جيمس زغبي
كل عام، وفي شهر تاريخ الأفارقة في الولايات المتحدة، أتذكر مقابلة تلفزيونية مع هاري بيلافونتي وسيدني بواتييه شاهدتها منذ أكثر من نصف قرن. فقد لاحظ الضيفان المنحدران من أصول أفريقية، أثناء مناقشة حول أهمية تدريس تاريخ الأفارقة، أن الصراحة في تدريس التاريخ أمر ضروري إذا كان هدفنا هو سرد القصة الكاملة للتاريخ البشري، مثل مساهمات الأميركيين الأفارقة، في العلوم والطب والأدب والفنون وغيرها الكثير من المجالات التي تم تجاهلها أو تشويهها عمداً.
وأضافا أن مساهمات الأميركيين الأفارقة ليست سوى جزء مما هو مفقود. كما تغيب أيضاً المعالجة الأمينة للواقع غير الإنساني للعبودية، والإرث المقيت للفصل العنصري، وعمليات الإعدام خارج نطاق القانون، والتطهير العرقي والعنصرية المنهجية التي اتسمت بها تجربة الأميركيين الأفارقة واستمرت بأشكال مختلفة حتى الآن.
فالتاريخ الذي تعلمناه قد تم تدليسه وتجريده من تجربة الأميركيين الأفارقة، فهو ليس زائفاً فحسب، بل مدمر ومضر أيضاً. وأقدم لكم مثالاً شخصياً. عشت في شمال غرب واشنطن العاصمة على مدى العقود الأربعة الماضية، لكني لم أعرف قصة الحي الذي أسكنه إلا في العقد الماضي.
فقبل قرن، قامت شركة «تشيفي تشيس لاند» بتشييد الحي ليكون منطقة مخصصة بالكامل للبيض «بحكم التعاقد»، وكان هذا يعني أنه بموجب القانون لا يمكن بيع أي منازل للعائلات من أصول أفريقية. ومع نمو الحي، نشأت الحاجة إلى بناء مدارس لاستيعاب العائلات البيضاء التي انتقلت إليها. ولبناء مدارس ابتدائية وثانوية، وقع الاختيار على مناطق كان يقطنها عبيد سابقون تم تحريرهم وكانوا يعيشون في هذه المنطقة منذ ما قبل الحرب الأهلية، أي قبل فترة طويلة من المواثيق العنصرية لشركة «تشيفي تشيس لاند».
وأصدرت الشركة، في عمل لا يمكن وصفه إلا بأنه «تطهير عرقي»، أمراً حكومياً بطرد مئات من عائلات الأفارقة من منازلهم. وشعرت بصدمة بعد أن علمت لأول مرة بشأن التطهير العرقي في عشرينيات القرن الماضي في الحي الذي أسكنه. وكان أحد أولادي يذهب إلى المدرسة الابتدائية الناتجة عن ممارسات التطهير تلك، وعلى مدار عقد، دربت فريق بيسبول في الملعب المجاور للمدرسة. فقد كنا نلعب على أرض مسروقة ولم نكن نعرف. وعندما ساقنا هذا البحث إلى مجلس المدينة ورئيس البلدية، لم يكن أي منهم يعرف أيضاً هذا التاريخ. ثم عثرنا على قصة في «واشنطن بوست» تعود لعام 1931، أي بعد عامين فقط من طرد عائلات الأفارقة.
وذكرت قصة «واشنطن بوست» أن مدارس جديدة يتم بناؤها على «التلال الخضراء المتدحرجة» في شمال غرب واشنطن، كما لو أن الأرض كانت شاغرة، وفي محو لعمليات الإخلاء والهدم. وعندما علمنا المزيد عن مجتمع الأفارقة هذا والطريقة التي كُتب بها، شعرنا بالعار والذنب بسبب الظلم الذي حدث. وشكلنا مجموعة تمكنت، في نهاية المطاف، من التعرف على القصة، وتغيرت الأسماء في المنطقة لتضم أسماء عائلات أفريقية عاشت هناك، وأقيمت لافتات تاريخية على الموقع تحكي قصة نزع ملكية الأميركيين الأفارقة. لقد كانت ملكيات صغيرة لكن كان يتعين تقديم تعويض مقابل لها.
وفي هذا السياق، من اللافت للنظر أنه خلال شهر تاريخ الأفارقة لهذا العام، تتحرك الهيئات التشريعية في 15 ولاية لإقرار مشروعات قوانين من شأنها تقييد تدريس تاريخ الأفارقة. وعلى سبيل المثال، ينص تشريع في فلوريدا على ما يلي: «لا يتحمل الفرد، بحكم عرقه أو نوعه، المسؤولية عن الأفعال التي ارتكبها في الماضي أفراد آخرون من نفس الجنس أو النوع… يجب ألا يشعر الفرد بعدم الراحة أو الذنب أو الكرب، أو أي شكل آخر من أشكال الضيق النفسي بسبب عرقه».
لكن مشروع القانون هذا على خطأ. فنحن بحاجة إلى معرفة تاريخ الأميركيين الأفارقة الذين تم استبعاد مساهماتهم، ونريد معرفة الآلام التي كابدها الأميركيون الأفارقة منذ اللحظة التي وطأت فيها أقدامهم هذه الشواطئ حتى يومنا هذا. والأهم من هذا، يتعين علينا الشعور «بعدم الراحة والذنب والألم والضيق» النفسي. ويتعين علينا الشعور بكل هذا لأننا لا نستطيع أبداً تصحيح خطايا الماضي ما لم نعرفها ثم نعمل على معالجة تركتها.
Leave a Reply