة بحالة من الذعر دفعت المسؤولين في بعض المناطق التعليمية إلى إغلاق المدارس يوم الخميس الماضي، بعد ظهور منشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي تهدد بشن هجمات مماثلة في ثانويات أخرى، مثل روتشستر وتروي وفارمنغتون هيلز وستيرلنغ هايتس وغيرها.
وأفاد شريف مقاطعة أوكلاند، مايكل بوشارد، الخميس الماضي، أن ما لايقل عن ستين مدرسة في عموم الولاية اضطرت إلى إغلاق أبوابها بسبب تلقيها تهديدات بأعمال عنف، متوعداً كل من يطلق ادعاءات من هذا النوع بالملاحقة القانونية، سواء كانت تلك التهديدات جدية أو مجرد مزحة.
وبينما لا تزال الدوافع وراء مجزرة «ثانوية أكسفورد» مجهولة، في ظل امتناع كرمبلي عن الكلام، قررت القاضية في «المحكمة 52» نانسي كارنياك، نقل المتهم من «مركز الأحداث» إلى الحبس الانفرادي في سجن مقاطعة أوكلاند دون إمكانية الإفراج عنه بكفالة، وذلك نزولاً عند طلب الادعاء العام بعد مراجعة لقطات كاميرات المراقبة التي أظهرت كرمبلي وهو يطلق النار «بشكل منهجي ومتعمد» على زملائه داخل المدرسة الواقعة في بلدة أكسفورد.
ووقف كرمبلي صامتاً أمام القاضية التي أدخلت نيابةً عنه ادعاء البراءة، بانتظار مثوله مجدداً أمام القضاء في 13 و20 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، لمواصلة محاكمته بـ24 تهمة جنائية تشمل الإرهاب وأربع تهم بالقتل من الدرجة الأولى، وسبع تهم بالاعتداء بقصد القتل، و12 تهمة بارتكاب جناية بواسطة سلاح ناري، بحسب المدعي العام في مقاطعة أوكلاند كارين ماكدونالد.
وتبلغ العقوبة القصوى لتلك التهم السجن لمدى الحياة من دون إمكانية الإفراج المشروط.
وقالت ماكدونالد: «لقد شاهدنا حوادث إطلاق النار في المدارس تتكرر في هذا البلد لفترة طويلة جداً»، معربة عن أسفها «لتركز الأضواء الوطنية هذه المرة على مجتمعنا».
وأثناء جلسة الاتهام التي عقدت عبر الفيديو، الأربعاء الماضي، شوهد كرمبلي في البث الحي جالساً على مكتب خشبي كبير يرتدي سترة خضراء وقناعاً للوجه. وكان والداه حاضرين عبر الإنترنت لكنهما لم يُدليا بأي تصريح خلال الجلسة.
ولا تزال ماكدونالد تدرس إمكانية توجيه تهم جنائية إلى والد كرمبلي الذي اشترى المسدس المستخدم في الهجوم قبل أربعة أيام فقط من المجزرة.
وكانت السلطات قد داهمت منزل كرمبلي في قرية أكسفورد بعد ساعات من الحادث، حيث تمت مصادرة هاتفه الخليوي الذي تضمن فيديو صوّره لنفسه في الليلة السابقة، وتحدث فيه عن خططه «لإطلاق النار على الطلاب وقتلهم».
كما عثرت الشرطة على نص كتبه كرمبلي داخل حقيبته المدرسية، تضمن قوله إنه يريد قتل زملائه الطلاب.
كذلك، أفادت تقارير إعلامية بأن العديد من طلاب «ثانوية أكسفورد»، كانوا قد تداولوا في اليوم السابق شائعات حول إمكانية حدوث إطلاق نار جماعي في المدرسة.
وفي غضون خمس دقائق، كان كرمبلي قد أطلق ما يربو على 30 رصاصة من مسدس نصف آلي عيار 9 ملم، قبل أن يداهم عناصر الشرطة المكان استجابة لعشرات اتصالات الطوارئ التي أجريت فور بدء إطلاق النار.
وقال شريف مقاطعة أوكلاند إن لقطات الفيديو تظهر المشتبه به وهو يغادر حمام المدرسة مسلحاً ويسير في إحدى الردهات حيث بدأ بإطلاق النار على الطلاب بشكل عشوائي من مسافة قريبة. واستمر المراهق بالتجول في المدرسة بحثاً عن ضحايا جدد.
ووفق المحققين، تمكن كرمبلي من إدخال المسدس إلى المدرسة بسهولة بسبب عدم استخدام أجهزة كشف المعادن في المبنى.
وأظهرت مقاطع أخرى تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، حالة الذعر التي سادت بين الطلاب. ومن بين الفيديوهات المتداولة، مقطع لطلاب رفضوا فتح الباب لمطلق النار، والذي ادعى أنه من رجال الشرطة.
وفور اعتراضه من قبل الشرطة، ألقى كرمبلي سلاحه وسلم نفسه من دون أية مقاومة، وقد تبين أن مسدسه كان لايزال يحتوي على سبع رصاصات.
وبحسب المسؤولين في شرطة مقاطعة أوكلاند، ساهمت الاستجابة الأمنية السريعة في الحد من حصيلة الضحايا، حيث توجهت على الفور دوريات الشرطة وفرق الإسعاف والمروحيات إلى الموقع لإحباط الهجوم بينما تدفق الأهالي إلى محيط الثانوية للاطمئنان على أبنائهم.
وأكد المسؤولون أن كرمبلي لم يكن يرتدي درعاً واقياً للجسم ولم يصب بأي أذى، وقد لزم الصمت خلال توقيفه.
وقال نائب الشريف، مايكل ماكابي: «لا يتكلم إلينا» بناء على نصيحة ذويه «الذين قالوا له ألا يتحدث إلى الشرطة».
وتراوحت أعمار الطلاب القتلى والجرحى بين 14 و17 عاماً، فيما كانت إصابة المدرّس البالغ من العمر 47 عاماً، طفيفة. وتنوعت إصابات الطلاب بين الرأس والرقبة والصدر والحوض والقدمين
وقالت الشرطة، إن بعض المصابين في حالة حرجة، من بينهم طالبة في الرابعة عشر من عمرها، والتي وضعت على جهاز للتنفس عقب خضوعها لجراحة طارئة بعد إصابتها بصدرها ورقبتها.
والطلاب الأربعة الذين قتلوا هم: هانا سانت جوليانا (14 عاماً)، ماديسن بالدوين (17 عاماً)، تايت ماير (16 عاماً) وجاستين شيلينغ (17 عاماً).
تعليقات سياسية
خلال زيارة لمدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا، الثلاثاء الماضي، أعرب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عن تضامنه مع أسر الضحايا قائلاً: «قلبي مع العائلات التي تعاني من حزن لا يمكن تصوره لفقدان أحد أفرادها».
وفي وقت لاحق، سأل المراسلون، بايدن في مطار مينيابوليس قبل مغادرته إلى واشنطن العاصمة، ما إذا كان يعتزم السفر إلى ميشيغن لمواساة أسر الضحايا، فأجاب بأنه لا يعرف ما إذا كان ذلك ممكناً.
بدورها، وصفت حاكمة ميشيغن، غريتشن ويتمر، حوادث إطلاق النار في المدارس بأنها «مشكلة أميركية خاصة نحتاج إلى معالجتها».
وقالت الحاكمة خلال مشاركتها في مؤتمر صحفي عقد مساء الثلاثاء الماضي تعليقاً على المجزرة: «هذا أسوأ كابوس لكل الآباء» و«مأساة تفوق الخيال». وقد أمرت ويتمر بتنكيس الأعلام حداداً على الضحايا معربة عن شكرها العميق لعناصر الشرطة والإسعاف لاستجابتهم السريعة وعملهم المضني.
وشددت ويتمر على ضرورة التحرك للحد من فوضى انتشار الأسلحة في الولايات المتحدة، وأضافت: «لدينا مسؤولية القيام بكل ما في وسعنا لحماية بعضنا البعض من عنف السلاح. لا يجب أن يخاف أحد من الذهاب إلى المدرسة أو العمل أو دور عبادة أو حتى منزله».
وتابعت بأن انتشار السلاح أصبح «أزمة صحية عامة تودي بحياة الأرواح كل يوم» لافتة إلى أن ميشيغن لديها «أدوات للحد من عنف السلاح»، »هذا هو الوقت المناسب لنا للالتقاء ومساعدة أطفالنا على الشعور بالأمان في المدرسة»، في إشارة إلى ضرورة سن قوانين جديدة لتعزيز أمن المدارس.
وازدادت حوادث إطلاق النار في المدارس في الولايات المتحدة بشكل مطرد في السنوات الأخيرة، وفقاً لمجموعات تطالب بالحد من انتشار السلاح.
وعلى الرغم من انخفاض الحوادث في العام الماضي بسبب عمليات الإغلاق التي فرضها وباء كورونا، ارتفع عدد الحوادث ليصل إلى 138 حادثة إطلاق نار في المدارس حتى الآن خلال العام 2021.
ثاني أسوأ مجزرة
تعتبر مجزرة «ثانوية أكسفورد» التي وقعت يوم الثلاثاء الماضي ثاني أسوأ حادثة عنف تشهدها المدارس في تاريخ ولاية ميشيغن، من حيث عدد الضحايا.
ففي 18 أيار (مايو) 1927، أقدم رجل يدعى آندرو كيهو على تفجير مدرسة في بلدة باث الواقعة في وسط الولاية بواسطة كميات ضخمة من الديناميت، متسبباً بمقتل 44 شخصاً بينهم 38 طالباً تتراوح أعمارهم بين 7 و12 عاماً، بالإضافة إلى 58 جريحاً.
وقام كيهو –حينها– بالانتحار خارج المدرسة عبر تفجير شاحنته المملوءة بالديناميت، وذلك بسبب غضبه الشديد من خسارة الانتخابات وفقدانه منصب أمين خزانة المنطقة التعليمية، حيث قام قبل الهجوم بقتل زوجته وتفخيخ منزله ومزرعته بقنابل مؤقتة.
وباستثناء حادثتي أكسفور وباث، لم تشهد ميشيغن قط مقتل أكثر من شخص واحد في حوادث إطلاق نار داخل المدارس.
Leave a Reply