وليد مرمر
كعادته أشاد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، بتاريخ المقاومة اللبنانية الذي سبق تأسيس «حزب الله»، منوهاً بكل من سبق المقاومة الإسلامية برفع شعار المقاومة وممارستها فعلاً. قال إن «المقاومة كفكر وثقافة ووجود في المنطقة هي سابقة على اجتياح 1982 (عام تأسيس «حزب الله») فقد كان هناك فصائل وأحزاب لبنانية تؤمن بالمقاومة ومنهم السيد عبد الحسين شرف الدين (ضد الاحتلال الفرنسي) والإمام موسى الصدر الذي ركز فكر المقاومة وأعلن تأسيس أفواج المقاومة اللبنانية (أمل). وأضاف نصرالله «ندعي ولا نصادر المقاومة ولا نقول أننا نحن من أسسها فالمقاومة بكل فصائلها ومن ضمنها «حزب الله» هي التي حافظت بالدم على هوية لبنان التي كادت أن تندثر عام 1982، وكل من يناقش بموضوع هوية لبنان اليوم عليه أن يتذكر ذلك».
والمعلوم أن سياسيي ما يسمى بالمحور «السيادي» في لبنان هم أكثر من يستعمل مصطلح «الهوية اللبنانية» ويحذر من تغييرها.
فما هي أهم معالم هذه الهوية التي تكرست بعد 1920؟
أولاً، مقولة «قوة لبنان في ضعفه». وهو الشعار هو الذي ترك لبنان بلداً سائباً ولقمة سائغة لكل اعتداءات إسرائيل منذ 1948 وحتى التحرير عام 2000 قبل أن ترسخ المقاومة معادلة الردع الوحيدة بين دول الطوق من خلال صمودها في حرب تموز 2006.
ثانياً، المطالبة بـ«حياد لبنان»، والذي يعني سلخ لبنان عن محيطه العربي والإقليمي. وهو شعار قد بدأ تطبيقه للأسف مع بدء الحرب السورية عندما تفتقت عبقرية رئيس الوزراء حينئذ نجيب الميقاتي عن نظرية «النأي بالنفس».
لكن هوية لبنان التي نعرفها اليوم، ليست إلا مأثرة من مآثر المقاومة التي دافعت عن «الأطراف»، وتحديداً جنوب لبنان الذي ضمته فرنسا إلى «متصرفية جبل لبنان» قبل أن يتحول إلى «عبء» على «المارونية السياسية بعد تأسيس «لبنان الكبير». وهذا ما دفع الرئيس إميل إدة عام 1936 إلى المطالبة بضم الجنوب حتى صيدا، إلى إسرائيل التي لم تكن قد أعلنت دولةً بعد، حسبما وثقه الكاتب رؤوفين إرليخ في كتابه «المتاهة اللبنانية». كما قامت المقاومة بترسيخ هوية لبنان العربية المقاوِمة مرة ثانية عندما تصدت «للمد الجهادي السلفي» في جبال القلمون والذي تمخضت عنه الحرب العالمية على سوريا.
«باقون نحمي ونبني»
وفي توضيح لموقف «حزب الله» من الانتخابات النيابية المقررة في أيار (مايو) القادم، قال السيد نصرالله: «من يتهمنا بالسعي إلى تأجيل الإنتخابات ويتحدث عن التأجيل، هو من يريد ذلك، وهم المتهمون. نحن ذاهبون إلى الانتخابات كما في كل المواسم السابقة بجدية وحضور قوي وبتفاعل ومسؤولية، و«نحن باقون نحمي ونبني»، وهو شعارنا الرسمي لحملتنا الإنتخابية للتأكيد على وعودنا السابقة».
؛ذلك في السياق الداخلي أكد نصرالله «على حماية الجيش اللبناني وتحصينه وإمداده بالمال والسلاح كمّاً ونوعاً» مطالباً بألا يبقى باب الدعم للجيش «باباً واحداً» في إشارة إلى الغرب. بل يجب أن «يفتح المجال لبقية دول العالم التي تقدمت في السابق ويمكن أن تتقدم بهبات لان الهدف يجب أن يكون تقوية الجيش من أجل حماية البلد». وأضاف «إذا تخلى الشعب عن المقاومة وتبرأ منها عندها لا تستطيع أن تدافع عنهم وعن وجودهم وحاضرهم ومستقلبهم. إن الشعب هو جزء أساسي من المعادلة والبيئة الحاضنة للمقاومة هي أساس في إنجازاتها ومهماتها وهي جزء أساسي من المعادلة».
واقع المقاومة والواقع الإسرائيلي
وبعد أن ذكر نصرالله بمآثر الشهداء القادة المُحتفى بذكراههم السيد عباس الموسوي والشيخ راغب حرب والحاج عماد مغنية مع آخرين، عرض أمين عام «حزب الله» لواقع المقاومة ثم قابله بالواقع الإسرائيلي فقال: «إن هناك أناساً في هذه المقاومة شغلهم الشاغل هو العمل على بناء هذه المقاومة وقدراتها الكمية والنوعية»، مؤكداً «أن المقاومة هي في حالة مواجهة دائمة مع العدو وهناك ما يحصل في الخفاء لا يتم الحديث عنه».
وعن «المعركة» التي تخوضها إسرائيل «بين الحروب» بما في ذلك قصف سوريا، قال نصرالله إن الهدف هو «وقف انتقال السلاح النوعي إلى لبنان والذي يعرف العدو أنه يصل من إيران ولذلك فهو يحاول إيقاف ذلك من خلال القصف في سوريا». مشيراً إلى أن «مدرسة عماد مغنية وقاسم سليماني في هذه المقاومة هي تحويل التهديد إلى فرصة».
والفرصة حسب توضيح نصرالله، هي قيام المقاومة بتصنيع «المسيّرات» محلياً، «واللي بدو يشتري يقدم طلب»، كاشفاً عن قدرة «حزب الله» على تحويل صواريخه الموجودة بالآلاف إلى صواريخ دقيقة، حيث بدأ ذلك منذ سنوات وجرى تحويل الكثير من الصواريخ إلى صواريخ دقيقة. ثم أضاف: «إنَّ الإسرائيليين يبحثون عن أماكن الصواريخ لكننا لا نضع صواريخنا في مكان واحد بل ننشرها في أماكن عديدة وهم يقومون بتشغيل العملاء لإيجاد أماكنها».
وفي إشارة قد توحي بأن للحزب معلومات عن عملية إسرائيلية محتملة في الداخل اللبناني قال نصرالله «نحن ننتظر العدو وإن شاء الله وبعونه وقوة المقاومين ووعيهم قد نكون أمام عملية «أنصارية 2» لأن العدو لا يثق بالعملاء بل سيرسل ضباطه وجنوده، ونحن ننتظره».
باختصار، أراد نصرالله إرسال إشارات لإسرائيل بأن تغيير قواعد الإشتباك الحالية ليس من مصلحتها رغم معرفتها بتنامي قدرات الحزب النوعية باستمرار وبأن معادلة الردع الحالية هي أفضل ما قد تطمح إليه. كما أراد السيد التأكيد لخصومه في الداخل اللبناني المتماهي مع إسرائيل بأن جعجعتهم الإعلامية المستمرة ونفخهم الدائم في نار الفتنة لن يثنيا قافلة المقاومة عن السير والتقدم، حيث أوضح السيد بأن المقاومة قد «أجرت في الربيع والصيف الماضيَين أضخم التدريبات منذ عشرات السنين. ففي الوقت الذي كان خصوم الداخل يحرضون بشكل دائم على المقاومة وفيما كانت تتشكل مؤسسات المجتمع المدني وفيما كانت الملايين تُنفق من قبل السفارة الأميركية كانت المقاومة تنفذ أوسع برنامج تدريب وتأهيل منذ عشرات السنين».
وعن وضع إسرائيل الداخلي قال نصرالله «في كيان الاحتلال تتراجع رغبة الإسرائيليين في تحمل مخاطر القتال وفي ثقتهم بالجيش ومؤسسات الدولة وتزداد الهجرة المعاكسة. الوضع الاقتصادي في داخل الكيان صعب وكارثي ونسبة الباطلة مرتفعة». ونقل نصرالله تصريحاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو بأنه يأمل بأن يتجاوز عمر إسرائيل المئة عام ذلك أن التاريخ علّمنا –ودائماً حسب نتنياهو– بأن أطول مدة شهدها التاريخ لدولة يهودية لم يتعدَ الثمانين سنة.
walidmarmar@gmail.com
Leave a Reply