بايدن والديمقراطيون يضغطون لتشديد قوانين حيازة الأسلحة بعد مقتل 19 طفلاً في مذبحة جديدة
أجّجت المجزرة المروعة التي شهدتها مدرسة ابتدائية في ولاية تكساس، الثلاثاء الماضي، النقاش الوطني حول قوانين الأسلحة النارية في الولايات المتحدة، حيث سارع الديمقراطيون، وعلى رأسهم الرئيس جو بايدن، إلى المطالبة بفرض قيود صارمة على شراء الأسلحة، فيما ألقى الجمهوريون باللائمة على الاضطرابات النفسية والمخدرات بوصفها المسؤول الأول عن حوادث إطلاق النار المتنقلة التي تفجع الأميركيين بين الحين والآخر.
مذبحة تكساس الأخيرة التي أسفرت عن مقتل 19 طفلاً ومعلمتين، بالإضافة إلى مطلق النار سلفادور راموس (18 عاماً) الذي لقي حتفه برصاص الشرطة.
وذكر المسؤولون المحليون أن كل الأطفال الضحايا كانوا طلاباً في الصف الرابع في مدرسة روب الابتدائية بمدينة أوفالدي وكانوا داخل غرفة واحدة ولم يتمكنوا من الفرار من المذبحة التي ارتكبها راموس، وهو أيضاً من سكان المدينة الصغيرة التي تبعد حوالي 135 كيلومتراً غربي سان أنطونيو، ويشكل الأميركيون من أصول لاتينية معظم السكان فيها، بمن فيهم الجاني نفسه.
وكشف حاكم ولاية تكساس، غريغ أبوت، عن ملابسات المذبحة التي وقعت في وقت الظهيرة، مشيراً إلى أن المسلح كشف عن نواياه عبر موقع «فيسبوك» قبل توجهه إلى مكان الحادث.
وقال الحاكم الجمهوري إن مسؤولي إنفاذ القانون هرعوا نحو مصدر إطلاق النار، وتمكنوا من إنقاذ أرواح أخرى، لكن «لسوء الحظ، لم يكن ذلك كافياً». ويعتبر أبوت –كما سائر السيايين الجمهوريين– من أنصار حق حمل السلاح المكفول بالتعديل الثاني من الدستور الأميركي،
وقال أبوت في مؤتمر صحفي، في اليوم التالي للهجوم، إن مطلق النار نشر ثلاثة منشورات على «فيسبوك» قبيل أن يرتكب الجريمة المروعة.
وأوضح: «قبل حوالي 30 دقيقة من وصوله إلى المدرسة، نشر المسلح على فيسبوك أنه سيطلق النار على جدته». وفي التدوينة الثانية، قال المسلح إنه أطلق النار على جدته، وفي منشور ثالث، قال إنه سيطلق النار على مدرسة ابتدائية لم يحددها، بحسب أبوت.
وتبين أن راموس أطلق النار على جدته وتركها مصابة في منزلها، إلا أنها تمكنت من الاتصال بالشرطة بعد توجهه لمهاجمة مدرسة روب الابتدائية، التي يرتادها أطفال تتراوح أعمارهم بين 7 و10 سنوات.
وقاد الشاب سيارة «بيك أب» بسرعة عالية، لتصطدم بحاجز خارج المدرسة القريبة من منزله. ثم تبادل إطلاق النار مع ضباط الشرطة في مكان الحادث، لكنهم لم يتمكنوا من منعه من الدخول إلى المدرسة وإطلاق النار على التلاميذ داخل أحد الفصول حيث ظل متحصناً حتى مقتله على يد عناصر الشرطة.
وذكرت «واشنطن بوست» أن المهاجم عانى من التنمر في مدرسته الثانوية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وأثناء ممارسته ألعاب الفيديو بسبب مشاكل في النطق ولكنته، كما ترك منزل والدته بسبب تناولها المخدرات.
ويُغرق هذا الهجوم، الولايات المتحدة مرة جديدة في مآسي عمليات إطلاق النار في الأوساط التعليمية مع ما يرافق ذلك من مشاهد مروّعة لتلامذة تحت تأثير الصدمة تعمل قوات الأمن على إجلائهم ولأهالٍ مذعورين يسألون عن أبنائهم.
وعملية إطلاق النار التي أوقعت داخل مدرسة، أكبر عدد من القتلى في السنوات الأخيرة تعود إلى 2018، حين قُتل 17 شخصاً برصاص طالب سابق أطلق النار في ثانوية بولاية في باركلاند بفلوريدا.
ومجزرة أوفالدي هي الهجوم رقم 27 على المدارس الأميركية منذ مطلع العام، وفقاً لمنظمة Education Week المعنية بمتابعة أمور التعليم في الولايات المتحدة.
ويأتي الحادث بعد 10 أيام فقط من إطلاق النار في سوبر ماركت توبس في بوفالو، نيويورك، والذي أودى بحياة 10 أشخاص.
وتشهد الولايات المتحدة عمليات إطلاق نار شبه يومية في الأماكن العامة وتسجّل المدن الكبرى على غرار نيويورك وشيكاغو وميامي وسان فرانسيسكو ارتفاعاً لمعدل الجرائم التي ترتكب بواسطة أسلحة نارية، خصوصاً منذ بدء الجائحة في العام 2020.
وأنهت الولايات المتحدة، عام 2021 بـ693 عملية إطلاق نار جماعي، وفقاً لأرشيف العنف المسلح، فيما شهد العام السابق 611 حادثاً، وشهد عام 2019، 417 حادثاً، وفق منظمة «أرشيف العنف المسلح».
تشديد القوانين؟
وتثير سلسلة حوادث إطلاق النار المتنقلة، الجدل السياسي حول القيود على شراء واقتناء الأسلحة، وتعكس صراع الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس حول هذا الملف.
وفي كلمة ألقاها من البيت الأبيض، بعد ساعات من مأساة أوفالدي، عبر الرئيس جو بايدن عن «الشعور بالاشمئزاز والتعب» من استمرار وقوع حوادث إطلاق النار الجماعية في الولايات المتحدة، داعياً إلى «الشجاعة في مواجهة لوبيات الأسلحة»، و«تحويل الألم إلى عمل لإقرار قوانين تتمتع بالحس السليم بما يخص الأسلحة».
وفي محاولة لتحميل انتشار الأسلحة مسؤولية المجازر المتنقلة، استذكر بايدن حوادث إطلاق الرصاص الجماعي التي استهدفت مدارس وكنائس ومراكز تسوق وغيرها في الولايات المتحدة، قائلاً «هذا لا يحدث بنفس الوتيرة في أي مكان آخر بالعالم»، مضيفاً «لديهم مرضى عقليون أيضاً، ولديهم أناس ضائعون، لكن هذا لا يحدث لديهم».
وقال بايدن: «منذ حادث إطلاق النار في ولاية كونتيكيت قبل عشرة أعوام، حينما قتل مسلح 26 طفلاً في مدرسة ابتدائية بولاية كونتيكيت، وقع 900 حادث إطلاق نار في المدارس الأميركية».
وانتقد الرئيس الديمقراطي شركات الأسلحة التي «تقوم بالترويج للأسلحة الهجومية لتحقيق أرباح عالية»، مضيفاً، يجب علينا أن نمتلك الشجاعة للوقوف بوجه هذه الصناعة.
وبالمثل، دعت نائبة الرئيس كامالا هاريس، وكبار المشرعين الديمقراطيين إلى تشديد قوانين السلاح.
ووقع حادث إطلاق النار في تكساس قبل أيام من انعقاد مؤتمر «جمعية البندقية الوطنية» NRA في هيوستن، بمشاركة عدد كبير من السياسيين الجمهوريين البارزين، بمن فيهم الرئيس السابق دونالد ترامب.
وحتى مع سيطرة حزب بايدن (الديمقراطيين) على الكونغرس بشكل ضئيل، توقفت مشاريع قوانين بشأن الأسلحة النارية بسبب معارضة الجمهوريين في مجلس الشيوخ. وفي العام الماضي، أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروعي قانون لتوسيع عمليات «التحقق من الخلفية» بشأن شراء الأسلحة النارية، لكن لم يتمكن الديمقراطيون من تمريرهما في مجلس الشيوخ.
وقد استكشف المفاوضون من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الماضي تنازلات محتملة أخرى يمكن أن تكون شرارة لمحادثات جديدة، لكن هذه المحادثات كانت تتلاشى دائماً.
وناقش الجانبان في الماضي قانوناً يسمى «الراية الحمراء» وهو يسمح لقوى الأمن بمصادرة الأسلحة من الأشخاص الذين يعتقد أنهم يمثلون تهديداً، لكن هذا المقترح لم يبصر النور قط.
وعلى ضوء مجزرة تكساس، سارع زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشلك شومر مرة أخرى لوضع مشروع القانون على الطاولة مجدداً.
وتحصر صحيفة «واشنطن بوست» الجدل بين الحزبين بالضغط لتشديد قوانين الأسلحة، كما يريد الديمقراطيون، مقابل التوجه إلى أمور مثل تحسين الصحة العقلية وغيرها بدون المساس بحرية شراء الأسلحة، كما يريد الجمهوريون.
وتقول الصحيفة إن الجمهوريين هم على استعداد تام للدفاع عن الملكية الخاصة للأسلحة النارية –حتى البنادق ذات الطراز العسكري التي اشتراها مطلق النار في أوفالدي– باعتبارها حقاً دستورياً لا ينبغي انتهاكه من قبل الكونغرس.
وقال السناتور الجمهوري تومي توبرفيل، «أنا آسف جدا لما حدث، لكن الأسلحة ليست هي المشكلة، الناس هم المشكلة، هذا هو المكان الذي تبدأ فيه».
من جهته، قال شومر إن الديمقراطيين منفتحون على جولة جديدة من المفاوضات مع الجمهوريين لوضع قيود جديدة على الأسلحة، لكنه قال إنه ليس متفائلاً.
ولم يعط زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل أي إشارة فورية حول ما إذا كان الجمهوريون سينخرطون في حل وسط محتمل.
وفي تصريحاته، الأربعاء الماضي، وصف إطلاق النار في تكساس بأنه عمل «شاب مختل» وطلب الصلاة للضحايا لكنه لم يذكر أي إجراء تشريعي.
ولم يستبعد شومر إجراء التصويت في نهاية المطاف، مشيراً إلى أن بعض الديمقراطيين «يريدون أن يروا تصويتاً بسرعة حتى يتمكن الشعب الأميركي من معرفة الجانب الذي يقف فيه كل سناتور».
Leave a Reply