شعر: كمال العبدلي
البراري
على امتدادِ رِمالِها العَطشى
تحتَ ضوءِ القمر
تبقى البراري موحشةً
يحفُّها السكونُ بكلِّ اتّجاهاتِها المُقفِرة
تلتاعُ الكلماتُ بتصويرِ جدبِها الشاسع
رغمَ أنّها تجدُ طريقَها
إلى تجسيمِ مَشاهدِها
كَوَقْعِ الرنينِ على السَمع
.. كوَقعِ الفرحةِ في قلبِ هاويَةٍ
لِحُليٍ ذهبيّةٍ
تتلمَّسُها بينَ أيديها
محبساً كانت أو سُواراً
أو قِلادة
إذْ قد تكونُ البراري
رُقعةً من صحارى
أو من ناطِحاتِ سَحاب
* * *
ليلى وجوليت
كانَ اسمُ «ليلى» منقوشاً على صدر الشرق
بينما كانَ اسمُ اُخَيَّتِها «جوليت»
منقوشاً على صدرِ الغرب
وحين اندلعتْ نيرانُ الحروب
ابتلعت الصدورَ والأمكِنة
فيما الكلماتُ قد فغرَتْ فاها
وهي تهوي من كفِّها
ريشةَ العزف
كقائدةِ قرقةٍ لأوركسترا
* * *
نغَمان
مازالَ النايُ من قُراهُ النائية
يعزفُ ألحانَ الأنينِ المُعاتِب
والكمانُ ينزل بلحنِ الحُزنِ
إلى قعرِ الأحاسيس
ثمّ يرفعُهُ إلى رؤوسِ الأشهاد
ليس فقط ما بين «طنجةَ» والساحلِ الغربيِّ
لـ«هرمز»
بل حتّى بين القُطبَين المُتجمِّدَين
كأنَّ «طروادةَ» لم تنسَ قصابةَ أحصُنِها
ومصارعَ فِتيَتِها
بل كأنَّ الحربَ لم تنسَ رعبَ المُرضِعات
تحت القصفِ النازيّ
.. بل لم تنسَ حتّى خوفي
على احتراقِ مكتبتي الأليفة
في زمنِها الأحدث!
* * *
الباحث في الذاكرة
مُنكسِراً راحَ يبحثُ في الذاكرة
عن حنانٍ مُفتَقَد
منذ الطفولةِ المفقودة
إلى الأبد
.. عن حيٍّ يُحاذي بيوتاً مُتناسقةَ الرصف
وعن جنبِهِ بساتين النخيلِ والبرتقال
..عن ابتسامةٍ خجلى
تُحيّيهِ خلالَها
فاتنةُ الحيِّ تحيّةَ الصباح
.. عن كتابٍ يفوقُ قدرتَهُ على الشراء
.. عن أهلٍ وأترابٍ وخِلّانٍ
سلكوا طريقَ اللاعودة
.. عن حياة فجأةً أودَتْ به
إلى طريقٍ مسدود
لا ينفتحُ هو الآخَر
إلّا على طريقِ اللاعودة.
* * *
الدخول مجّاناً
تنزوي الكلماتُ أحياناً
جالسَةً القُرفصاءَ
فأيُّ حروفٍ بمقدورِها
كقرينتِها الكاميرا
التجوالَ بينَ المُروجِ الخُضرِ المُنتهِية
لحافّةِ بُحيرةٍ زوقاء
أو نقلَ النسائم العليلة باتّجاهِ القارئ
أو إيصالَ زقزقة العصافير وهديل الحمام
وأغاريد البلابل إلى الأسماع؟
بل كيف تلتفُّ ضفيرةً سيقانُ الورد
بوّابةً مُقوَّسة
تُحاذيها جداولُ مُتعرِّجة
رقراقة الماءِ في جريانِهِ
تتلامعُ من أسفلِهِ
ألوانُ الحصى..
تسْبَح فيه الأسماكُ ساطعةً
بقزَحيّاتِها اللونيّة
تحنو عليها الأشجارُ
وهي تمدُّ أغصانَها
للكناري والسنونو
مُتقافزاتٍ برفيفِ ألوانِ الأجنحة
والحديقةُ الشاسعةُ موسومةٌ
بقناطرَ مُحدودبةٍ فوق السواقي
خطوطَ مواصلاتٍ من دون ضجيجٍ
أو دُخان
أو جرحٍ غائرٍ في الضمير
يتركُهُ متسوِّلون
كم عطاشى هي الكلماتُ حدَّ الظمأ
لجنّةٍ أرضيّةٍ بلا فُقراء
بلا حزانى
بلا دائنٍ ومَدين
بلا سارقٍ ومَسروق
بلا قاتلٍ ومقتول
بلا كاذبٍ ومُفتَرى عليه
بلا طلاقٍ أو فراق
بلا نزِقٍ في يديه مفاتيحُ فناء
بلا حَجبِ «ليلى العامريّةِ» عن مَجنونِها
بلا سياسيٍّ يدّعي الإصلاحَ
وهو رأسُ الفساد
وعلى جنبَي السواقي
مساطبُ خشبيّةٌ
تفترشُها نمارقُ الحرير
تُجانبُها أكواخٌ مرمريّةٌ لامعة كالفضّة
نصفُها مفتوحٌ على الهواء
ونصفُها الآخَرُ مُستترٌ عن المارّة
تُشبِهُ كابيناتِ الشواطئ النصف المستديرة
ولأنَّ الهَيَمانَ نسغٌ إنسانيّ
فالكونُ أوسعُ من أن لا يُستهامَ به…
Leave a Reply