مصطفى حمود ينجح في حشد الدعم اللازم لتمرير المقترح رغم اعتراض كليرك المدينة
ديربورن
ابتداءً من الانتخابات التمهيدية في آب (أغسطس) المقبل، ستلتزم بلدية ديربورن بتوفير جميع الوثائق والوسائط الانتخابية بما فيها أوراق الاقتراع، مترجمة إلى اللغة العربية، وذلك بموجب قرار مرّره المجلس البلدي –الثلاثاء الماضي– بترجمة المواد الانتخابية كافة إلى اللغات الأجنبية التي يتحدث بها ما لا يقل عن عشرة آلاف نسمة أو 5 بالمئة من سكان المدينة التي يقدر عدد سكانها حالياً بنحو 108 آلاف نسمة.
وتجنب المجلس البلدي، ذكر اللغة العربية بشكل مباشر في نص القرار، غير أنها –عملياً– اللغة الأجنبية الوحيدة التي ينطبق عليها شرط المرسوم الجديد، حيث يزيد عدد المتحدثين باللغة العربية في المدينة عن 47 بالمئة من إجمالي السكان. وتأتي في المرتبة الثانية، الإسبانية التي يتحدثها زهاء1,221 شخصاً من أصل أربعة آلاف لاتيني يعيشون في ديربورن، وفقاً لبيانات التعداد السكاني لعام 2020.
وبحسب المعلومات المتوافرة لدى «صدى الوطن»، فقد باتت ديربورن هي المدينة الأميركية الوحيدة التي تجيز –رسمياً– التصويت ببطاقات مترجمة إلى العربية.
وبموجب المرسوم الجديد الذي قدمه عضو المجلس البلدي، مصطفى حمود، ستتم ترجمة بطاقات الاقتراع الرسمية والإخطارات وطلبات التصويت الغيابي واستمارات التسجيل واللافتات الإرشادية والإفادات الخطية، إلى اللغة العربية.
وبذل حمود جهوداً حثيثة لإقناع المجلس بالقرار الذي نال في نهاية المطاف إجماع الأعضاء رغم معارضة كليرك البلدية جورج ديراني، الذي تقع ضمن مهامه مسؤولية الإشراف على العملية الانتخابية في ديربورن.
وفي اعتراضه، أبدى ديراني قلقه من أعباء القرار الجديد، مثيراً العديد من التساؤلات حول التكاليف والتحديات اللوجستية غير الضرورية، وفق تعبيره، مما دفع بعض أعضاء المجلس إلى التفكير بتأجيل القرار حتى العام المقبل، على أقل تقدير.
وأشار ديراني إلى أن بلدية ديربورن أتاحت –العام الماضي– نماذج انتخابية مترجمة إلى العربية لإرشاد الناخبين العرب في عملية التصويت، إلا أن الإقبال على تلك النماذج كان ضئيلاً للغاية، وهو ما اعتبره ديراني دليلاً على عدم وجود حاجة حقيقية لمثل هذه الخدمة.
وكان مكتب الكليرك قد نشر على الموقع الإلكتروني التابع لبلدية ديربورن، في تموز (يوليو) 2021، ثلاث وثائق انتخابية مترجمة إلى العربية لأغراض إرشادية، وهي: طلب التسجيل وطلب الاقتراع الغيابي بالإضافة إلى ورقة الاقتراع التي تتضمن أسماء المرشحين والمقترحات المطروحة للاستفتاء العام.
والنماذج آنفة الذكر، لم تكن سوى وسائل توضيحية لمساعدة الناخبين العرب على المشاركة الانتخابية دون أن يتم اعتمادها كوثائق رسمية في أية مرحلة من مراحل التسجيل أو الاقتراع الغيابي أو التصويت.
في السياق، أبدت العضوة ليزلي هيريك تحفظها على «استعجال القرار» الذي وصفته بأنه «طُرح دون سابق إنذار»، وقالت: «لا يمكننا السماح بهذا الأمر، وإذا فعلنا ذلك، فسوف يكون (القرار) سابقة».
ومن جانبه، اقترح العضو روبرت أبراهام تأجيل المقترح حتى عام 2023، لكن مع فتح الباب أمام المداخلات العامة خلال الجلسة، أظهر الحاضرون تأييدهم المطلق للمقترح، بمن فيهم العديد من الناشطين المدنيين والمرشحين المحليين، مع الإشارة إلى أن المبادرة غير المسبوقة لمكتب كليرك ديربورن بتوفير نماذج مترجمة، كانت قد جاءت استجابة لجهود مدنية وحقوقية لتمكين الناخبين العرب الذين لا يجيدون اللغة الإنكليزية بشكل كاف لممارسة حقوقهم الدستورية في اختيار حكومتهم المحلية.
وشهد الاجتماع مشاركة سكرتيرة الولاية، جوسلين بنسون، التي عبّرت عن تأييدها للمقترح الذي يطالب بترجمة المواد الانتخابية إلى اللغات التي يتحدث بها 5 بالمئة من السكان أو أكثر.
وأوضح المرشح في سباق «الدائرة 15» بانتخابات مجلس نواب الولاية لعام 2022، والموظف السابق لدى سكريتاريا ولاية ميشيغن، بلال حمود، عن أهمية إصدار القرار بـ«أسرع وقت»، مفنداً المخاوف المتعلقة بالتكاليف المادية، وقال: «لا ينبغي أن يكون هنالك ثمن للديمقراطية».
بدوره، ساند رئيس بلدية ديربورن عبدالله حمود مشروع القرار، وقال قبل التصويت عليه: «كعاصمة للعرب الأميركيين في الولايات المتحدة، أعتقد بأنه من واجبنا إنجاز هذا الأمر»، معرباً عن استعداد إدارته لتأمين التكاليف المطلوبة.
وأفاد رئيس البلدية بأن تكاليف الترجمة قد تصل إلى 20 ألف دولار، وقال: «يمكننا أن نتدبر هذا المبلغ من الميزانية».
ونوّه رئيس البلدية بأن المنظمات غير الربحية يمكن أن تساعد في إنجاز أعمال الترجمة «بأسعار مخفضة»، موضحاً بأن البلدية تنفق الكثير من الأموال، التي يمكن أن تزيد عن 20 ألف، على «أمور هي أقل أهمية بكثير».
وتضم ديربورن أعلى نسبة من العرب الأميركيين في ولاية ميشيغن، حيث يتحدر 47 بالمئة من سكان المدينة من أصول عربية، كما أن 46 بالمئة من السكان الذين تزيد أعمارهم عن خمس سنوات، يتحدثون اللغة العربية في منازلهم.
ووفقاً لبيانات التعداد السكاني لعام 2020، يعيش في ديربورن 40,594 ناطق بالعربية في سنّ 5 سنوات وما فوق، بينهم حوالي 24 ألف يتحدثون الإنكليزية بطلاقة، و16,600 لا يتحدثونها بشكل جيد.
وتنطوي التحديات التي يواجهها العرب الأميركيون على كونهم غير مؤهلين للاستفادة من المساعدات الفدرالية المخصصة للجماعات المصنفة كـ«أقلية عرقية أو لغوية»، إذ تعتمد الحكومة الأميركية تصنيفهم كـ«بيض» ضمن التعداد السكاني.
وبينما ينص الفصل 203 من «قانون حقوق التصويت الفدرالي» على مساعدة الأقليات اللغوية التي عانت تاريخياً من الإقصاء والتهميش في العمليات السياسية، كالناطقين باللغات: الإسبانية، والآسيوية، ولغات السكان الأصليين، ولغة سكان الآسكا الأصليين– إلا أنه لا يدرج العربية بين اللغات المؤهلة للمساعدات الفدرالية.
وكانت الحكومة الفدرالية قد تدخلت في مدينة هامترامك لمساعدة الناخبين البنغاليين الذين يتحدثون اللغة البنغالية، فيما أحجمت عن مساعدة الناخبين العرب الذين لا يلحظهم القانون الفدرالي.
وفي السياق، أشار رئيس البلدية إلى أن المرة الوحيدة التي يبدو فيها بأن الحكومة الأميركية تعترف بالعرب الأميركيين كـ«أقلية» هي عندما يتم تصنيفهم من قبل بعض الوكالات الفدرالية، مثل «إدارة أمن النقل» (تي أس أي)، في إشارة إلى الاستفراد بالمسافرين ذوي الأصول العربية في المطارات.
وأوضح بعض المؤيدين للقرار الجديد بأن «قانون حقوق التصويت» الفدرالي يشترط أن يكون 5 بالمئة على الأقل من سكان المدينة، أو عشرة آلاف مقيم، يتحدثون باللغات المشمولة بالقانون الفدرالي لكي يكونوا مؤهلين للمساعدة. وقد تمت استعارة هذا الشرط في صياغة نص القرار المقدم لمجلس ديربورن البلدي.
ووصف العضو كمال الصوافي، المقترح بأنه «يمكن أن يكون مخيفاً للبعض»، لكنه أكد أن ترجمة المواد الانتخابية تعزز «المشاركة المدنية للمجموعات التي قد تشعر بالاستبعاد».
وبعد التصويت لصالح المقترح يالإجماع، اعتبر راعي المشروع مصطفى حمود إصدار القرار بمثابة «نصر للناخبين»، مضيفاً في حديث مع صحيفة «ديترويت فري برس» بأن «التصويت من أهم الحقوق التي نتمتع بها كمواطنين أميركيين».
وأكد أن توفير مواد الاقتراع بالعربية يؤمن «وصولاً أكبر للناخبين» و«يبني الثقة»، كما أنه يساعد على زيادة «اندماج السكان في ديمقراطيتنا»، على حد تعبيره.
في مقابل ذلك، تمسك ديراني بموقفه السلبي من المقترح لافتاً إلى أن مكتبه قام بتوفير النماذج الانتخابية باللغة العربية في جميع أقلام الاقتراع في انتخابات العام الماضي، غير أن عدد الناخبين الذين استعانوا بتلك النماذج كان ضئيلاً للغاية. وأوضح أن إدارته وزعت 2,500 نسخة مترجمة، إلا أنه لم يُطلب منها سوى 21 فقط، وفق تصريحه لصحيفة «ديترويت فري برس».
المعارضة المستميتة والانتقاد المتواصل للقرار الجديد، لم يتوقفا عند تصريحات الكليرك الذي يشغل منصبه منذ عام 2018، بل وصلا إلى حدّ قيام زوجة ديراني بالتعريض بكل من رئيس البلدية عبدالله حمود، وعضو المجلس مصطفى حمود، الذي قاد حملة ناجحة لتمرير القرار.
وعلى صفحتها بموقع «فيسبوك»، أعادت ماريا مارزولو–ديراني التأكيد على تصريحات زوجها بأن مكتب الكليرك وفّر –على الدوام– ترجمة للعديد من المواد الانتخابية، وقالت: «هذا ينفي وجود أي كبت للناخبين كما تدّعون».
وأضافت: «ما هو معتاد، هو أن هذه المجموعة من المتنمرين بمن فيهم الحمّودين (رئيس البلدية وعضو المجلس) وأعوانهما، قاموا على مدى أكثر من أربع سنوات بمهاجمة موظفي مكتب الكليرك والعاملين في أقلام الاقتراع خلال يوم الانتخابات إلى حد استدعاء الشرطة».
وتابعت بالقول: «نحن نتكلم الأميركية في هذا البلد، كما أن معظم المهاجرين يتعلمونها، وأنا فخورة بأن أجدادي الذين كانوا يتحدثون الإيطالية تعلموا ما يكفي من الإنكليزية لاجتياز الامتحان ليصبحوا مواطنين، ويصوتوا في الانتخابات إلى جانب البولنديين والألمان والكثيرين غيرهم، بمن فيهم الأصدقاء الشرق أوسطيين الذين لم تكن لديهم أية مشكلة في هذا المجال».
وقوبلت تعليقات مارزولو باستياء وغضب العديد من متصفحي وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أبدى البعض استغرابهم من معارضتها للقرار الذي تم تمريره بالإجماع من قبل أعضاء تم انتخابهم بطريقة ديمقراطية، فيما اكتفى البعض الآخر بالتأكيد على أن العملية الانتخابية في الولايات المتحدة «معقدة للغاية»، وأنها تربك الأميركيين أنفسهم في بعض الأحيان، مضيفين بأن ترجمة المواد الانتخابية إلى اللغة الأم للكثير من المهاجرين هي «أمر معقول ومقبول».
Leave a Reply