محمد العزير
عيد الأب مناسبة تعرّفنا إليها في هذه البلاد، على الأقل المهاجرون منا، وهو وإن كان مُدرجاً كعيد في تقويم بعض الدول العربية، لم يتم الانتباه إليه فعلياً حتى شاع التواصل الاجتماعي الذي كان المنبر الأوسع لإرسال واستقبال التهاني التي لم ولن تصل قط إلى مستوى الاحتفاء بعيد الأم الأكثر حضوراً وعاطفية وهدايا. ومع أنه لا عمر محدد للأبوة والأمومة، تغــلب النظرة العامة إلى المتقدمين في السن عادة، فالحديث عن الآباء والأمهات يرتبط بصورة «الأهل»، الكبار الذين خرجوا أو يكادون من سوق العمل، وأضافت الهجرة لهم (أو لغالبيتهم) وظائف ومهام إضافية، بعدما حرمت الكثير منهم –خصوصاً المجلوبين من بلاد لم يعد العيش فيها ممكناً– الكثير من الأصدقاء والرفاق والأقارب ليزيد نمط العيش في العالم الجديد على غربتهم غربة.
السؤال الذي لا بد منه في مناسبة مثل عيد الأب هو: ماذا فعلنا لأهلنا؟ ليس المقصود بالسؤال ماذا فعلنا على المستوى الشخصي أو بالمفرق، وانما ماذا فعلنا كعرب أميركيين خصوصاً في ديربورن وديربورن هايتس وديترويت ومحيطها؟ المؤسف أن الجواب معروف لأن كبار السن منا أكثر فئة مهمشة اجتماعياً ومهملة مؤسسياً ومصالحها غير واردة على جدول أعمال أحد. فئة بالمعنى الحرفي للكلمة ليس لها إلا الله، لأنه لا يتوفر لها سوى المراكز الدينية لتمضية بعض الوقت، أو قتله، وحتى في ذلك كلام، فهذه الميزة تقتصر على الرجال حيث لا مكان للنساء في الأماكن التي لا تزال تفتح أبوابها للرجال.
لا بأس هنا بشيء من الصراحة (بلا مجاملات وبلا ادعاءات وبلا أسطوانة أننا نقدس العائلة ونهتم ببعضنا بعضنا وحكايات ما نص عليه الدين من صلة رحم ومودة). معظم كبار السن من أهلنا ينقسمون إلى شريحة من اثنتين؛ الأولى مهاجرون جاؤوا إلى هذه البلاد وكابدوا وكافحوا وعملوا وتحملوا من أجل توفير حياة أفضل لأولادهم وبناتهم وبذلوا دون ذلك تضحيات شخصية هائلة فلم يكن لديهم ترف الفرص والإجازات، ولم يتسن لهم التعرف إلى البلاد التي يعيشون فيها أو يتقنوا لغتها، كان كل همهم أن يروا أولادهم في أفضل المدارس وأفضل المناصب أو أن يورثوهم مصالح تجارية أو مهن إلى جانب العلم وقد نجح الكثير منهم في ذلك وأدوا الأمانة. والثانية أهل تكبدوا الكثير من المال والعناء والصبر ليساعدوا أولادهم على السفر والاستقرار سواء كطلاب أو مهاجرين أو عرسان، وعندما صار بإمكان أولادهم أو استدعت الحاجة، تم جلبهم كأجداد إلى بلاد لا يعرفونها ولا يمكنهم التعرف إليها.
تحول الكثير من هؤلاء إلى مربّي أطفال بلا أجر، ولأن المشاغل كثيرة والالتزامات الاجتماعية والشخصية كثيرة، لم يكن لدى الأولاد الوقت ليمضوا شيئاً منه معهم لا في البيت ولا خارجه، وحتى الذين كانوا محظوظين أو ثقيلي الظل على الأصهار والكنائن وصار لهم مسكن سواء في البيوت المدعومة الخاصة للمسنين أو على حسابهم، تحولت مساكنهم إلى حضانات أو أماكن لتحضير أو تخزين أو فرز بضائع وسلع وأغراض متاجر الأولاد ومحطاتهم ومطاعمهم، إلا من رحم ربي، وهم لا يتوانون عن التخلي عن معاشاتهم التقاعدية أو مساعداتهم النقدية من أجل مساعدة أولادهم. والباقي –وإن لم تلحقه المسؤوليات ولم يطلب منه شيء– ماذا يمكنه أن يفعل خارج البيت إن كان بعيداً عن الجامع أو الكنيسة؟
نعود إلى السؤال الموجه إلى المؤسسات أولاً وإلى المهتمين من العرب الأميركيين ثانياً، ماذا يمكن لمهاجر(ة) متقاعد(ة) أو والد(ة) مجلوب(ة) أن يفعلوا؟ ليس للعرب الأميركيين أية مؤسسة تعنى بكبارهم، وجلهم ليس ميسوراً إلى درجة تسمح له بارتياد أو عضوية الأندية الرياضية المتاحة، حتى المقاهي قلّت وتكاد تختفي وحلّت محلها الـ«كافيهات» ذات الشاشات الكبيرة و«الأراكيل» الكثيرة، وهذه ليس حلاً حتى للشباب والصبايا. والأنكى أنه في ظل عدم وجود أي برامج أو مؤسسات تهتم بالمسنين، لا توجد أية محاولات جدية لمساعدتهم على الاستفادة من المؤسسات والخدمات العامة الموجودة في المدن التي يعيشون فيها.
على سبيل المثال في ديربورن هناك أماكن وبرامج ونشاطات مخصصة للمسنين تتراوح بين الترفيه والتسلية والرياضة والتواصل والمواصلات، لكن زيارة سريعة إلى مركز المدينة التي يرأس بلديتها عربي أميركي ويترأس مجلس بلديتها عربي أميركي وجل أعضاء مجلسها البلدي من العرب الأميركيين، لن يجد عربياً أميركياً في أي برنامج أو نشاط، واذا وجد سيكون المشارك من قدامى المهاجرين الذين يعرفون البلد واللغة أو من المولودين هنا.
صحيح أن لدى المؤسسات القائمة والأندية والجمعيات الكثير من المهام والمشاغل، وهي تقوم بالكثير مشكورة، لكن لديها أيضاً أمكنة، لديها قاعات وباحات أكثريتها الساحقة مقفلة ومعتمة بعد الدوام، فما الذي يمنع مثلاً أن تخصص أيام معينة لاستقبال المسنين ليتوانسوا ويتعارفوا… فيقرأون صحيفة أو يستمعون إلى الأخبار أو يشاهدون فيلماً أو ما شابه؟ ما الذي يمنع توفير أدوات تسلية وإقامة دورات تدريب على الكمبيوتر أو تعلم اللغة بشكل مريح وغير مكثف؟ ما الذي يمنع تنظيم مباريات شطرنج أو حتى طاولة زهر، ليس للأعضاء فقط وانما لمن يرغب، ومن تتوفر له مواصلات مناسبة تشارك فيها المؤسسة؟
لحظت موازنة بلدية ديربورن المنشورة مؤخراً مشاريع ملاعب ومسابح وتحسينات في الحدائق العامة، هذا أمر جيد ومطلوب وضروري للشباب والطلاب والسكان، لكن حبذا لو كان فيها بند لموظف أو متطوع ولو بدوام جزئي لتنسيق إفادة المسنين من البرامج والنشاطات البلدية المخصصة لهم، وحبذا لو تبادر مؤسسة أو نادٍ إلى التواصل مع رئاسة البلدية أو الجهة المعنية وتعلن توليها هذه المهمة، هذه أمور بسيطة لا تحتاج إلى استثمارات كبيرة لكن فائدتها عظيمة لفئة مهمة من مجتمعنا.
Leave a Reply