الشرطة الكندية تعيد فتح جسر أمباسادور» بعد اعتقال العشرات في ويندزر
أوتاوا، ويندزر
في محاولة لاحتواء الاحتجاجات الشعبية المستمرة ضد قيود وباء كورونا، لجأ رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، الإثنين الماضي، إلى تفعيل قانون الطوارئ لفض الاعتصامات وملاحقة المتظاهرين، مثيراً بذلك موجة من الانتقادات الداخلية التي تنذر بإطالة أمد الاحتجاجات وسط اتهامات للزعيم الليبرالي بانتهاك حق التظاهر وحرية التعبير.
وفي تبريره لإعلان الطوارئ، الذي يمنح السلطات الحكومية صلاحيات مطلقة لملاحقة المشاركين في احتجاجات «قافلة الحرية» وسجنهم وتجميد حساباتهم المصرفية، تذرع ترودو بحماية الاقتصاد الكندي ومنع قطع الطرقات وسد المعابر الحدودية، مؤكداً أن «عمليات شل الحركة غير القانونية تلحق الضرر بالكنديين، ويجب أن تتوقف».
وقال ترودو: «تلجأ الحكومة الفدرالية إلى قانون الطوارئ لتعزيز صلاحيات المقاطعات والمناطق ومواجهة الاحتلالات»، موضحاً أن الجيش لن ينتشر وأن الإجراءات الجديدة «ستكون محصورة زمنياً وجغرافياً».
ووجه ترودو خلال الأيام الماضية العديد من الاتهامات إلى المتظاهرين الذين وصفهم أكثر من مرة بالعنصريين والنازيين والمعادين للنساء، وصولاً إلى وصفهم بالإرهابيين.
وسارع كثر من رؤساء حكومات المقاطعات والمناطق معارضتهم تفعيل هذا القانون، لكنَّ ترودو أوضح أن التدابير المتّخذة ستطبّق «فقط حيث تقتضي الضرورة».
ورغم إصرار ترودو على التمسك بقيود كورونا، دفعت الحركة الاحتجاجية بعض كبار المسؤولين إلى تقديم تنازلات، من بينهم رئيس حكومة مقاطعة أونتاريو، دوغ فورد، الذي أعلن التخلي عن شهادة التطعيم وقواعد الحجر الصارمة في المقاطعة.
وقال فورد، خلال مؤتمر صحافي: «سنتخلّى عن الجوازات الصحية في الأول من آذار (مارس)»، موضحاً أنّ غالبية المواطنين باتت ملقحة وأن ذروة «أوميكرون» قد ولّت.
ودفعت التطورات، قائد شرطة العاصمة الكندية، بيتر سلولي، إلى الاستقالة من منصبه بعد ثلاثة أسابيع من محاولات احتواء الاحتجاجات التي شلت وسط المدينة بالكامل منذ 28 كانون الثاني (يناير) الماضي.
ويرى المراقبون أن سلولي رفض استخدام القوة لفض الاحتجاجات بموجب قانون الطوارئ الذي يعتبر بمثابة الأحكام العرفية، وإن لم يعلن ذلك في بيان استقالته.
الاحتجاجات مستمرة
ورغم مرور ثلاثة أيام على إعلان الطوارئ، استمر معارضو التدابير الصحية باحتلال وسط مدينة أوتاوا، لاسيما شارع ويلنغتون أمام البرلمان الكندي. وبقيت مئات الشاحنات في المكان وسط تنظيم محكم مع نصب خيم للتدفئة وأكشاك طعام.
وأكد المحتجون أنهم مصممون أكثر من أي وقت مضى على الاستمرار بتحركهم السلمي رغم تلقيهم إشعارات من الشرطة باحتمال تعرضهم لغرامات مالية باهظة قد تصل إلى مئة ألف دولار كندي أو حتى السجن بموجب قانون الطوارئ. وذهب قائد شرطة أوتاوا بالوكالة، ستيف بل، إلى حدّ تهديد المتظاهرين باستخدام تدابير غير مسبوقة لاستعادة السيطرة على المدينة، وسط تقارير عن حشد أعداد هائلة من عناصر الأمن لبدء المواجهة.
وأثار موقف ترودو المتصلب تجاه مطالب المتظاهرين انتقادات واسعة داخل البرلمان الكندي، خصوصاً من النواب المحافظين الذين اتهموه بالديكتاتورية وازدواجية المعايير لاسيما بعد أن أعرب سابقاً عن دعمه للمزارعين في الهند، عندما قطعوا الطرقات السريعة الرئيسية المؤدية إلى نيودلهي لمدة عام في 2021، وقال حينها: «ستكون كندا دائماً هناك للدفاع عن حق الاحتجاج السلمي».
وأثار ترودو غضب النواب المحافظين بعد أن اتهمهم بالوقوف إلى جانب «حملة الصليب المعكوف»، في إشارة إلى شعار النازيين.
وهذه هي المرة الثانية فقط التي يتم فيها تفعيل قانون الطوارئ بكندا في زمن السلم، بعدما كان بيار إليوت ترودو، والد رئيس الوزراء الحالي، فعّله بشكل محدود إبان أزمة انفصال كيبيك في تشرين الأول (أكتوبر) 1970، حين كان رئيساً للوزراء.
وقالت أستاذة العلوم السياسية في «جامعة أوتاوا» جنفييف تيلييه: «بموجب هذا القانون، يمكن للحكومة مصادرة ممتلكات وخدمات وحجز أشخاص. ويمكن للحكومة بموجبه أيضاً أن تحدد للناس الأماكن التي يمكنهم التوجه إليها. لا حدود فعلية لتحرك الحكومة».
وامتنع رئيس الوزراء الكندي حتى الآن استخدام الجيش ضد المتظاهرين الذين وصفهم بأنهم «أقلية طفيفة» في المجتمع الكندي.
وكانت موجة الاحتجاجات عبر أنحاء كندا، التي أطلق عليها اسم «قافلة الحرية»، قد بدأت أواسط الشهر الماضي بعدما بادر المئات من سائقي الشاحنات إلى التوجه نحو العاصمة أوتاوا احتجاجاً على قانون جديد دخل حيز التنفيذ في 15 يناير المنصرم، يشترط تطعيمهم بالكامل ضد كورونا لعبور الحدود مع الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، تطورت الاحتجاجات لتتحول إلى مظاهرات ضد حكومة ترودو الليبرالية.
وعندما أعلنت بلدية أوتاوا، حالة الطوارئ للتعامل مع المحتجين بذريعة أنهم «يشكلون خطراً جسيماً وتهديداً لسلامة وأمن السكان»، لجأ سائقو الشاحنات إلى توسيع رقعة احتجاجاتهم لتصل إلى المعابر الحدودية مع الولايات المتحدة، وفي مقدمتها جسر «أمباسادور».
ورغم شبه التعتيم الإعلامي على الأحداث في كندا، ترددت أصداء الاحتجاجات خارج البلاد، حيث خرجت قوافل مماثلة في فرنسا ونيوزيلندا وأستراليا وهولندا والولايات المتحدة مستلهمة الحركة الاحتجاجية في كندا.
جسر أمباسادور
وجاء إعلان الطوارئ الفدرالية في كندا، بعد يوم واحد من تمكن السلطات الأمنية من إعادة فتح جسر «أمباسادور» الحدودي مع ديترويت، عقب إغلاقه لمدة سبعة أيام من قبل سائقي الشاحنات وداعميهم في مدينة ويندزر الكندية، مما أسفر عن خسائر مالية قدرت بأكثر من 300 مليون دولار، بحسب «مجموعة آندرسن الاقتصادية».
وقامت السلطات الكندية باعتقال 46 متظاهراً فجر الإثنين الماضي، ووجهت إليهم 92 تهمة تتعلق بسوء السلوك ومخالفة قرار قضائي صدر قبل ساعات قليلة بإخلاء منافذ الجسر الذي يعبر منه ربع الحركة التجارية مع الولايات المتحدة. كما قامت شرطة ويندزر بمصادرة 37 سيارة وشاحنة شاركت في الاعتصام.
وحافظت الشرطة على تواجدها الكثيف في محيط الجسر الدولي تحسباً لعودة المتظاهرين.
وعند معبر حدودي آخر في مقاطعة ألبرتا، قالت الشرطة الملكية الكندية إنّها اعتقلت 11 شخصاً وضبطت بحوزتهم بنادق ومسدسات وساطوراً و«كمية كبيرة من الذخائر»، وفتحت تحقيقاً «لتحديد مستوى التهديد والمنظمة الإجرامية» التي تقف وراءه.
غطاء أميركي؟
وبحسب المراقبين، أقدم ترودو على تفعيل قانون الطوارئ، بغطاء من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وتشجيع من حاكمة ولاية ميشيغن، غريتشن ويتمر لحماية صناعة السيارات وحركة التجارة بين البلدين.
وكان البيت الأبيض قد حذر –قبل أيام من تفعيل قانون الطوارئ الكندي– من استمرار الاحتجاجات وإغلاق المعابر الحدودية، وأكد أن تلك الاحتجاجات تلحق الضرر بصناعة السيارات. وقد التزمت وزارة الخارجية الأميركية، الصمت حيال حظر التظاهر وتعليق الحقوق المدنية للمواطنين في جارتها الشمالية.
من جانبها، سارعت ويتمر إلى الإشادة بالجهود التي أدت إلى إعادة فتح جسر «أمباسادور» معتبرة ذلك «فوز لعائلات ميشيغن». وقالت في بيان: «لقد حان الوقت لاستعادة حركة المرور والتجارة عبر معبر الحدود البرية الأكثر ازدحاماً في أميركا الشمالية»، مؤكدة تضامنها مع «كل سكان ميشيغن المجتهدين» و«أنها ستفعل كل ما يلزم لضمان استمرار أعمالنا التجارية».
ويعدّ جسر «أمباسادور» الذي تعبره حوالي عشرة آلاف شاحنة يومياً، طريق إمداد رئيسي لصناعة السيارات في ديترويت.
كذلك، اعتبرت ويتمر إغلاق جسر «أمباسادور» دليلاً على أهمية استكمال بناء الجسر الثاني بين ديترويت وويندزر، وهو جسر «غوردي هاوي» الدولي الذي من المتوقع افتتاحه في أواخر العام 2024.
Leave a Reply