اعتداء مجهول الدوافع يثير حساسيات طائفية في المجتمع العربي والإسلامي
ديربورن
صُدم المجتمع العربي والإسلامي بمنطقة ديترويت خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، باعتداء مجهول الدوافع على أحد المساجد المحلية في مدينة ديربورن، ما أثار عاصفة من الاستياء والتلميحات الطائفية على مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما بعد الكشف عن هوية الجاني، العراقي الأصل، الذي قُتل على أيدي الشرطة.
وفي تفاصيل الاعتداء، أفادت السلطات، بأن إحدى الدوريات التابعة لشرطة ديربورن كانت تجوب الأحياء الشمالية الشرقية في مدينة ديربورن حوالي الساعة الثانية صباحاً من يوم السبت الماضي، عندما رصدت حريقاً في مسجد «جمعية الهدى الإسلامية» الكائن قرب تقاطع شارعي وورن ولونيو، لافتة إلى أن الدورية تدخلت –على الفور– لتطويق الحادثة، وأنها فوجئت بشخص يلوذ بالفرار.
وحاولت الشرطة إيقاف المشتبه به، الذي رفض الامتثال للأوامر، وبادر إلى إطلاق الرصاص على عناصر الدورية التي لاحقته إلى داخل مدينة ديترويت طالبة منه إلقاء السلاح وتسليم نفسه. ولما عاود المشتبه إطلاق النار على الشرطة، ردّ عليه أحد العناصر وأرداه قتيلاً بطلقة في العنق.
رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود، الذي كان أول الحاضرين لتفقد الأضرار التي لحقت بالمسجد صرح بأن القتيل هو الشخص المسؤول عن إضرام النار في «جمعية الهدى الإسلامية»، مرجحاً أن الجاني «يعاني من مشاكل عقلية». وأكد حمود في بيان صحفي بأن المشتبه أطلق رصاصتين على الدورية التي حاولت عبثاً إقناعه بإلقاء السلاح وتسليم نفسه، مستبعداً وجود أية تهديدات أو مخاطر وشيكة على دور العبادة في المدينة.
وأثنى حمود على الاستجابة السريعة لطواقم الإطفاء، التي تمكنت من إخماد النيران خلال «وقت قياسي»، ونجحت في تجنيب المسجد المزيد من الأضرار والخسائر التي اقتصرت على مساحات محدودة خلف مدخل قسم النساء.
من جانبه، أشاد قائد شرطة ديربورن عيسى شاهين بجهود عناصره «الذين أبدوا قدراً عالياً من الشجاعة والاحتراف لحماية مجتمعنا من الخطر المحدق».
ووصف شاهين، الاعتداء على مسجد الهدى بـ«الحادثة المأساوية.. في مجتمعنا الديني وفي عموم مدينة ديربورن»، لافتاً إلى أن شرطة ديترويت وشرطة ولاية ميشيغن تشاركان في التحقيقات المتعلقة بحادثتي إحراق المسجد ومصرع الجاني الذي قُتل داخل حدود مدينة ديترويت.
وقال شاهين: «نظراً لوقوع إطلاق النار القاتل في ديترويت، ستقوم شرطة ديترويت وشرطة ولاية ميشيغن بالتحقيق في الحادثة».
وفيما كانت التوقعات الأولية ترّجح أن يكون أحد المتعصبين الأميركيين وراء الاعتداء على «مسجد الهدى»، أظهرت المعلومات الأولية أن الجاني يدعى أحمد تقي ويبلغ من العمر 37 عاماً، حسبما كشفت المتحدثة باسم مقاطعة وين، تيفاني جاكسون.
ومن المتوقع أن يعقد مسؤولو «مكتب التحقيقات الفدرالي» (أف بي آي) في ديترويت، بمشاركة وكالات إنفاذ القانون المحلية، ندوة عامة في «مسجد الهدى»، يوم السبت المقبل، بين الساعة 11 صباحاً والساعة 1 ظهراً، للكشف عن المزيد من المعلومات بشأن الحادثة.
وبحسب المعلومات المتوفرة، توفي تقي إثر إصابته بطلقة في العنق، وقد اتضح فيما بعد أنه من أصول عراقية، حيث كتب إمام «مركز كربلاء»، الشيخ هشام الحسيني، على «فيسبوك» قائلاً إن مريضاً عقلياً حاول إحراق «جامع لأهل السنّة في ولاية ميشيغن»، وأن «الشيعة وبقية المسلمين من مختلف الملل سارعوا إلى التضامن والصلاة في المسجد والتواصل مع الإدارة.. لدرء الخطر عن بيوت الله».
وعلمت صحيفة «صدى الوطن» من مصادر مطلعة على التحقيق، أن تقي من سكان مدينة ديربورن وسبق له أن عمل مترجماً لدى الجيش الأميركي في العراق.
وأثار الانتماء المذهبي للجاني العراقي الأصل عاصفة من التعليقات والتلميحات الطائفية على وسائل التواصل الاجتماعي، تنوعت بين الحضّ على التسامح والتوحّد، وبين تحميل المتعصبين مسؤولية الكراهية والتنابذ بين المكونات الدينية والطائفية في أوساط الجالية العربية بمنطقة ديترويت.
وكتب أحد المتصفحين: «بعض الناس يشتهي بياناً من الشرطة يقول إن الرجل شيعي، وإنه يمثل كل الشيعة»، ساخراً من المتربصين الذين يريدون استغلال الحادثة لإشعال نار الفتنة المذهبية.
ودعا متصفح آخر إلى ضبط النفس وعدم الانزلاق إلى المهاترات الطائفية، وقال: «اهدأوا حفظكم الله، فلا داعي لإثارة القضية والدخول في مهاترات وحساسيات دينية ذبحت أوطاننا، واتركوا المهمة للجهات المختصة».
واستنكر متصفح ثالث ما أسماه «التستر على طائفة الجاني»، وكتب على «فيسبوك»: «نريد فقط أن نعرف من أي طائفة.. حتى نعرف الجهة التي تثير الفتن».
تضامن
ونأت إدارة «مسجد الهدى» بنفسها عن التجاذبات المذهبية، وقال رئيس «جمعية الهدى الإسلامية»، منصور مشرح: «لسنا معنيين بما يقال على السوشال ميديا، نحن ملتزمون فقط بما يصدر عن الجهات الرسمية»، مضيفاً بأن الإدارة لا تعرف شيئاً عن المعتدي سوى أنه «شرق أوسطي»، بحسب البيانات الرسمية الأولية.
وأوضح مشرح بأن «مسجد الهدى» مفتوح أمام السنّة والشيعة، وأمام المسلمين وغير المسلمين، وقال: «هذا الجامع بُني لكي يكون مفتوحاً أمام الجميع».
وشكر مشرح رئيس البلدية عبدالله حمود على مؤازرته ليلة الحادثة، وقال في حديث مع «صدى الوطن»: «مهما شكرت رئيس البلدية فإنني لن أوفيه حقه، لقد كان لوقوفه بجانبنا الأثر الأكبر في تجاوز هذه الأوقات العصيبة».
وثمّن مشرح جهود دائرتي الإطفاء والشرطة، وقال: «لولا استجابتهم السريعة لطلب النجدة، وإخماد الحريق خلال وقت قصير، لكانت الأضرار والخسائر التي تكبدناها أكبر بكثير مما خسرنا في الوقت الحالي».
بدوره، استنكر إمام «المنتدى الإسلامي الأميركي» بديربورن هايتس، السيد حسن القزويني، الاعتداء على “مسجد الهدى”، ووصفه بالعمل الإرهابي، وقال: «إن الاعتداء على مساجد السنّة هو اعتداء على مساجد الشيعة، فالمساجد هي بيوت الله لها حرمتها وقدسيتها». وأضاف في حديث مع «صدى الوطن» خلال زيارته لمسجد الهدى ضمن وفد من «أتباع أهل البيت»، بأن الجاني «لا يمثل أية طائفة أو شريحة أو مجموعة، وإنما يمثل نفسه فقط».
واستنكرت مؤسسات إسلامية وحقوقية ويهودية الاعتداء على «جمعية الهدى»، بينها «مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية» (كير)–فرع ميشيغن، و«المجتمع الإسلامي في ميشيغن» (أم أم سي سي)، و«اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز» (أي دي سي)، و«المنظمة اليهودية للحقوق المدنية» (أي دي أل)–فرع ميشيغن.
يُشار إلى أن «جمعية الهدى» تأسست عام 1998، في عقار سكني صغير، ومع نمو أعداد المصلّين توسعت الجمعية وشيّدت مسجداً صخماً على مساحة 20 ألف قدم مربع، قريباً من تقاطع شارعي وورن ولونيو في شمال شرقي ديربورن.
ويضم المسجد الجديد الذي افتتح في خريف 2020، مصلى للرجال وآخر للنساء، إضافة إلى صالة رياضية لكرتي السلة والطائرة، وقاعة لتعليم القرآن الكريم واللغة العربية في عطلات نهاية الأسبوع.
Leave a Reply