كمال ذبيان – «صدى الوطن»
يودّع اللبنانيون عاماً كارثياً آخر، من كل النواحي المالية والاقتصادية والاجتماعية والصحية… بل يمكن وصف العام 2021، بأنه عام الذل والفقر، مع ارتفاع نسبة الفقر المدقع لتشمل أكثر من 80 بالمئة من السكان، بينما يستمر مسلسل الانهيار في ظل غياب أية معالجة جدية لتدهور سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي، ورفع الدعم الحكومي شبه الكلي عن المواد الأساسية كالمحروقات والدواء والطحين، فضلاً عن تراجع احتياطي «مصرف لبنان» إلى نحو 12 مليار دولار، مما يترك أبواب الأزمة مفتوحة على مصاريعها لاسيما مع انعدام أفق الحلول السياسية سواء على مستوى الداخل أو على مستوى الساحة الإقليمية والدولية.
أزمة بيطار
في خضم الأزمات المعيشية الخانقة، يقفل العام 2021 على أزمة حكومية مستمرة بتعليق جلسات مجلس الوزراء، بسبب الخلافات القائمة حول المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، القاضي طارق بيطار، الذي يرفض مجلس القضاء الأعلى تنحيته بينما يصرّ كل من حركة «أمل» و«حزب الله» و«تيار المردة» على تنحيته بتهمه الاستنسابية والكيدية وتسييس التحقيق عبر استهداف مسؤولين معينين دون سواهم بتهمة الإهمال والتقصير، في حين لا يزال مصدر المواد المتفجرة وأسباب وصولها وتفجيرها في المرفأ قيد المجهول بالنسبة لعموم اللبنانيين.
ويركز معارضو بيطار على استدعائه لمسؤولين سابقين دون أقرانهم ممن كانوا على علم بوجود «نيترات الأمونيوم» منذ عهد الرئيس ميشال سليمان في أواخر العام 2013 مروراً بحكومات نجيب ميقاتي وتمام سلام وسعد الحريري وحسان دياب الذي تمّ الادعاء عليه دون أسلافه، كما حصل مع وزراء أشغال وعدل ودفاع وداخلية وطاقة وقادة أمنيين وعسكريين، حيث استدعى بيطار بعضهم دون الآخر، محيداً مسؤولين كانوا على دراية تامة بخطورة تلك المواد مثل وزير العدل الأسبق اللواء أشرف ريفي، الذي تلقى رسالة حول خطورة الموقف ولم يحرّك ساكناً.
كذلك يحيد بيطار عن التحقيق قضاة متورطين أكثر من غيرهم في الملف، مثل القاضي جاد معلوف الذي أمر بحجز الباخرة «روسوس» وتفريغ حمولتها من نيترات الأمونيوم في العنبر «رقم 12»، رافضاً تلفها أو تسليمها إلى صاحبها الذي أتى من الموزمبيق للمطالبة بها.
وبينما لا يزال القاضي معلوف حراً طليقاً، على عكس موقوفين كثر، أخذ التحقيق العدلي، منحى طائفياً يجعل تنحية القاضي بيطار أمراً بالغ الصعوبة، لاسيما مع انخراط قوى سياسية ومراجع روحية مسيحية، في معركة إبقائه في منصبه، مقابل أطراف شيعية تصرّ على إقالته، فيما وصل الانقسام حول المسألة إلى أهالي الشهداء أنفسهم.
شلل المؤسسات
لاتزال كارثة انفجار مرفأ بيروت تطغى على المشهد السياسي منذ 4 آب 2020، فقد تسبّبت باستقالة حكومة حسان دياب وأدخلت البلاد في مرحلة شلل مؤسساتي استمر لأكثر من 13 شهراً فشل خلالها كل من السفير اللبناني في ألمانيا مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري في تشكيل حكومة جديدة للبدء بالإصلاحات الضرورية لإنقاذ لبنان من الانهيار.
وأدّى الفراغ في رئاسة الحكومة، إلى تعطّل الإصلاحات التي وعد بها دياب، ومنها إجراء تدقيق جنائي لحسابات «مصرف لبنان» ووقف تدهور الليرة ومعالجة أزمة الكهرباء وغيرها من المشاكل التي تثقل كاهل اللبنانيين يومياً، عدا عن قضية تهريب الأموال إلى الخارج عقب اندلاع «الحراك الشعبي» في 17 تشرين الأول 2019، حيث كشفت شركة «موديز» أن نحو 9.5 مليار دولار خرجت من المصارف خلال العامين الماضيين.
ورغم فقدان اللبنانيين لمدخراتهم وإغراق الدولة بالدين العام، يستمر حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة في منصبه دون محاسبة على سياسة النقد التي اتبعها منذ التسعينيات والتي أدت إلى تحويل لبنان نحو اقتصاد ريعي بحت بعيداً عن دعم أو تطوير القطاعات المنتجة.
وقامت الخديعة التي مارسها سلامة على جذب رؤوس الأموال إلى المصارف اللبنانية عبر تقديم فوائد عالية وطمأنة المودعين باستمرار بأن «الليرة بألف خير»، حتى انتهت لعبة «تركيب الطرابيش» قبل عامين ونيف بامتناع المصارف عن إعادة أموال المودعين الذين كانوا الخاسر الأكبر في لعبة «الكراسي الموسيقية» التي انتهت مع توقف تدفق الدولارات «الفريش» سواء من دول الخليج أو غيرها.
ولعل أبرز إنجاز تحقق في العام الماضي، هو نجاح الرئيس ميشال عون نظرياً بفرض التدقيق الجنائي للكشف عن مصير الأموال المفقودة التي تقدر بنحو 85 مليار دولار في حين لاتزال العراقيل السياسية والمصرفية كفيلة بمنع الوصول إلى الحقيقة.
القادم أسوأ
تنذر التقارير الدولية بأن لبنان قد لا يتعافى من كارثته الاقتصادية قبل سنوات طويلة تتراوح بين 12 و19 عاماً، إذا ما بدأ الإصلاح الموعود وفق شروط صندوق النقد الدولي التي عادة ما تكون قاسية على المواطنين.
أما إذا كان المخرَج سيتمثل بالمساعدات الخارجية لإعادة إحياء النظام المصرفي اللبناني المتهالك، فإن ذلك لا يبدو متاحاً في الأفق القريب في ظل الانقسامات الدولية حول لبنان والانقسامات الداخلية التي تحول دون انتظام عمل الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي الذي يمتنع حتى الآن عن دعوة مجلس الوزراء إلى الانعقاد خشية انسحاب «الثنائي الشيعي» الذي سيفقد الحكومة ميثاقيتها.
وبينما يمضي ميقاتي في لعبة السير على الحبال بنصائح وتوجيهات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يبقى لبنان محاصراً اقتصادياً من الإدارة الأميركية، تحت ذريعة محاربة الإرهاب والفساد، ومن الدول الخليجية التي قطعت علاقاتها مع بيروت، دون أن تنفع استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي في رأب الصدع وتغيير موقف الرياض، السلبي من لبنان والذي بات مرتبطاً بدفتر شروط صدر عن القمة السعودية–الفرنسية بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والرئيس ماكرون، ومن ضمنه تجريد المقاومة من سلاحها بذريعة حصر السلاح بيد الدولة، وهو مطلب إسرائيلي–أميركي قديم متجدد.
أما شروط جدة التي يمكن اعتبارها «وصفة حرب أهلية»، فيقع تنفيذها نظرياً على عاتق ميقاتي إذا ما أراد استعادة العلاقات الدافئة مع الخليجيين، غير أن انعقاد مؤتمر للمعارضة البحرينية في الضاحية الجنوبية لبيروت، الأسبوع الماضي، زاد موقف ميقاتي تعقيداً فسارع إلى إدانة المؤتمر ودعوة القضاء للتحقيق، في محاولة منه لتبييض وجهه أمام الرياض، وهو ما وضعه مرة أخرى في مواجهة داخلية مع «حزب الله»، كما وضع الحكومة على صفيح ساخن ومعها الشارع الذي قد ينفجر في أية لحظة، حيث بدأت قوى من «14 آذار»، إعادة تنظيم صفوفها لإطلاق مواجهة سياسية ضد ما تسميه «الاحتلال الإيراني» تحت شعار تطبيق القرار 1559، الوارد ذكره في بيان ماكرون–ابن سلمان.
إذا كان العام 2021 الأكثر قساوة على اللبنانيين معيشياً واقتصادياً منذ الاستقلال، فإن العام القادم الذي من المفترض أن يشهد انتخاب برلمان ورئيس جديدين، قد يكون عاماً كارثياً بكل معنى الكلمة سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو حتى الأمني، فيما تواجه الدولة خطر الانهيار والتلاشي.
Leave a Reply