قلم عتيق
انظر إلى حال غيرك قبل أن تشكو، واتقن عملك، مهما كان، قبل أن تتذمر وتندب حظك. في كل شتاء، تسمع من لا يملّون من النقّ والتأفف من البرد والصقيع وقصر الأيام وخفوت الشمس، وكأنه أول شتاء لهم في ميشيغن.
بالنسبة لي، إن الطقس هنا أرحم بكثير من أماكن أخرى حول العالم. فكلما سمعت أحداً يشكو أتذكر شعوب الأسكيمو الذين يعيشون في الدائرة القطبية الشمالية ملتفين بمعاطفهم السميكة داخل أكواخهم الجليدية على مدار السنة تقريباً، زادهم الوحيد هو ما يصطادونه بسهامهم من الأسماك والحيتان، ويشكرون.
والطقس غير الرحيم لا يقتصر على البرد القارس كالذي نعاني منه في ميشيغن،، إنما هناك الحر الشديد الذي يكدر الحياة على سكان الصحارى مثل جماعة «الأبورجينيز»، سكان أستراليا الأصليين، الذين ما زالوا يعيشون على صيد السقّايات وأكلها وسط قيظ لا يطاق. وبدلاً من التأفف والتذمر، يأخذون ناياتهم الطويلة وطبولهم الضخمة ويعزفون للشمس والقمر شاكرين غير آبهين بالملل ونشرات الأخبار وآراء المحللين.
تعود بي الذاكرة إلى سنوات الطفولة في قريتي الحبيبة، لم تكن هناك كهرباء، ولا تدفئة مركزية ولا مياه في الصنابير. كنا نشرب من النبع نفسه الذي تشرب منه بهائمنا. نأكل ثلاث وجبات ونشرب الشاي في الصيف، والزهورات في الشتاء، لدينا تين مجفف وأحياناً تمر. كان البيت يعج بالأولاد والزوار، لكننا لم نكن نعرف الأمراض والأوبئة والأدوية…
أحفادي يصفون طفولتي بالبائسة وفق مقاييس العصر التكنولوجي الحديث. لكنني مقتنع بأن سنوات الطفولة في جيلنا الغابر كانت أكثر سعادة من ملايين الأطفال اليوم.
بل كلما أشاهد معاناة سكان الصحارى والأصقاع الجليدية على قناة «ديسكفري»، ازداد قناعة بأن طفولتي كانت مرفّهة فعلاً، تماماً كما هي حياتي اليوم، بالرغم من كثرة المتذمرين، فها أنا أجلس الآن على كرسيي المريح أمام نافذتي المتجمدة، بين يدي «أيباد» وعلى يميني «آيفون»، والبيت دافئ والمياه الساخنة تحت الطلب متى شئت….
قد حباني الله بخصلة الشكر والحمد، فلا يغيب عن بالي أبداً أنني لم أكن حتى أحلم بأن تكون عندي سيارة حديثة أو ثياب أنيقة كتلك التي يرتديها نجوم السينما. لكنني كافحت وثابرت دون تذمر، وبالصبر والشكر كثرت النعم.
غريب الدار
Leave a Reply