وليد مرمر
لم يكد ينتهي احتساب نتائج الانتخابات النيابية التي جرت في 15 أيار الماضي، حتى بدأ «الآذاريون» (نسبة إلى «14 آذار») وبعض المتحالفين معهم من «التشرينيين» (نسبة إلى انتفاضة 17 تشرين) والجوقة الإعلامية المرافقة لهم، يتبجحون بحصولهم على الأكثرية في البرلمان الجديد على حساب المقاومة وحلفائها الذين قيل إنهم تعرضوا لهزيمة نكراء.
غير أنه يوم الثلاثاء الماضي أثبتت نتائج انتخاب رئيس المجلس النيابي ونائبه وهيئة المكتب أن كل تلك الادعاءات لم تكن سوى «جعجعة بلا طحين» كما يقول المثل العربي، أو كعنوان مسرحية شكسبير «الكثير من اللغط حول لا شيء» Much About Nothing! فما حدث في انتخابات المجلس أظهر كيف تهاوت الأكثرية المزعومة أمام تكتل المقاومة وحلفائها الذين فازوا برئاسة المجلس ونيابته وأمانة السر! بل إن الرئيس نبيه بري استطاع الفوز في الجولة الأولى بالأغلبية المطلقة حاصداً أصوات 65 نائباً، وهو القدر اللازم للفوز، ولو كان قد احتاج لأصوات أكثر، لرفده «التيار الوطني الحر» بما يلزمه للفوز. أي كان باستطاعة بري الفوز بما يناهز 85 صوتاً وهو رقم يقارب ثلثي أعضاء المجلس! ثم يأتيك مَن مازال يشكك بتوازنات البرلمان ويتوعد بتحالفات جديدة ستعيد «السيادة» للبنان وتحرره من «الاحتلال الإيراني»! ولو قال قائل إن رئاسة المجلس كانت ستؤول حتماً إلى بري لأنه لم يكن ثمة مرشح غيره، فماذا عن منصب نائب الرئيس؟ ولماذا لم تستطع «الأكثرية الوهمية» الفوز به رغم تحالف القوات–الاشتراكي–قوى التغيير المعلَن على دعم مرشحهما غسان سكاف؟ وبقراءة حيثيات الجلسة لا بد من الوقوف عند الملاحظات التالية:
تحديث آليات عمل المجلس
لا شك أن آليات التصويت المتبعة في البرلمان اللبناني قد عفا عليها الزمن منذ عقود. ففضلاً عن كونها غير شفافة وبدائية إلى درجة السذاجة كرفع الأيدي لإقرار مشاريع القوانين والقرارات والاتفاقيات وغيرها فإنه من المعلوم أن من أهم مبادئ الديمقراطيات البرلمانية هي أن يكون سجل تصويت النواب على رأس سيَرهم السياسية. لذا أضحى من الواجب تعديل النظام الداخلي للمجلس الذي يقضي باتباع «الانتخاب السري» حسب الدستور الحالي. فأَنَّى للمواطن أن يحاسب المسؤول في صناديق الاقتراع إن لم يكن على دراية بسجله تحت قبة البرلمان؟
ولعل هذا الخلل في تقنيات عمل المجلس كان سبب السجالات القانونية والدستورية التي حصلت حيال آلية الاقتراع والنظام الداخلي وطريقة احتساب الأوراق البيض أو الملغاة. وتكرر السجال لدى انتخاب أميني سر هيئة مكتب المجلس.
أما سبب عدم مواجهة المجلس لمشاكل مشابهة في تاريخه الحديث –منذ اتفاق الطائف– فذلك لأن كل الانتخابات الداخلية التي جرت منذ ذلك الحين كانت، وبكل بساطة، تجري وفق محاصصات متفق عليها سلفاً! إذن، والحق يُقال، فقد يكون من إيجابيات نتائج الانتخابات أنها أنتجت «ميني بلوكات» نيابية تتغير تحالفاتها تبعاً للمواضيع المطروحة (بالقطعة). وهذه التغيرات أعادت إحياء اللعبة الديمقراطية على حساب التسويات المعلبة.
القوى التغييرية.. الخاسر الأكبر
بعد فوز ما كان يعرَف بقوى «8 آذار» بمقعدي رئاسة المجلس لصالح بري ونائبه عضو «التيار الوطني الحر» إلياس بو صعب، فاز بأمانة السر النائب آلان عون عن «التيار الوطني الحر» على حساب مرشح «القوات» النائب زياد حواط، كما فاز النائب هادي أبو الحسن عن «الحزب الاشتراكي» بالتزكية بعد انسحاب نائب «التغيير» فراس حمدان. وعلل حمدان انسحابه أنه جاء بسبب اعتراضه على العرف الطائفي الذي يخصص المقعد للطائفة الدرزية معتبراً أن الجلسة غير دستورية. وقال: «نحن لم نترشح على أسس طائفية ونرفض هذا العرف». وحمدان الذي أصبح «علمانياً» بين ليلة وضحاها هو نفسه الذي ترشح وفاز عن «المقعد الدرزي» في دائرة حاصبيا بعد تزكية أصوات الاشتراكيين «الدرزية» لترشيحه! ولكن كما يقال: لا جمرك على الكلام!
وإن كانت خسارة «التغييرين» أمراً محسوماً بسبب تشتت شملهم وتفرق كلمتهم وقلة عدتهم، فلماذا لم يكن على الأقل أداؤهم ديمقراطياً وشفافاً في العملية الانتخابية ليكون مثالاً يُحتذى في الديمقراطية التي ينادون بها؟ وكيف ذهبت أدراج الرياح مقولة «كلن يعني كلن»؟ فهل كان «منطوق» هذه اللازمة يُستعمل للتعمية على الأبصار فيما «المفهوم» منها هو في الحقيقة «كلن يعني المقاومة»؟ وإلا فكيف قَبِل «التغييريون» التحالف مع «القوات» لدعم سكاف لنيابة رئاسة المجلس؟ وهل كان تنازل حمدان عن الترشح لأمانة السر لصالح النائب «الاشتراكي» أبو الحسن مجرد «تسديد حساب» لأصوات الجنبلاطيين في حاصبيا الذين أهدوه الفوز؟ ولماذا عمد «التغييريون» إلى اختراع هرطقات انتخابية مبتدعة ومن أجل تسجيل مواقف سياسية في غير محلها، وذلك عبر كتابة «العدالة لضحايا المرفأ» مكان اسم مرشحهم لرئاسة المجلس؟ أولم يكن الأولى بهم الاقتراع لمرشحهم أو بورقة بيضاء كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية العصرية؟ بالمحصلة، فقد فشلت كتلة «التغيير» الوازنة (13 نائباً) بالفوز بأي من المناصب التشريعية، بما فيها المفوضون الثلاثة لمكتب الرئيس.
الأسبوع المقبل، ستشخص العيون إلى الاستحقاق التالي وهو انتخاب رؤوساء اللجان التشريعية بعدما دعا بري إلى عقد جلسة عامة للمجلس الثلاثاء المقبل لهذا الأمر. فهل ستستطيع قوى «التغيير» تسجيل اختراق في اللجان بعدما عجزت عن تسجيل أية نقاط في الجولة الأولى، أم أنها ستعمد –إذا شعرت بتدني حظوظها– إلى الاقتراع بشعارات و«كليشيهات» ممجوجة لا تسمن ولا تُغني من جوع؟
خيبة ووعيد
في تغريدة له على «تويتر» تظهر مدى خيبته، كتب وليد جنبلاط: «بعد هزيمة الأمس للأغلبية الجديدة في المجلس النيابي في انتخاب نائب رئيس نتيجة سوء التنسيق قد يكون من الأفضل صياغة برنامج مشترك يتجاوز التناقضات الثانوية من أجل مواجهة جبهة 8 آذار السورية–الإيرانية».
رئيس «القوات» قال إن حزبه «سيرفض أي شخص متحالف مع «حزب الله» لمنصب رئيس الوزراء وسيلتزم بمقاطعته للحكومة إذا تشكلت حكومة توافقية جديدة». وتابع: «ما ينبسطوا كتير حزب الله.. الانقسامات في البرلمان ستؤدي إلى مواجهة كبيرة بين الحزب وحلفائه من جهة و«القوات اللبنانية» من جهة أخرى». وبالنسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية، أكّد جعجع أن حزبه سيكون ضد أي مرشح رئاسي يدعمه «حزب الله».
ثم ماذا؟
من المعلوم أنه في حالات الأزمات الكبرى تلجأ الديمقراطيات المتحضرة إلى تأليف حكومات وحدة وطنية تواجه التحديات الكبرى التي تعصف بالأوطان. وفيما يعمد الفريق المتمثل بالمقاومة وحلفائها للدعوة إلى الحوار والتلاقي وإلى بسط يد المشاركة في السلطة على أمل إنقاذ الوطن، تتصاعد من الجهة المقابلة حدة المواقف المتشنجة والانفعالية غير الآبهة بالإنقاذ، كموقِفَي جنبلاط وجعجع الآنفين.
وبانتظار الاستحقاقات المهمة القادمة، كتسمية رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة العتيدة والموافقة على البيان الوزاري وانتخاب رئيس للجمهورية يبدو أن الأمور ذاهبة إلى كباش سياسي قد يستعصي على الحلول الدبلوماسية المعهودة وقد يتطلب حلولاً من نوع آخر!
Leave a Reply