واشنطن
تزداد حالة عدم اليقين بشأن الاقتصاد الأميركي في ظل ارتفاع التضخم بوتيرة غير مسبوقة منذ 41 عاماً، وانخفاض ثقة المستهلكين إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بينما يتجه مجلس الاحتياطي الفدرالي إلى مواصلة سياسة رفع الفائدة للسيطرة على الارتفاع الجنوني للأسعار وسط مخاوف من أن تؤدي هذه السياسة إلى زيادة مخاطر الركود.
رفع الفائدة
بينما يستمر التضخم في إلقاء المزيد من الضغوط على المستهلكين، وإحراج إدارة الرئيس جو بايدن والديمقراطيين قبل انتخابات الكونغرس هذا الخريف، أعلن البنك الفدرالي، الأربعاء الماضي، عن أكبر زيادة في سعر الفائدة منذ قرابة 30 عاماً بثلاثة أرباع نقطة مئوية (0.75).
وأكد الاحتياطي الفدرالي في بيان، أنه سيواصل رفع أسعار الفائدة هذا العام بوتيرة هي الأسرع منذ عقود، في ظل محاولات لمكافحة التضخم الذي بلغ أعلى مستوياته في الولايات المتحدة منذ العام 1981.
ومن خلال رفع أسعار الفائدة الرئيسية بأعلى وتيرة منذ العام 1994، يشجع بنك الاحتياطي الفدرالي المصارف على منح قروض أكثر تكلفة لعملائها الذين سيكونون، بالتالي، أقل ميلاً للاستهلاك.
وخفض الاحتياطي الفدرالي معدل الفائدة إلى صفر في آذار (مارس) 2020 لدعم الاقتصاد بمواجهة تبعات أزمة وباء كورونا.
وتراوحت معدلات الفائدة بين صفر و0.25 بالمئة لمدة عامين، قبل أن يتم رفعها بمقدار ربع نقطة في مارس 2022، ثم بمقدار نصف نقطة في مايو، لتتراوح الآن بين 1.5 و1.75 بالمئة، بعد الزيادة الأخيرة.
ويقلص التضخم قدرة الأميركيين الشرائية ويهدد النمو الاقتصادي ويشكل شوكة في خاصرة الرئيس بايدن الذي تتهمه المعارضة الجمهورية بانتهاج سياسة تضخمية.
وكذلك يؤثر ارتفاع الأسعار الكبير على شعبية بايدن الذي أكد في وقت سابق أن إعادة الأسعار إلى وتيرتها الطبيعية تعتبر أولوية بالنسبة له.
وتهدد أسعار البنزين القياسية والعوامل الجيوسياسية بإبقاء التضخم مرتفعاً خلال الأشهر المقبلة، مع استمرار قيود سلاسل التوريد، والحرب في أوكرانيا.
وتسببت الصعوبات في سلاسل الإمداد العالمية بارتفاع الأسعار في كل أنحاء العالم، غير أن هذه الأزمة ازدادت حدة في الولايات المتحدة إذ اقترنت بنقص في اليد العاملة، في وقت أدت المساعدات المالية الحكومية السخية إلى تحفيز الطلب.
وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي، جيروم باول، إن قرار رفع معدل الفائدة 75 نقطة أساس كان غير معتاد بالنسبة للبنك، لكنه لم يستبعد إقرار زيادة مماثلة في الشهر المقبل.
وذكر باول في مؤتمر صحفي بعد اجتماع السياسة النقدية: «من الواضح أن زيادة الفائدة 75 نقطة أساس كانت مرتفعة بشكل استثنائي، ولا أتوقع أن يكون هذا الحجم من الزيادة طبيعياً».
لكن باول أشار إلى أن الفدرالي من المرجح أن يناقش رفع الفائدة بمقدار 50 نقطة أو 75 نقطة أساس في اجتماع شهر تموز (يوليو) المقبل.
وأوضح رئيس الفدرالي أن البنك يمتلك الأدوات اللازمة للتعامل مع تسارع التضخم، مشيراً إلى أن وتيرة ارتفاع الأسعار أصبحت قوية بشكل غير طبيعي.
وأشار باول إلى أن جزءاً كبيراً من التضخم في الولايات المتحدة لا يخضع لسيطرة الاحتياطي الفدرالي، حيث إن الحرب الأوكرانية تسببت في رفع أسعار الوقود والسلع لمستويات قياسية، وهو ما لا يمكن للسياسة النقدية أن تتعامل معه.
كذلك، خفض مجلس الاحتياطي الفدرالي توقعاته للنمو الاقتصادي في العامين الجاري والمقبل.
وتوقع الاحتياطي الفدرالي عقب قرار السياسة النقدية، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.7 بالمئة في العام الجاري مقابل تقديرات سابقة صادرة في مارس الماضي بنمو 2.8 بالمئة.
كما خفض البنك تقديراته للنمو في العامين المقبلين عند 1.7 بالمئة و1.9 بالمئة على الترتيب، مقابل توقعات سابقة بنمو 2.2 بالمئة و2 بالمئة.
ارتفاع الأسعار
ارتفع التضخم في أسعار المستهلكين بالولايات المتحدة خلال شهر مايو المنصرم إلى أعلى مستوياته في أكثر من أربعين عاماً، مما يعزز احتمالية مواصلة الاحتياطي الفدرالي رفع الفائدة بقوة لفترة أطول.
وتوقع أعضاء الفدرالي وصول معدل الفائدة لمستوى 3.4 بالمئة في نهاية العام الجاري، مقابل تقديرات صادرة في شهر مارس الماضي عند 1.9 بالمئة.
وأظهرت البيانات الصادرة لشهر مايو الماضي، ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين 8.6 بالمئة خلال مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهي أكبر زيادة سنوية تشهدها البلاد منذ العام 1981، فيما كانت التوقعات تشير إلى ارتفاعه 8.3 بالمئة فقط
ومقارنة بشهر نيسان (أبريل) المنصرم ارتفع التضخم 1 بالمئة على أساس شهري.
وشملت زيادة الأسعار الشهر الماضي، كل القطاعات بما فيها السكن والبنزين وتذاكر السفر والمواد الغذائية والسيارات الجديدة والمستعملة، وصولاً إلى الخدمات الصحية والملابس.
كذلك أظهرت بيانات مكتب إحصاءات العمل الصادرة الثلاثاء الماضي، ارتفاع مؤشر أسعار المنتجين في مايو الماضي –وهو مقياس للأسعار المدفوعة لمنتجي السلع والخدمات– بنسبة 0.8 بالمئة على أساس شهري، وبنسبة 10.8 بالمئة على أساس سنوي.
وبالإضافة إلى أسعار الوقود التي سجلت قفزات قياسية، سجلت معظم السلع الغذائية ارتفاعاً كبيراً مقارنة بشهر مايو من العام 2021، حيث قفز سعر البيض والزبدة بنسبة 32.2، بينما شهد الدجاج والحليب والقهوة وغيرها من مواد البقالة الشائعة زيادة بنسبة 10 بالمئة على الأقل.
وبشكل عام، ارتفع متوسط الزيادة في جميع المواد الغذائية بنسبة 10.1 بالمئة، وهي أكبر زيادة سنوية منذ آذار (مارس) 1981.
كما شهدت تكاليف السفر ووسائل النقل العام وأسعار تذاكر الطيران وغيرها من المصاريف المتعلقة بالسفر زيادات كبيرة تراوحت بين 26 و37 بالمئة.
وارتفعت أسعار الإقامة بالفنادق بنسبة 22.2 بالمئة، فيما شهدت الملابس زيادة بنسبة تجاوزت 5 بالمئة.
ثقة المستهلكين في الحضيض
في سياق متصل، تراجعت ثقة المستهلكين في الولايات المتحدة لأدنى مستوى على الإطلاق، مع استمرار القلق حيال التضخم في الولايات المتحدة.
وسجل مؤشر «جامعة ميشيغن» لثقة المستهلكين الأميركيين تراجعاً إلى 50.2 نقطة في القراءة الأولية لشهر حزيران (يونيو) الجاري، مقابل 58.4 نقطة في مايو الماضي، ومقارنة بتوقعات كانت تشير لتسجيل 58.1 نقطة.
وهذه هي أدنى نسبة يسجلها مؤشر «جامعة ميشيغن» منذ بدء العمل به عام 1952.
وانخفض مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي إلى 55.4 نقطة من 63.3 نقطة، كما تراجع مؤشر التوقعات المستقبلية من 55.2 نقطة في الشهر الماضي إلى 46.8 نقطة في يونيو.
وأبدى المستهلكون قلقهم بشأن الوضع المالي الشخصي، بالإضافة إلى تعبير 46 بالمئة من المستهلكين عن رؤية سلبية تجاه التضخم، مقابل 38 بالمئة في مايو الماضي.
وأشار التقرير إلى أن أسعار البنزين أثرت بشكل قوي على معنويات المستهلكين في الولايات المتحدة، وسط توقعات باستمرار الصعود.
احتمالية الركود
قال بنك «جي بي مورغان تشيس» إن مؤشر الأسهم «أس آند بي 500» يشير إلى احتمالية 85 بالمئة لحدوث ركود اقتصادي في الولايات المتحدة، مع تزايد القلق حيال «أخطاء» البنك الفدرالي في التعامل مع التضخم.
وأوضح محللو «تشيس»، أن التوقعات بشأن ركود الاقتصاد تستند إلى هبوط مؤشر الأسهم بمتوسط 26 بالمئة في آخر 11 حالة ركود سابقة، كما يتبع ذلك انهيار المؤشر في سوق هابطة وسط مخاوف تسارع التضخم وزيادة معدلات الفائدة بشكل حاد.
وأضافت المذكرة: «بشكل عام، يبدو أن هناك مخاوف متزايدة بشأن مخاطر الركود بين المشاركين في السوق، والتي قد تصبح ذاتية التحقق إذا دفعهم ذلك إلى تغيير السلوك من خلال خفض الإنفاق أو الاستثمار».
وأشار التقرير إلى أن مخاوف السوق بشأن حدوث أخطاء في السياسة من جانب مجلس الاحتياطي الفدرالي قد ارتفعت في الفترة الأخيرة.
وتعرضت سوق الأسهم لخسائر حادة خلال الأيام الماضية، ماحية جميع المكاسب التي حققتها منذ تولي بايدن الرئاسة مطلع العام الماضي.
Leave a Reply