وليد مرمر
مما لا شك فيه أن تعامل معظم أطياف المكونات العراقية البراغماتي مع استقالة نواب التيار الصدري كان مفاجئاً وغير متوقع للسيد مقتدى الصدر وذلك بعد فقدان قدرته على التحكم بمفاصل تشكيل الحكومة العتيدة رغم الانتصار الذي حققه في انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
حاول الصدر خلال عشرة أشهر استثمار نصره لتأليف حكومة وفق أجندته السياسية ولكن محاولاته كلها باءت بالفشل وحينها طلب من نوابه الثلاثة والسبعين الاستقالة من المجلس النيابي وذلك عبر مناورة واضحة تهدف تثبيت قواعده في السلطة. ولكن عندما باءت هذه الخطوة بالفشل سيما بعد اتجاه المكونات السياسية العراقية إلى الشروع بتأليف حكومة من دون مشاركة التيار الصدري كاد الرجل أن يفقد صوابه فقرر حينها الانقلاب على الشرعية وعلى النظام الديمقراطي والمطالبة بانتخابات نيابية مبكرة محرّكاً أنصاره لتعطيل العملية السياسية عبر النزول إلى الشارع واحتلال البرلمان.
وليس معلوماً ما عدا مما بدا، ففيما كان الصدر يقدم أضاحيه على مذبح العراق قائلاً بعد الاستقالة الجماعية «هذه الخطوة تعتبر تضحية مني من أجل الوطن والشعب لتخليصهم من المصير المجهول»، إذ به ينسى «الوطن» و«الأضاحي» ويقرر نسف العملية الديمقراطية برمتها وإدخال العراق في «المجهول» الذي قد حذر منه هو شخصياً!
النفوذ الإيراني
من الواضح أنه كان لاغتيال قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني منذ عامين، تأثيره على تراجع نفوذ إيران السياسي في العراق وهذا ما بدا ظاهراً في الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث تراجع تمثيل الفصائل المتحالفة مع إيران في البرلمان. ولكن هل كان هذا النفوذ إيجابياً أم سلبياً وهل كان يصب في مصلحة العراق؟
يمكن للمراقب الموضوعي لمجريات الأحداث العراقية أن يستنتج أن وجود سليماني كان يمثل دعامة لا تعوض لوحدة الصف الشيعي وصمام أمان في مواجهة التشرذم على مستوى الطائفة في كل العراق. وليس انقسام «الحشد الشعبي» إلى حشدين (مرجعي وولائي) بمباركة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي بعد اغتيال سليماني، فضلاً عن توتر العلاقات بين بعض الفصائل (التي يفترض أنها في نفس الخندق ضد مشروع «داعش» وأخواتها) إلا مصداقاً للقدرات «التوفيقية» التي كان يتمتع بها سليماني. ورغم كفاءة الجنرال قاآني الذي يرأس ذراع الحرس الثوري المسؤول عن الفصائل المتحالفة مع إيران إلا أنه لا شك يواجه صعوبات في ممارسة نفس النفوذ الذي كان يتمتع به سلفه.
شارع .. مقابل شارع
رغم تمتع الصدر بحيثية شعبية وازنة يعضدها تحالفه مع مكونات سنية وكردية (كتلة «تقدم» السنية بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي و«الحزب الديمقراطي الكردستاني») إلا أن كل محاولات تشكيل حكومة يكون له فيها النفوذ الأكبر باءت بالفشل رغم ادعائه أن تحالفه يضم 155 نائباً. أما «الإطار التنسيقي» فإنه يسعى عبر نوابه الـ83 إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية (توافقية) تضم جميع الأحزاب الوازنة، وهذا ما جرت عليه العادة في العراق منذ سنوات.
ورغم أن هذا الانسداد السياسي ليس سابقة في تاريخ الأنظمة البرلمانية لكن ما يُخشى منه هو الانزلاق إلى مواجهات ميدانية لا تُحمد عقباها إذا لم يتم حصر الخلاف بأطره السياسية. وهذا ما ظهرت بوادره منذ أيام عندما تجمع آلاف المتظاهرين من فصائل معارضة لمقتدى الصدر أمام المنطقة الخضراء في بغداد احتجاجاً على اقتحام أنصاره لمبنى مجلس النواب العراقي. وجاء في بيان عن «الإطار» إن احتجاجات الإثنين الماضي، كانت تهدف إلى حماية مؤسسات الدولة من العصيان المدني لأنصار الصدر.
هل ثمة انفراجة؟
في بادرة طيبة، أكد «الإطار»، المدعوم من إيران، تأييده لفكرة الانتخابات المبكرة التي دعا إليها الصدر، وجاء في البيان: «نؤكد دعمنا لأي مسار دستوري لمعالجة الأزمات السياسية وتحقيق مصالح الشعب بما في ذلك الانتخابات المبكرة بعد تحقيق الإجماع الوطني حولها، ويجب أن يسبق ذلك، العمل على احترام المؤسسات الدستورية وعدم تعطيل عملها تحت سقف القانون والدستور ومصلحة الشعب».
وكان لافتاً التحرك الدولي لتلافي الانزلاق نحو الفوضى التي لن يكون باستطاعة أحد التكهن بعواقبها. وهذا ما حثّت عليه السفيرة الأميركية ألينا رومانوسكي، الأربعاء الماضي، بعد اجتماعها بمستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي. وفي السياق نفسه، جاء لقاء الرئيس العراقي برهم صالح مع ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، جينين هينيس بلاسخارت، التي أكدت على دعم وتأييد البعثة الأممية للحوار بين كافة الأطراف للوصول إلى «مسارات تؤمن حماية الأمن والاستقرار وتلبي متطلبات العراقيين».
موقف المرجعية
بدا لافتاً صمت المرجعية النجفية عن خطوة الصدر الأنقلابية وغير الدستورية. وقد كشفت مصادر مطلعة عن مساعٍ لشخصيات دينية وسياسية لدفع المرجع الديني علي السيستاني إلى التدخل لمنع تفاقم الأزمة بين الأحزاب السياسية الشيعية في البلاد خاصة بعد انسداد الأفق السياسي
وهذا ما دعا إليه عضو «الإطار التنسيقي» أحمد العوادي عندما صرّح قائلاً: «إننا نحتاج لموقف وتوجيه من المرجعية فهي ذات الثقل الأكبر، وهناك شخصيات غير مشاركة في العملية السياسية تحاول أن توصّل مطالب القوى السياسية للمرجعية حتى تبدي موقفها ولكنها لم تنجح لغاية الآن».
Leave a Reply